الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهدي الذي لن يعود!!

محمدعلي شاحوذ

2018 / 5 / 27
الادب والفن


كانت عشر ليال من رمضان قد انفضت , حتى انى نسيت او تناسيت اي رمضان ذاك !!, حينما رن جرس الهاتف وعلى الطرف الاخر صوتا منكسرا ناحبا بالكاد فهمت بضع كلمات متقطعة مفادها: أن انفجارا في منطقتهم قد اطاح بقامتك الشامخة التي لا تدانيها قامة ؟؟ صارت المسافة من البيت الى المستشفى حيث نقلوك كأنها بين مجرتين رغم انها امتار قليلة , صارت انفاسي بطيئة وخطواتي متثاقلة وصرت لا ار احدا سوى خيال وجهك والاف الذكريات المتزاحمة في خيالي ؟ وصلت ردهة الطوارئ وكنت أمني نفسي خيرا ان جرحا قد يكون اصابك وانك ستسخر منه وتترك المستشفى فأنت لا تطيق رائحة الادوية , تمعنت في الوجوه على مضض قد تكون هذا او ذاك ولكنني لم اجدك مع الجرحى؟ ثم جاء صوت من خلفي كأنه يعلم اني ابحث عنك ؟ : ابحث عنه في الطب العدلي !! بالكاد تمالكت نفسي ولم ارد بكلمة سوى أني توجهت باتجاه الطب العدلي وتكاد ساقاي لا تحملاني !! وصلت وفي قرارة نفسي لا اريد ان اصدق انك ممكن أن تكون هناك حقا ممدا في ثلاجة!!.
دخلت قاعة الطب العدلي بعد أن استجمعت قواي الخائرة ونظرت بالاتجاه الذي اشار علي مسؤول الردهة وإذا بك , بجسدك اللامع النظيف مازال ينز دما نقيا من اكثر من موضع فيه ؟ ايقنت حينها انك قد تكون جريحا ولكن ماذا تفعل في الطب العدلي؟ , أمعقول أنا اقف أمامك دون حراك ودون ان تقابلني كعادتك بابتسامة عريضة ودون ان تطلق ضحكاتك البريئة المدوية ؟ أمعقول تلك القامة الممشوقة هوت للأبد وهي التي طالما علمتنا كيف يكون الرجل انيقا شامخا معتدا تفوح منه اطيب العطور؟ أيعقل ان تكون تلك الروح التي تسكنك قد فارقت جسدك للأبد؟ كل هذه الاسئلة تشضت في رأسي ,ثم ايقنت أنني امام جسدك وقد فارقته روحك , ولكنها لم تفارقني , وتركت الاف الذكريات في وفي كل من عرفك ؟ لملمت شتاتي واستدركت ان عدة شظايا اخترقت جسدك الغض وسكنت داخله وكأنها تهرب مختبئة تحت جلدك, لكي لا يشاهد احدا قباحتها , حتى انني حسدتها لأنها سكنتك للابد؟؟ تبارك الله الف مرة الذي جعل ابتسامتك حتى وانت ميت لا تفارق محياك , ساخرا من قتلتك السفهاء المأجورين , راضيا بقدرك الذي طالما تمنيته لتحظى بموتة الشهداء. حتى الموت لم يسرق منك صفاتك التي لا تليق الا بك. صرت اقلب جسدك ظننا مني انك ستنهض وانك تمزح غير ان الموت لا يمزح ؟
ثم اطرقت انظر الى كل ذرة من جسمك . اعانقها واقبلها حتى قطرات دمك تعلقت بشفاهي ولم ابه لها وانا اجتر الذكريات التي نسجتها الايام بيننا , وكيف لا وانت علمتني كيف اكتب, وانت اول من اخذني من يدي ليدلني على كل شوارع وازقة واسرار بغداد؟ وكيف لا وانت كنت كالحلم الذى يأتي ليلة الخميس الى بيتنا حاملا معك الهدايا والامنيات والاحلام. طلبت من المضمد أن يخيط جراحك لأن يداي لم تقوى على الحركة, فقد كنت اعلم انك تحس وتتألم لأي غرزة خيط في جلدك!! تمنيت لو انني في كابوس واستيقظ منه لكن صرخات من كانوا خارج الردهة جعلتني اعيش الواقع ؟ فقد خرجت من الردهة لأجد الكثير من الناس تريد الدخول وطلب مني الموظف ان اساعده بمنع الناس لألقاء النظرة , وتعجبت اكثر حينما اصر طلابك على البقاء بجانبك حتى صباح اليوم التالي وهم يبكون بحرقة والم؟ تبعثرت افكاري وبالكاد لملمت ما تبقى من رباطة جاش وخرجت تاركا الجسد الذي كان ينثر الفرح والضحك حول كل من عرفه , دفناك ثاني يوم وسط وجوم كل وجوه اهل المدينة ؟ غير اننا دفنا معك كل افراحنا ولحظات السعادة التي شاركتنا فيها , ودفنا معك احلامنا وامالنا والاف الذكريات المؤلمة ؟ كم تمنيت لو انك في يوم ظلمتني او اذيتنى او سببت لي الالم , لكنك كعادتك كالنسمة الخفيفة العليلة لا تؤذي احدا ؟ غير ان عزائنا ان عطرك مازال يملأ طرقات المدينة, ومازلت مضرب المثل لكل شاب انيق ومازالت البنات يحلمن ان يفزن برجل يشبهك او بعض صفاتك .
عزائي فيك أن اسمك باق يتردد كل لحظة في حين اسماء قتلتك تلاشت واندثرت الى بئس المصير , في حين ارتبط اسمك بالبراءة والنقاء ارتبط اسماء قاتليك بالظلم والهمجية والدناءة . لطالما حلمت بوطن موحد لا يعرف الحروب والصراعات ولطالما علمت الاجيال ان لا فرق بين سني او شيعي الا بالوطنية الحقة ومازلت اتذكر قولتك المشهورة انا سنى وقلبي شيعي !! ولطالما تمنيت ان تموت ميتة تشبه ميتة الحسين ؟؟ ذلك انك تمنيت ودعوت الله أن تموت مظلوما لا ظالما, فكان لك ما أردت واخترت رمضان وأنت متوجه الى لأداء صلاة العشاء في المسجد, لتمتد اليك يد الغدر والخسة. مهدي ...سلام على روحك الباقية الخالدة, سلام على قهقهاتك التي تملأ المكان صخبا وعنفوانا وسخرية وشموخا, واللعنة على من قاتليك الى يوم الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس ولقاءات من مهرجان الموسيقى العربية في يومه الثاني


.. رسالة اليوم الثاني من مهرجان الموسيقى العربية




.. أبطال وفنانين وفنانات الحرانية.. في #معكم_منى_الشاذلي ?? #مع


.. بعض الأعمال الفنية للراحل رمسيس ويصا واصف #معكم_منى_الشاذلي




.. كلها من الطبيعة.. يا ترى فناني الحرانية بيجيبوا الألوان منين