الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العلاقة بين رئيف خوري والمقالة

وجيه جميل البعيني

2018 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


جدلية العلاقة بين رئيف خوري والمقالة
لطالما قرأت رئيف خوري، ولكم أُعجبت برئيف خوري، خاصة فيما يتعلق بأدب المقالة الموجهة للعامة والمكتنزة بالرؤى التربوية والثقافية والسياسية والاجتماعية والإنسانية. وبالتالي، عقدت العزم على أن تكون أطروحة الدكتوراه متمحورة حول العلاقة الجدلية بين رئيف خوري والمقالة، خاصة وأننا نفتقد اليوم الى أقلام نهضوية مسؤولة والى مثقفين محايدين، او عضويين، بعيدين كل البعد عن الجهوية وعن التمرغ في أحضان الطوائف والأحزاب والزعامات، مع معرفتنا التامة بأن المقالة أصبحت اليو جزءاً لا يتجزأ من زاد المواطن، إضافة الى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وليس ذلك بطبيعة الحال إلا لأنها تحمل، رغم قصرها، الكثير من الأفكار ووجهات النظر.
ها أنا ذا اليوم أصل الى تحقيق هذه الأمنية، وليس ذلك إلا كي أشبع نهمي الى التعمق في معرفة رئيف، من جهة، وتبيان حقيقة علاقته الجدلية مع المقالة، من جهة ثانية، وكي أفي هذا الأديب المثقف حقه، من جهة ثالثة، بحيث أقدم للمهتمين، وبخاصة طلاب الأدب، بحثاً عملت على إعداده طيلة سنوات، مع نخبة من الأساتذة المشرفين والداعمين، متمنياً أن تكون فيه فائدة تُرتجى وأن يكون مادة مرجعية، خصوصاً وأنني قمّشت وقرأت وأدخلت أفكاراً مستقاة من نخبة من أدباء ومثقفين عايشوا رئيف وعرفوه عن قرب، وآخرون أعجبوا بمناقبيته فكتبوا عنه ما أمكنهم الكتابة. فكانت هذه المعلومات نبراساً أنارت طريقي أثناء توغلي في أعماق فكر رئيف خوري ونضاله الأدبي، خاصة وأنه سخّر الأدب لخدمة " العامة" من الناس.
رئيف خوري، وما أدراك ما رئيف خوري! كاتب متمرًس، أديب مستنير، شاعر مرتقٍ، صحفي لامع، أستاذ مربٍّ، خطيب مصقع، ناقد موضوعي لاذع ومثقف عضوي كرّس حياته لمعالجة قضايا الناس. لقد تعلمنا منه الكثير مما قدمه من أفكار نيّرة وتقدمية طامح الى التغيير والانعتاق من الاستعمار والأنظمة البالية الهادفة الى مجتمع أفضل، راقٍ ومتطور. هذا ما تجلّى في جملة مقالاته التي طفق ينقد فيها الأنظم الحاكمة ويدعو الى التغيير ورفع النير عن رقاب "الكافة". هذا ما أكده في المبارزة الشهيرة التي احتدمت بينه وبين عميد الأدب العربي طه حسين، والتي تمحورت حول موضوع هل يكتب الأديب للكافة أم للخاصة. وقد بزّ رئيف طه حسين مقدماً تبريرات منطقية تقوم على أربعة محاور رئيسة هي الاستقلال الوطني، الحرية الديمقراطية، العدالة الاجتماعية والسلم بين الشعوب
في هذه المناظرة أكد رئيف أن هذه المحاور تحقق إنسانية الإنسان. فالأدب المكرّس لـ" كافة" يتصل بالناس، يهزّ ضمائرهم، يثير بصائرهم ويزيل الغشاوة عن أبصارهم. أضف الى أن هذه المناظرة كانت محطة بارزة ونقطة ارتكاز لتبنّي فكرة الحداثة وخلق إبداعات جديدة، ورسخت فكرة أن الأدب هو ابن بيئته، ويتوجب عليه أن يتنحّى عن برجه العاجي ويكون في حضرة " الكافة" بحيث يكتب لهم بسلاسة وبساطة ، بعيداً عن التعقيد.
وكي نوضح حقيقة العلاقة الجدلية بين رئيف خوري والمقالة، نذكر أن رئيفاً تأثر بفرنسيس بيكون (1561-1626)، رائد الأدب الإنجليزي، وبمونتاني، رائد المقالة في الأدب الفرنسي، إضافة الى تأثره بغيرهم ايضاً ممن توالوا بعدهما.وبما أن المقالة فكرة يتلقفها الكاتب من البيئة المحيط، ويتاثر بها، فإن أديبنا لم يشذً عن هذه القاعدة، خاصة وأن البيئة الثقافية في عصره كانت تضج بالعديد من المدارس الفكرية والإيديولوجيات الأدبية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية... مما كان يوحي بواقع مرير ينبغي مواجهته ومعالجته.
وفي العودة الى مقالات رئيف، التي قدمنا منها بعض النماذج في بحثنا هذا، يتبيّن لنا أنها هادفة بمجملها، إذ تجسّد الملامح الوطنية والقومية والإنسانية لأية قضية يريد إيصالها الى جماهير القراء، دون مواربة او مخاتلة، ما يجعلها صادقة وناطقة باسم الأحاسيس التي تعتمر طموحات الناس بعيداً عن أسلوب الخطابة الفضفاض، فتتغلغل سريعاً في القلوب والعقول، وتتحول الى قناعة وإيمان، وتترسخ كمبادىء وسيرورة للمواجهة ومناهضة الظلم والتسلّط الذي خلّفته الأنظمة الاقطاعية والاستعمارية.
والحال هذه، كان رئيف ثاقباً في مقاربة الأمور، واستطاع من خلال المقالة أن يرسم صورة لرؤيته الإنسانية، وهو الذي ناصر القضايا التي تهمّ الطبقات الكادحة، والقضايا القومية، وعلى رأسها قضية فلسطين ومحاربة الصهيونية، الآفة والسرطان، غير آبه بكل أنواع الملاحقة والاعتقال والسجون، مراهناً على إرادة الشعوب في تحقيق الانتصار،المعنوي على الأقل. ذلك أن عالمنا تتحكم فيه طغمة حاكمة من المحيط الى الخليج، وأنظمة رجعية مرتهنة للاستعمار تنفذ أهدافه ومخططاته. فكان رئيف الضوء الخافت الذي انبلج، وينبلج كل يوم، من حطام المعاناة والماساة، ويترك بصمات ناصعة في تاريخ هذه الأمة التي أضحت متأسّنة نتيجة فساد حكامها المرتهنين لسلطة الدكتاتور الأكبر المتمثل بالنظام الرأسمالي الذي تسيّره الولايات المتحدة الأميركية حصرياً، والذي تشكل هذه الطغم الحاكمة أداته، بالرغم من أنه يدعي الديمقراطية، لكنه يعمل على سرقة خيرات بلدان العالم الثالث.
حيال ذلك، انبرى رئيف، على غرار العديد من النهضويين، مناضلاً ومعرّياً السياسات الاستعمارية التي مزّقت مكوّنات الوطن العربي على أسس طائفية، متجاهلة كل ما جاءت به تعاليم عصر النهضة من قيم راقية. وقد التزم رئيف في كتاباته خدمة قضايا الشعوب المضطهدة والمقهورة، أينما كان، منادياً بضرورة قيام حكم وطني ديمقراطي، إنما لن يتمّ او يتحقق ذلك دون فصل الدين عن الدولة. ومن ضم توجهاته حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ضمن رؤية قومية تشكل فلسطين جزءاً منها. يقول رئيف في إحدى مقالاته: " إن خلاص لبنان إنما يتحقق بالاعتماد على الروح اللبناني الجديد الذي يؤلف أبناء لبنان ويجمعهم فيكون ذلك أساساً متيناً لاستقلاله وحريته، لأنه أساس داخلي وطني لا يتعلق بأهواء خارجية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل