الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة ( الهروب نحو الحياة )

جعفر حاجم البدري

2018 / 5 / 27
الادب والفن


( الهروب نحو الحياة )

يقبع في كرسيه منتظرا ارتفاع صوت المؤذن للإفطار و هو يمعن النظر بحسرة للكرسي الفارغ أمامه الا من صورة باطار وضعها فوق الكرسي ... لا يوجد أحد سواهما ... هو و الصورة .. أطرق برأسه للأسفل و أغمض عينيه ...
عشرات الأحاسيس السقيمة تتفاعل بداخل عقله الصائم عن اتخاذ قرار في أحلك لحظات عمره ... رفع رأسه محاولا اختلاس نظرة جديدة للصورة .. اشاح بوجهه عنها مغمضا عينيه و كأنه لا يطيق النظر اليها ... كل تفاصيل الوجه المؤطر باطار ذهبي تبوح بسيناريو فيلم طويل تتراكم بين بدايته و نهايته عشرات الانتصارات التي حققت لإبليس وعده بإغواء أحفاد آدم عليه السلام ... فهذا الوجه القابع خلف زجاج الاطار رهين محبسيه .. الزجاج و الولاء لشيطانه .. لطالما حاول لجم رغباته الجانحة بيد أنه يجدد مهر عقده مع ابليس مانحا اياه مقود القيادة بفوضوية حاكت بيع دكتور فاوستس لنفسه (1) ...
في قرارة نفسه ... هو ميت .. و لن ترجع روحه للحياة ... و لم يبق منه سوى الصورة التي كلما أراد أن يجنح ينظر اليها بحسرة و حزن ليركب جادة السواء ممسكا بتلابيب طهره و لسان حاله يقول ( أتوسل اليك ... لا تتركني ) ...
الوجه المسجون بالصورة لا ينتظر ( الله أكبر ) التي تطلق نهير الماء نحو أرضه اليباب ... بيد أن من جلس قبالها ينتظر خلاصه من دوامة حيرته أكثر من انتظاره لجرعة اللبن ...
مع أول مضغة للتمر .. أخذته الذاكرة لعوالم كان صاحب الصورة سيدها .. المال و الجاه شيئان يسيران مما ملكه ... كانت الحياة تبتسم له بغنج كمن تدعوه لمضاجعتها فوق فراش الرفاهية المطلقة ... و لم يتوانى عن هتك استار عفتها ... لقد بعثر دنانيره في كل اتجاه .. و أغدق يسرف بلا هوادة ..
مع أول جرعة لبن ... حملته ذاكرته الى أزمات كان صاحب الصورة عراب انفراجها ... بيد أنه اساء تقدير عواقبها .. بل اساء انتظار ( عفيه ) ممن آثرهم على أولوياته و حالما بلجت شمس انفراجة أزمتهم خفقت أجنحتهم بالابتعاد ، ليبق هو مصارعا أخماسه و اسداسه و مقصلة الندم تشيد على منصة سذاجته .. و كأن المغدق دائما هو الولي الصالح و متما جف ضرع دراهمه يستحيل الى مرض معد .
لا زال ممسكا بقدح اللبن .. نهض من مكانه و سلط عينيه على شريكه الجامد ( الصورة ) هبطت حواجبه نحو عينيه في تعاضد المقبل على هجوم و تلبدت سماء جبينه بالغيوم و رفع القدح قليلا ثم قذفه بعنف نحو زجاج الصورة ليحيل تمامها الى شظايا متناثرة ... لقد كانت صورته هو !!!
عاد لكرسيه ، و تنهد بعمق ... و قرر أن يمزق عقده مع ابليس ، أن ينحر سذاجته من الوريد للوريد ... و يعيش لأجل نفسه ، و من يعيل .
انتهى


(1) في مسرحية الكاتب الانكليزي ( كريستوفر مارلو ) يبيع دكتور فاوستس نفسه للشيطان فيسيء التقدير لأنه ظن أن البيع لعقله فقط لكن الشيطان ملك عقله و جسده و عندما يرغب فاوستس بالتخلص من العقد يرتفع به الشيطان للسماء العليا و يرميه نحو الأرض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال