الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سماء أخرى نظيفة

عبدالله عيسى

2018 / 5 / 23
الادب والفن


سماء أخرى نظيفة
إلى إبراهيم الجرادي .


عبدالله عيسى

ولا يحتاجُ للجسرِ القديمِ
لكي يعودَ ، بفتنةِ الولدِ الوسيمِ ، إلى المدينةِ نفسِها .
فالعائدونَ يمرّغونَ جباهَهمْ ، بتأوّهاتِ الرملِ ،
تحت ثيابِ نسوتهمْ ، هنا ما بين مجزرتَينِ ،
حتى يفعلوا في الليل ِ ما لم يفعلوهُ في النهارِ .

تمرّ هذي الحربُ أيضاً
مثلما عبرَ المغولُ على بقايا حِدوتَي فرسٍ
رأوها تقتفي أثراً لغيمٍ ضلّ
، طوعاً ، عن تُخومِ خِراجِ هارون الرشيدِ .

كمنْ تدلّى من حواشي اليأسِ
تسقطُ حوريّةٌ أخرى تُواري سوأةً أخرى لجثّةِ قاتلٍ
بفَمِ الغرابِ الضالّ من ثُقبِ المكيدةِ في مُخيّلةِ الغريبِ .

ولا يصدّقُ أنّهُ يحتاجُ لامرأةٍ
تُواسي ظلّهُ المفتُونَ بالقمرِ الذي يغوي على جنباتِ غرّته
صبايا الحيّ في " قصرِ العذارى " .



لا يكذّبْ في أصابعهِ التي كبرتْ بماءِ النهرِ
رائحةَ الحصى في خلخالِ سائحةٍ
أرادتْ أن تُريه تفتّحَ الدُفلى على فستانِها الشفّافِ فوق السدّ .

يغضبُ من تعجّلهِ الفُراتُ ، تقولُ ، حينَ يفيضُ.
لكنّ التواريخَ القديمةَ تنتهي بخُطى الحماقةِ ذاتِها
بجهالةِ الكُهّانِ ،
فيما الفاتحونَ ، وقاطعو الآرحامِ ينتظرونَ خلفَ النهرِ ،
منقطعي الرجاءِ ، تقولُ لها.
أنا شاعرٌ لا يُشبهُ إلا قصيدتَهُ ،
تؤرّقُهُ يداهُ على المضاجعِ
حين تذبلُ وردةٌ في مزهريّةِ من يُحبُّ ،
ولا يعودُ إلى مراياهُ سوى بشهيقِها .

أنا شاعرٌ
أشكو لجِذعِ الحورِ غصناً قَدْ يُقصّفُ في مهبّ الريحِ
قبلَ أوانِهِ ،
وأشاركُ الصقرَ المُجرّحَ رقصةَ الموتِ الأخيرةِ في الصحارى .

لمْ أعِشْ حتى أموتَ ،
ولا أموتُ سوى لأحيا .

أكتفي منّي بخوفي إذ أحبّ على الذين أحبّ بما أحبّ :
ثيابُ جارتِنا على حبلِ الغسيلِ من اللصوصِ ،
وقاطعي الطُرُقِ التي تأتي بهم عُميانَ ،
أو حرسِ الحدودِ العائدينَ بخيبةِ الموتى .
مزاميرُ الرُعاةِ الطيّبينَ
يؤانِسونَ برعشةِ الأنفاسِ قُطعانَ العشيرةِ في تلالِ الغَيرِ .
وابنَةُ صاحبيْ الأعمى الذي أفشى بِسِرّ المخبرِ الثرثارِ لي ،
فوجدتُهُ في السجنِ يحملُ شمعةً ليراهُ سجّانوهُ .
والضوءُ المُخادِعُ في ابتسامةِ أختيَ الصغرى التي كبُرتْ
كثيراً في مُخيّلةِ الرجالِ ،
وكنتُ أحمي لفظتي ، في غربتي ، من حنكةِ الفُصحاءِ والحمقى
بتعليمِ اليسارٍ العالميّ الفرقَ بينَ اللهجةِ البدويّةِ الأولى
وشعرِ الجاهليةِ .
قبرُ أمّي يرتقي فوق الجبالِ مدارجَ الحجلِ المهاجرِ.
لم أعُدْ إلا لأذكُرَ ذلكَ الولدَ الوسيمَ
يحكّ فكرتَهُ ليسحبٓ كفّكِ البيضاءَ من شعري ،
ولا تستيقظينَ
ولم أعُدْ إلا لأروي مالذي سوّتْ يدي بي في المنافي والبحارِ
لتغفري لي .
أصدقائي المنهكونَ ، بما رأى القتلى ، من الحربِ التي وقفتْ على العتباتِ كي تبقى ،
وتنظيفِ الشوارعِ والممرّاتِ التي هرمتْ
من الجثثِ التي لن يعرفوا أنسابَها الأولى سوى بعد انتهاءِ الهدنةِ الأولى .

وهذي الحربُ أيضاً لا تمرّ
، كأن أمطارَ الشمالِ توقّفتْ ، مثل القرى والنازحين ، عن النموّ
وليس للحوذيّ أن يصلَ العناوينَ التي اندثرتْ عميقاً في الركامِ
بأهلها متقطّعي الأنفاسِ والأوصالِ في سُفُنِ اللجوءِ وفي المحطّاتِ البعيدةِ ،
ليسَ للمدُنِ التي صارتْ تكلّمنا بأكثرَ من لسانٍ أشبه بتلعثمِ الأبواقِ يومَ الحشرِ
أن تتذكّرَ الضوءَ الخفيفَ وظلّهُ المذعورَ بين التماثيلِ التي سقطتْ تباعاً مثلنا
في مادةِ التاريخِ ،
أو لحرارةِ اليدِ أن تحثّ عقاربَ الساعاتِ كي تتعجّلَ الأبدَ الذي صلبوهُ
في ديرِ النصارى .


الخارجون من المرايا بالطرائدِ ذاتها تتأوّهُ بين السهامِ الطائشاتِ ،
ويُشبِهونَ حجارةَ الكهوفِ العتيقةَ في أساطيرٍ رثتْها دوننا الأممُ القديمةُ
غيرَ أنكَ لن ترى أجسادهمْ بين التماثيلِ التي كانت
تؤنّبُ في المتاحفِ تحتَ خبطِ فؤوسهمْ حسراتِنا .

ما عادَ يكفي كلّ هذا الموتِ
كي تجدَ السريرَ ، سريرَكَ الميؤوسَ منه ، في مضاجعِ من نجى بين المرايا والممرّاتِ التي يئستْ من الأحياءِ بعد رحيلِهمْ ،
أو تكتفي ، مثلي ، بمن حضرَ الجنازةَ
كي تردّدَ أغنياتِ القانطينَ من الحياةِ وخائبي الآمالِ
فوق سطحِ سفينةٍ غرقتْ بهمْ في لجّةِ المتوسّطِ ،
الأحياءُ وحدهمُ الذين يصدّقونَ بكاؤهُمْ .

ما عادَ يكفي كلّ هذا
كي تقولَ لعالمِ الآثارِ أن قصيدةَ النثرِ التي هدمتْ عمودَ البيتِ
يجدرُ أن تُعلّقَ كالجداريّاتِ القديمةِ فوقَ جدرانِ المتاحفِ
كي تحُدّ منَ انتشارِ العنفِ والإرهابِ .

للإرهابِ دينٌ غيرُ هذا الدينِ .

لا تحتاجُ أن تلقي بفكرتِكَ التي هرمتْ كخارطةِ الخوارزميّ في أرشيفِ " أوكسفورد" على صحفيّةٍ تتحدّثُ العربيةَ الفصحى بلكنةِ " بلدوينَ "
الأوّلِ .
الدولُ التي نسيتْ خرائطَها الجديدةَ في حقائبِ فاتحيها لم تعدْ تتذكّرُ القتلى
سوى لتؤنّبَ الأحياء .
فاتلُ قصيدةً نثريةً أخرى لِتَروِ حذاقةَ الأشياءِ في تحديثِ أشكالِ الصراعِ على البقاءِ .
كأننا نحتاجُ أن نبقى هنا في سيرةِ الأمواتِ أشباهَ سُكارى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح