الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهد و الدموع مرة أخرى ، و للأبد

حيدر سالم

2018 / 5 / 30
الادب والفن


الشهد و الدموع مرة أخرى ، و للأبد

قد لا أكتب الان عن المسلسل ، و لا عن شخص يشاهدها ، بل عن حالة خاصة منها و خارجها !
في بيت جدي القديم ، كنا نجلس في الغرفة التي نسميها ( هول ) ، و بعدها تأتي الغرفة التي أمكث فيها اليوم ، كان البيت مغمورا بألوان حميمية ، تغطس الشبابيك و الابواب باللون الاخضر ، و نصف الجدران ، كنت أتكا على الحائط ، خلفي نافذ تفغر فمها الاسود على الغرفة ، تختلس النظر للمسلسل الذي أعدنا مشاهدته آلاف المرات ، جدي ينتصب واقفا الى جانب التلفاز بسبب الطرش و العمى ، و جدتي تنث إستفزازها الذي لا ينضب كعادتها ، أبي يخجل أن يتمدد على يمينه أمي و أخي الرضيع في حضنها بينما تمدد عمي سعد و عمي محمد في منتصف الغرفة ، و أنا أنسدح على قدم عمتي أمل / أمي التي حمتني من أنياب العالم ، و عماتي الاخريات يقشرن البطاطس و الباذنجان للعشاء ، كان صوت أبي يختلط مع هدير حافظ بيه رضوان ليخبرني بأن علينا الذهاب لدارنا لان الوقت قد تأخر ، و أنا كنت أطلب من الله أن لا تنتهي الحلقة ، و عندما تظر شارة النهاية ، ومع جملة ( ياغربت الانسان ما بين ناسه ) تكون دموعي قد غمرت وجهي ، و قد تلاشت عيوني خلف الضباب الاسود .

مازلت أتذكر شارة النهاية ، و أحفظها ، و أرددها و أفخر أمام صديقي بأنني أحفظ اللحن منذ صغري أيام كانت غير مرفوعة باليوتيوب ، هذه المسلسل حالة خاصة من التيه ، ضمخت عظامي البيضاء بألوان لا أعرف خليطها الى اليوم ، بلون ( غربة الانسان ) في زمان مشبوه ، لكن كل الأدلة تفضي الى أن ليس ثمة زمان عاشه الانسان لم يكن مشبوهاً ! ، كنا على مر التأريخ ( ناكل في بعضينا ) ، بعد مرور سنوات طويلة و بسبب قراءتي عرفت سيد حجاب ، أحببت الرجل ، فهو يكتب بلغة جميلة ، و بسيطة ، و لا تخلو من العمق ، و تولهت بعمار الشريعي حتى انني أحلم به ، و كنت أهرب لأسمع صوته حينما يضجّ العالم في داخلي ، و عرفت أنه ملحن المسلسل ، و الاول الذي كتب أغانيها ، و الى يومي هذا و منذ حوالي 20 سنة مازلت أشاهد الشهد و الدموع ، لقد شاهدتها أكثر من وجوه الناس ، و تعقبتها طويلا ، منذ عامين و أنا أنوي الكتابة عن الملحن الجميل عبد العظيم عبد الحق ( المستكاوي ) الذي غمرته عتمة التيه و نسيه العالم ، و عرفت انه أحد الممثلين الذي احببت دوره في طفولتي ، و شاهدت أكثر من فلم لعبد العزيز مخيون و أعجبني تمثيله وهو من أفراد المسلسل و قد غمرته ألوات التيه ، و نسرين التي إعتزلت عام 1991 ، و و خالد زكي الذي غاب عنا طويلا وظهر في عدة أعمال ( عبيطة ) ، و ( سوزي ) التي اختفت و ....... صدقوني أغلب الكادر غمرتهم هذه الألوان / ألوان التيه .

كان تنبثق من التلفاز نافذة ، لونها أسامه أنور عكاشة ، ويوسف شعبان و عفاف شعيب ، و سيد حجاب و عمار الشريعي و خالد زكي ، و الجميع ، و بقيت بعد أن استمعت لثوان و في مشهد عابر ؛ أتذكر اغنية محمد قنديل ( يابو سمرة السكرة ) ، و بقيت نافذة غرفتي ( الان ) تُطل على ألوان التيه ، و كأن كل شيء انتهى مع شارة النهاية ، البيت القديم تلاشى رغم أنني أسكن فيه الان لكنه غير الذي كان بعد أن صبغوه بلون جديد غير الاخضر ، و جدي وقف في القبر الى جانبه أصداء صراخ زينب و حافظ ، و الذين عجت بهم الغرفة تبخروا في عتمة الحياة مثلما تبخر المستكاوي ، و الان أبي يسحبني لأن الحلقة إنتهت ، و الجميع غمرهم التيه ، و قد تلاشوا في مديات نائية ، يحيطهم وابل من الصمت ، بقيت نافذتي و ذكريات سوداء يحملن ذلك اللون ، لون الضباب الأسود ، و الى الان تبكي أصداء الذكريات مع كلمات ( يا غربة الانسان ما بين ناسه ) ، يحثها أنين ألوان التيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل