الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرحي عراقي ينزف وعيني تدمع

نوري جاسم المياحي

2018 / 5 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الالم والحزن والانين والحب والكراهية كلها عواطف ومشاعر ميزت الانسان عن غيره من المخلوقات وهناك من ينسى مع الزمن او يحاول التناسي وهناك من يكون جرحه غائرا ويبقى ينزف عبر السنين مهما طالت ولن يتوقف النزف حتى يوارى جثمانه الثرى ...كحالي شخصيا ..
انا عراقي من مئات الالاف الذين جرحوا ونكبوا في الصميم منذ 12 سنة ...ففي مثل هذا اليوم من عام 2006 كان يوما مشؤوما وحزينا علي وعلى عائلتي فقد خرج اولادي حيدر وهو حاصل على شهادة ماجستير طب بيطري واخيه سيف وهو حاصل على شهادة بكالوريوس في التربية الرياضية ..والاثنان متزوجان وعندهما اطفال ..خرجا ليلاحقان رزقهما ورزق العائلة ورزق من لا يستحق تضحياتهما .. من الشركاء ..
انا من سكنة ابو غريب وقد خرج اولادي صباح هذا اليوم المشؤوم صحبة لورين حمل وفي كل لوري كان هناك سائق وبصحبته ابنه وهم ايضا من سكنة ابو غريب (قرية الذهب الابيض ) وتوجهوا الى منطقة الفضيلية لاستلام 40 طن فول صويا للدجاج من مخازن الحكومة ... وقد علمتان احد تجار العلف (ممن لا يخافون الله ) قد اشتراها بسعر بخس في سوق جميلة وهو يعلم انها مسروقة ومغصوبة ..
وقد تأخر اولادي ذلك اليوم بالعودة للبيت مما اثار قلقنا وفي المساء جاءني السواق واولادهم واخبروني ان اولادي خطفوا والمال صودر من قبل مسلحين ...وهنا صدمت صدمة تهد الجبال ووقع الخبر كالصاعقة على راسي فما كنت ادري ماذا اعمل والسواق المجرمين يحاولون التمويه بأساليب خداع مكشوفة لا تنطلي على عاقل ولكنني كنت مضطر للتجاوب معهما ولاسيما وانهما ينتسبان الى عشائر ومن نفس العشائر التي تسكن الفضيلية ...
ومع هذا كنت اتشبث بالرايح والجاي واللي يسوة واللي ما يسوة وبكل وسيلة متاحة وممكنة وتوسلت بمن لم اكن احترمه يوما ما ولكن مصيبتي اذلتني ولكن وكما يقال وبلا فائدة وذهبت كل جهودي وجهود اقربائي واصدقائي ومعارفي ذهبت كلها ادراج الرياح وهباءا... وحتى يومنا هذا لم احصل على بصيص امل او رواية تدلني عن مصيرهما ...
ذكريات تلك الايام المؤلمة مطبوعة في ذاكرتي ولا يمكن ان انساها مهما طال الزمن فقد كانا شابين بريئين ويحلف بحياتهما كل من عرفهما فكان يتميزان بالخلق الرفيع والادب الجم .. ولكن هو اجلهما وقدرهما ولعنة الفتنة الطائفية التي اصابت ابرياء العراق والتي لم تطل اعمدة الفتنة الملعونة وزعماءها وحتى يومنا هذا..
فقد اثبتت السنين فيما بعد ان ابطال الحرب الطائفية وقادتها وقتلتها ومجرميها والملطخة اياديهم بدماء مئات الالاف من الابرياء اصبحوا وزراء ونواب وقادة سيأسين ورجال دين مشهورين ويشار لهم بالبنان ولهم اتباع ومريدين ويصولون ويجولون بحرية وابناءنا الابرياء سكنوا قبورا مجهولة وبلا معالم شاهدة تدل عليهم وبارض الله الواسعة
في ذلك اليوم كنا نحاول الاتصال بهواتفهم النقالة وفي البداية لم يجب احد علينا ولكن في الساعة الثانية عشرة مساء او الواحدة صباحا اجابني احد المجرمين الخاطفين وبلا سلام او كلام قائلا ...اطلقوا سراح ابناءنا المخطوفين من فريق التكواندوا في الفلوجة ونحن نطلق سراح اولادك ...وهنا فوجئت بهذا الطلب الغريب...اولا ...ما علاقتي انا او اولادي بخطف فريق التكواندو وثانيا لاول مرة اسمع بقصة خطف فريق التكواندو وثانيا من انا لكي اطلق سراحهم فلست مسؤولا حكوميا او قائد سياسي وانما ضابط متقاعد منذ 17 سنة ومعتكف في بيتي ورابعا انا شيعي ومن خطفهم محسوبين على الشيعة ..وحاولت اقناع مخاطبي بمختلف الحجج ولكنه اغلق الهاتف بوجهي بكل صلافة اجرامية وكانت هذه اول واخر مكالمة هاتفية مع الخاطفين المجرمين ..
والمصيبة التي تحز في نفسي وحتى يومنا هذا ... الخاطفون من نفس طائفتي الشيعية ... ولا اشك ان كل شيعي شريف يعتبر هؤلاء عار وخزي على الطائفة الشيعية وهذا يتعارض مع كل المذاهب الاسلامية والمعاني الانسانية ... والغريب الادهى ان ساسة الامس واليوم والذي صعدوا على اشلاء وجماجم الابرياء من السنة والشيعة لازالوا يتبجحون بالمحاصصة الطائفية لأنها تضمن لهم المناصب والكراسي وضيعوا الوطن والشعب الا لعنة الله عليهم اجمعين ..
وبذلت المستحيل وتوسلت بكل الوسائل التي يعرفها اصحاب المصائب من امثالي وحتى يومنا هذا لم احصل على خبر يشفي قلبي وغليلي من قبل الحكومة ..كإلقاء القبض على مجرم او خاطف وهم معروفين لدي السلطات او حوكم مجرم شارك في مثل الجرائم وكل العوائل المنكوبة من امثالي سلمت امرها لله وانكفأت على جراحهم وسلمت امرها لله لينتقم من جناة مجهولين بالنسبة لعوائل الضحايا ولكنهم معروفين للاحزاب الحاكمة...
ان العوائل المنكوبة يصبرون انفسهم على اساس المقولة القائلة ان الله يمهل ولا يهمل وللظالم اكو يوم ...ولكن عجبا احقا لهذه المقولة صحة من الواقع فقد بدأت اشك في ذلك شخصيا ونحن نري ونسمع ونقرأ ان البغاة والطغاة والمجرمين الطائفيين يعيشون بنعيم العيش وبحبوحته ... لعنهم الله مثلما كانوا السبب في شقاء العراقيين ومصائبهم ...
الحديث عن الحزن والالم تعجز الكلمات والحروف عن وصفهما وان كان باستطاعتي توثيق تلك الايام والاشهر وحتى السنوات المأساوية التي عشتها انا وعائلتي لعجزت المجلدات عن استيعابها ..
وهنا تحضرني قصة واحدة من مجاميع القصص التي كنا نسمعها في تلك الفترة المشؤومة وقد تكون لها علاقة بخطف اولادي والالاف من العراقيين الابرياء ولابد لي من قصها عليكم لتتعرفوا على ملابسات الحرب الاهلية الطائفية وماسيها التي عاشتها العوائل العراقية في تلك الفترة المظلمة والسوداء والدامية والتي فرضها المجرمون الطائفيون على شعبنا المظلوم ..
كما يعلم القارئ العزيز ومن مر بمثل مصيبتي لابد عليه ان يتحرى ويستقصي الحقائق والدوافع وراء جرائم الخطف والقتل الطائفي ...ولو كان غريبا ربط خطف اولادي بعملية خطف شباب فريق التكواندوا الابرياء ...ولكن ثبت فيما بعد ان من كان وراء هذه الجرائم اناس نافذين في الحكم آنذاك ...لان بعض اعضاء الفريق المخطوفين كانوا اقرباء لهذا المسؤول الحكومي النافذ ...وتقول القصة التي سمعتها انذاك ان هذا المسؤول الشيعي الكبير والذي كان ينتمي الى تيار سياسي مسلح نافذ انذاك ذهب الى احد رجال الدين واستفتاه واخذ موافقته على خطف رهائن مقابل الفريق ليضغط من خلالهم على خاطفي فريق التكواندوا كي يطلقوا سراحهم .. وطبيعي هذا ما لم يحصل وذهب المئات والاف ضحية لهذه الفتوى المشؤومة بلا ذنب .. وثبت فيما بعد ان مجرمي الفلوجة الذين خطفوا الفريق لم يمهلوا الشباب المساكين وكانوا كلهم مراهقين وانما ذبحوهم في يوم خطفهم المشؤوم ..
فاصدر هذا المسؤول كما قيل اوامره الى اتباعه بخطف من تقع ايديهم عليه من ابناء الفلوجة والرمادي وقضاء ابو غريب ...وهنا فقدت السيطرة على عملية الخطف والكل بدأ يخطف لدوافعه الخاصة واول مجموعة خطفت هي كانت 50 سائق سيارة حمل جص من اهالي الفلوجة ...وتبعها الخطف العشوائي وكأنها مرض ووباء وانتشر ..
ويقال ان عدد المخطوفين بسبب فريق التكواندوا وصل الى 1500 شخص ...ولم يعرف مصيرهم وكان الارض قد انشقت وبلعتهم ...واحدى القصص التي سمعتها ان محكمة شرعية في جانب الرصافة شكلت يراسها معمم وكان يصدر احكامه الشرعية ليلا وتنفذ وتدفن الجثث في مقبرتين احداهما للسنة والاخرى للشيعة وقد حاولت معرفة الحقيقة ولكن فشلت والكل تخاف الحديث وكان عزرائيل والطير واقف فوق رؤوسهم ...وهكذا بقيت الحقيقة مدفونة في صدور ابطالها لعنهم الله ...
وهنا لابد لي وللأمانة التاريخية ان عمليات الخطف الطائفي والاعدام الطائفي بدأها المتطرفون والمتعصبون الطائفيين السنة ولاسيما بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء والتي يقال ان المخابرات الامريكية كانت وراءها وهدفها اشعال الحرب الاهلية الطائفية وفعلا نجحت في ذلك احسن نجاح ودفع ابناء شعبنا من السنة والشيعة الابرياء والمظلومين ثمنا غاليا من الدماء الزكية ولم تكن جرائم داعش الا مظهر من مظاهر الحرب الطائفية الملعونة والتي لازال البعض متمسك بها بالرغم من بحور الدماء التي سالت ...
البعض يقول شبعت من الحزن والالم ...وانا اقول الحزن شبع مني ومل ولكني لن امل ولن اتعب و سابقى حزينا وعيوني تذرف الدمع مدرارا كلما اذكر اسمي حيدر وسيف رحمهما الله واشكنهما مع الشهداء الابرار فقد قتلا ظلما وعدوانا وبلا ذنب او جريمة ارتكباها ...والا لعنة على حكامنا وساستنا الذين نسوا دماء الابرياء وتركوا المجرمين بلا عقوبة او حساب ...وحتى لم يهتموا بمصير عوائلهم كاهتمامهم بلاجئي رفحة او الخدمة الجهادية وبقي الشهداء بلا معيل اومعين ...لعن الله الطائفية والطائفيين ...
اللهم تغمد شهداء العراق بسبب الفتنة الطائفية برحمتك الواسعة
اللهم العن وانتقم من امريكا وعملاءها وممن والاها أو ساعدها في اشعال الفتنة الطائفية سواء اكانوا عراقيين او عرب او من مسلمي الدول المجاورة
اللهم احفظ العراق واهله ... اينما حلوا او ارتحلوا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر