الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة المهانة و ثقافة المقاومة

مها أحمد

2006 / 3 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


"اللهم اجعلني فريسة الأسد قبل أن تجعل الأرنب فريستي" و "من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر" و "اليد التي لا تستطيع كسرها قبلها وادعوا لها بالكسر" وغيرها الكثير الكثير من الأمثال التي تحفظها الذاكرة الشعبية جيلاً بعد جيل تستحضرها كلما دعت الحاجة , وقت اشتداد الأزمات وتزايد الضغوط حيث "العين لا تقاوم المخرز" لكن من قال أننا لسنا إلا عيناً دامعة تخشى مواجهة المخارز المصوبة إليها من كل مكان, أليسا في مائتي مليون عربي سواعد أو عقول أو أفكار تجيد أي شيء إلا الرضوخ والهروب أمام الغول القادم من الغرب الذي"تخر له الجبابر ساجدينا"؟
ويحدثك الجميع عن" المأزق التاريخي "و"شفير الهاوية" و "الحاجة إلى الإصلاح حتى غدا الاستثمار في "المعارضة"و "لجان حقوق الإنسان"و غيرها من مفردات "المجتمع المدني" المزعوم مربحاً أكثر من أية تجارة أخرى.
فبطاقات السفر والإقامة في فنادق الخمس نجوم مجانية واللقاءات متاحة على مستوى القمة في عواصم القرار العالمية التي يجب أن تبادر إلى حماية حقوق ملكيتها الفكرية لابتكاراتها الفريدة وأحدثها اختراع "أحزاب الأنابيب" تلك الجماعات الضئيلة الهزيلة مجهولة النسب فاقدة الانتماء, محدودة العمق التاريخي والجغرافي والفكري, فمن غير رواد الانترنت- وهم قلة قليلة في مجتمع يعاني أمية المعلوماتية- قد سمع باسم (الحزب الدستوري السوري) أو (حزب الإصلاح السوري) وغيرها من صور عولمة المهانة التي تضع على خريطة الوطن لافتة "برسم البيع" مغلفة بشعارات التغيير والديمقراطية ودعوات الإصلاح والتي يرددها البعض كما لو أنها "سيروم" حقنوا به أثناء وجودهم في الحاضنة الأمريكية. وكي لا نقع في فخ الاستسهال والاسترسال واستدعاء شعارات مضادة من نوع مناهضة الغزو الثقافي الصهيوني والوقوف في وجه الأمركة التي تستهدف الهوية والوجود واستلاب العقل العربي, يجب الاعتراف أن العقل العربي مستلب إن لم يكن بيولوجيا "قضاء وقدر" أو تاريخياً "منذ أيام الحاكم بأمره", فبحكم النشأة والتربية أما الهوية والوجود فتحميهما شخصية متماسكة منتمية لا متسلطة, تجيد التقويم والصحيح لا العويل والهجاء تعبد الله لا خوفاً من ناره فتلك عبادة العبيد و لا طمعاً في جنته فتلك عبادة التجار.
وما بين العبيد والتجار تتقزم الأوطان وتتشوه القيم وتختلط المفاهيم فتصبح الدعوة للإصلاح تعني إحلال تركيبة فاسدة شابة وقد تكون مأجورة مكان أخرى مترهلة فاسدة وتغدو الديمقراطية مدخلاً للتدخل الأجنبي ورفض التدخل الأجنبي ذريعة ليبقى الحال لما هو عليه وعلى المتضرر أن يلجأ لله تعالى أو لأمريكا!.
الإصلاح هل يبدأ من الهرم إلى القاعدة؟
سؤال وجيه ولكن هناك سؤال أيضاً جدير بالطرح لا يخطر على بال المتحاورين في الفضائيات العربية أو في قاعات المنتديات ولا حتى في الغرف المغلقة للمؤتمرات – من الجيد أن تبقى مغلقة فما يدور لا يجوز أن يخرج للعلن!- السؤال هو: هل إصلاح البني آدم يحتاج إلى كل تلك النقاشات والتوصيات والاقتراحات؟.. هل إعادة النظر في المنظومة الفكرية والتربوية والتعليمية والاجتماعية السائدة منذ زمن طويل تحتاج إلى كل تلك السجالات وكل تلك السنوات؟
وهل فات المطالبين بضخ "دم جديد" في عروق النظام القديم أن الدم الجديد أو جيل الشباب"يشكل 60%"من مجموع السكان في المجتمع العربي مقيدُ على خانة الشباب دفترياً فقط إذا اتفقنا أن مرحلة الشباب مقترنة بالإبداع والحيوية والخلق, فأمراض جيل الشباب لا تخلو من عوارض ترقق الأفكار و ترهل الشخصية والشيخوخة المبكرة ما دامت المنظومة السائدة تعمل قبل سن الرشد على قتل كل مفردات الإبداع الفطري الفكري والأدبي والرياضي والفني والعلمي بالاحتواء أو القمع عبر سلسلة من الآليات المكرسة والمعتمدة أساسا على ربط القوة بالسلطة بما هي نعيم ولمن فيها وسلاح بيد من يمتلكها من المعلم الذي تمنحه المعرفة سلطة أن يجيز الطالب أو لا يجيز إلى الوالدين اللذين يتقنان لعلة الثواب والعقاب وبقدر ما ترجح كفة احد الأسلوبين يزداد احتمال انضمام المرء مستقبلاً إلى فئة العبيد أو التجار, إلى غيرها من الممارسات التي تخنق قوة الخلق والخيال لصالح سلطة النجاح والمنافسة فالأول في عرفنا هو الأول في الامتثال والطاعة والتقليد وله الحق في الرعاية والتكريم والتصفيق أما الموهوبين فتكفيهم مؤتمرات سنوية تعقد على مدى يوم أو يومين ينال منظموها اهتماماً عظيماً حيث تلاحقهم الصحافة وتشكر لهم دورهم وجهدهم الكبيرين في الإشراف والإعداد والتنظيم بينما المبدعون فلهم هدايا تذكارية وأكوام الأوراق والتوصيات تنتظرها أدراج النسيان وهذا على الأغلب ما سيحصل بعد انفضاض المؤتمر الرابع لرعاية الموهوبين الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان ما بين (16-18) تموز 2005 والذي شارك فيه طفل سوداني تعلم الكتابة والقراءة في سن الثالثة (عندما يكبر سيصبح معلماً على الأكثر) وفتى أردني في الخامسة عشرة من عمره ابتكر قانوناً رياضياً لحساب التربيع والتركيب دون الحاجة لاستعمال الضرب "قد ينجح فيما بعد في إدارة سوبر ماركت" وثالث في الخامسة من عمره أردني نال شهادة دولية في الحاسوب "قد يفتح في المستقبل"coffee net" هذا إذا لم يهاجروا جميعاً مضيفين صفحة جديدة إلى ملف عربي أسود اسمه "هجرة الأدمغة" التي لو بقيت بما تمتلكه من قدرات عقلية مميزة لكانت غيرت مصير الوطن العربي وهذه المرة ليس كما غيرت نانسي عجرم وزملاءها في لائحة نيوز ويك الخبيثة.
الإصلاح ليس هدية ننتظرها من المؤتمرين ولا من المتآمرين, وكما هو الخراب من صنع أيدينا جميعاً التغيير هو مسؤولية فردية يومية وتاريخية نتحملها جميعاً وتقتضي ثورة شاملة على أنماط السلوك والتفكير ومنظومات القيم المعيقة للتطور. لأن تحديات الحياة كبيرة كما هي دوماً "ربما يكون البعبع الأمريكي والصهيوني أقلها شراسة!" يجب علينا الارتقاء إلى مستوى التصدي لهذه التحديات عبر تفعيل ثقافة المقاومة ورفض عولمة المهانة حيث التاريخ والرموز والقيم للبيع ولا صوت يعلو على صوت الدولار "في روسيا عانت الفودكا كساداً عالجه ممول أمريكي بإطلاق اسم شي جيفارا عليها!"
الوطن ليس قطعة حلوى نتزاحم عليها ولا مقتنيات خاصة تطرحها للبيع في المزاد العلني, انه السماء المفتوحة على احتمالات الإبداع والتجديد والخلق في عقول وقلوب أطفالنا الذي يجب أن نعلمهم الآن كيف يقولوا لا لثقافة العبيد, لا لثقافة التجار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح