الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورترية لجسد محترق...أنة وجع من عفن الحياة المعاشة

سماح عادل

2006 / 3 / 20
الادب والفن


من العنوان يتضح أن الرواية تحمل وجعا سلبيا ,يقتصر دوره على الإيلام دون أن يدفع صاحبه إلى ‏الفعل . يمثل ‏العنوان كشفا لما في رواية احمد عامر"بورتريه لجسد محترق" الصادرة عن سلسلة ( ‏الكتاب الأول), المجلس ‏الأعلى للثقافة , من نسق جديد يقوم على تمزيق الأحداث, وانتظام تقنيات ‏الرواية في شكل أشبه ببورتريه لجسد ‏متفتت, حولت الشمس لونه إلى لون يشي بالاحتراق, كرمز ‏جديد لفتى ينتمي للطبقة الأدنى .‏
‏ الرواية عبارة عن (87 )صفحة من القطع المتوسط, قسمها المؤلف إلى عشرة أقسام مرقمة . ‏تتفاوت مساحتها . تبدأ ‏الرواية بمفتتح يكرس لحالة اليأس الممتدة على طول الرواية, يرى فيها ‏المؤلف (( إننا لاشيء سوى جثث بالية في ‏سوق العبيد المكتظ)) , ومقطوعة شعرية للشاعر اشرف ‏ضمر ,الذي سيستمر المؤلف في تضمين بعض نصوصه ‏الشعرية في أماكن أخرى بالنص , مشيرا ‏إلى ذلك في الهامش . الأحداث لا تنمو وإنما يقدم المؤلف حكيا أقرب إلى ‏وصف الحالة ,لقرية يعيش ‏فيها البطل الذي يبدأ به سائرا في شوارع القرية. وعابرا منطقة المقابر المحاطة بالخوف ‏الأسطوري, ‏المتمثل في عفريت أبي خفاجي الذي يسكنها .. ثم يصعد إلى مخبئه (السطح ) في بيت خرساني ,أقيم ‏بديلا ‏لبيت الطين. يدخن السجائر المحشوة بالبانجو, ويعيش حكايا غير منتظمة, ولا مرتبة زمنيا, ‏تتراوح ما بين الماضي ‏والحاضر , ِ تكشف في مجملها عفن الحياة المعاشة , منذ اعتلاء العسكر السلطة , ‏‏يكرس المؤلف هذا المعني بجملة مكررة يناجي بها أمه ( البحر أخذ الملك فاروق وجاء بال.....) ‏ويفتقد الحكي ‏للتشويق لما يعانيه من تكرار وثبات , فلا يشعر القاريء منذ بداية الرواية إلى نهايتها ‏بأي تطور . البطل يظل محشورا ‏بين الكراكيب يتأمل ظلمة السماء ,ويناجي أشباحا ويقدم للقاريء ‏مشاهدا ممزقة ومتكررة لبعض الشخصيات .من ‏خلال راوي عليم يتوحد مع البطل( وحيد) أحيانا ‏كثيرة و يتحدث بضمير المتكلم. ويتوحد مع (صالح) و(إيمان) بنسبة اقل .‏
تتوزع لغة النص ما بين سرد أقرب إلى الخطابة, يفضح فساد الواقع وطبقيته بشكل ذهني, دون اعتماد ‏على أحداث ‏تدعمه , مثل أن يتحدث البطل عن زحف البيوت الخرسانية إلى القرية , وعن طوابير المخابز ‏, وعن حال الفلاحين في ‏القرية ,الذي أصبح مترديا ,وعدم وجود فرص عمل ,وانضمام شباب القرية إلى ‏صفوف البطالة , وما بين حوار قليل ‏يتراوح ما بين الفصحى والعامية , في جمل للأم التي يستدعيها ‏البطل من الماضي ,ككائن مقهور من عائلة الزوج تعمل ‏كثيرا , ول(إيمان) الفتاة التي أجبرت على ‏الزواج من رجل ثري, وترك حبيبها(صالح) . ول(شريفة) المرأة التي تبيع جسدها ‏بعد أن سافر زوجها إلى ‏العراق ثم عاد خاوي اليدين . وينفرد (وحيد) بجمل حوارية أكثر وكذلك (صالح )الشخصية ‏الرئيسية الثانية ‏في الرواية . ويقل الوصف مقارنة بالسرد الذي يسود , والحوار الذي يتخلل النص محددا ما بين ‏‏قوسين . ولغة النص (مفردات وجمل) تمتليء بشحنات عاطفية , وقدرة على خلق صور جديدة , مثل رمز ‏لون البطل ‏الغامق كدليل على انتمائه للكادحين, والبحر الذي اخذ الملك فاروق و(الشرر الذي يتطاير ‏من فتحات الفجوات في ‏الوجه) ,والهياكل والجماجم ككناية عن البشر في نظر (وحيد) ..‏
الزمن مبهم , ولا يمكن الجزم بأن أحداث الرواية تدور في الأيام الحالية ,لأن السلطة تتمثل في(عبد ‏الناصر), الذي لا ‏يظهر واضحا وإنما من خلال جملته المأثورة (أيها الأخوة المواطنون ),وتتكرر الإشارة ‏إلى رحيل الملك فاروق , في ‏مجادلة البطل مع أمه , تلك التي يتذكرها ما بين سحب دخان السجائر . كذلك ‏لا يحدد المؤلف أية ملامح زمنية, وتدور ‏الأحداث في فراغ ,ويرجح أن المؤلف عمم السلطة في وصفها ‏بالعسكر. وآثر أن يجسدها في شخص (عبد الناصر) ربما ‏خوفا من مواجهة ما . وذلك اتساقا مع السلبية ‏المتفشية منذ البدء . والمكان أيضا مبهم, قرية مثل كل قرى مصر ,التي ‏تحولت بفعل التطور غير ‏المتكافيء للبرجوازية , وحل الخراب بها. وإن كان المؤلف قد حاول تحديد المكان في الهامش ‏,حين أشار ‏إلى اسم قريته (بتمده).لكن لا توجد أية ملامح مميزة للمكان عن أية قرية أخرى.‏
وبالنسبة للشخصيات لا يمكن وصفها بالنامية ,لأنها قدمت جاهزة ثابتة, وهي عبارة عن ( وحيد ) ‏بطل ضد يستسلم ‏للواقع ولبطالته ,ويعيش مخدرا دائما , بفعل البانجو, يحشر جسده بين الكراكيب ,‏ويستسلم لأشباح من الماضي, ‏وللتلًصص على أوجاع الآخرين . يتضح من حديثه أنه ذا ثقافة ما, ‏ويشير إلى أسماء مثل (ماركس) و(عبد الناصر) ‏وكلمات مثل الحرية, وتاريخ مصر,وصراع الطبقات . لكنه ‏غير واضح المعالم, فهو شخصية مسطحة, يقتصر تمرده على ‏جمله متكررة( قوموا يا ناس اعملوا حاجة ‏بدل الكلام), وهو في نظر أهل القرية مجنون . وكذلك شخصية(صالح) ,وهي ‏تلي شخصية(وحيد) في ‏المساحة المعطاة لها, وتتسم بالسطحية أيضا, ككل الشخصيات الأخرى ,وذلك بسبب خلو ‏الرواية من ‏أحداث متنامية, تبلور الشخصيات وتكشف عنها من خلال مجرياتها. ويمكن القول بأن شخصيات ‏‏الرواية أحادية الجانب.( صالح) أيضا يدخن البانجو في (مندرته), ويستسلم لدفقات الخيال والتحصر ‏على (إيمان) التي ‏اشتراها العريس الثري, وهو بطل ضد أيضا مستسلم, كما هو حال باقي الشخصيات . ‏ف(صالح) تخلى عن (إيمان) حين طلبت منه الزواج ,واكتفى بورقة عرفيه ,ومضاجعتها من الخلف , ويسمح ‏الراوي ل(إيمان) بالظهور ‏بعد منتصف الرواية لتعبر عن مشاعرها - بضمير المتكلم أحيانا, والغائب ‏أحيانا- ومقتها لزوجها, وحنينها المداوم ‏لصالح ,ويقتصر تمردها على رفضها الذهني لزوجها ‏,واستدعائها لذكريات صالح الحميمة. شخصية سلبية أخرى رغم ‏شعورها بعفن الواقع(شريفة) التي ‏يتسابق رجال القرية على الاستمتاع بها, وترك علامات على جسدها , تجعل النقود ‏التي يعطونها لها ‏تختلط بدمائها ,ويندفعون في الحكي حول فحولتهم, وحول صوتها وضحكاتها, ثم يملونها جميعا . ‏‏وشخصية(عم توفيق) التي تتمثل في التحسر على الماضي ,والذي ينتهي به إلى الموت كمدا, دون ‏تحديد لمعالم هذا ‏الماضي السعيد . ورتوش أخرى لشخصيات غير مكتملة مثل (الأم),التي يتكرر ‏ظهورها ,وهي تعمل في المنزل بجسد ‏واهن ,و(الجدة) التي تقهرها, و(سعداوي) الذي يضاجع (شريفة) و(عبير) ‏حبيبة (وحيد) التي تتزوج هي الأخرى . كل الشخصيات اقرب إلى الأنماط, والى الأفكار منها إلى البشر ‏الحقيقيين, فالشيخ(إسلام) شيخ الجامع رمز لاستخدام الدين في تطويع الكادحين وتخديرهم, وإيمان رمز ‏للحبيبة بعيدة المنال, وشريفة رمز للعاهرة التي طحنها الفقر..‏
تنتهي الرواية بصوت قوي لعفريت أبي خفاجي ,آتي من المقابر , واهتزازات لأشجار النبق, وتهدم ‏البيوت, وزحف الحشرات القارضة ,والفئران على القرية ,وكأن المؤلف ارتضى أن تكون النهاية أكثر ‏مأساوية من الواقع المعاش, ‏ترتعش أجساد أهل القرية, وتنغلق الأبواب, ويكتفون بمراقبة الوقت ‏والانتظار الطويل, للموت والجنة, بعد أن اقسم الشيخ (إسلام) أن القيامة قريبة .ثم تنويه هام , يبرر فيه ‏المؤلف عدم اهتمامه بحدث منتظم( لأننا عرائس ورقية تحركها أصابع الأقوياء) ... قد يكون لهذا التبرير معنى ما, وهو عدم رضي المؤلف عن ذلك, واعتقاده أن الشكل الذي ارتضاه لروايته غير لائق ,أو انه تكريس لشكل جديد, يدل على الواقع الممزق والعفن لشباب ينتمي لطبقة كادحة ضاق عليها الخناق , شكل تختفي فيه الأحداث المنتظمة والشخصيات الكاملة وتضطرب فيه العلاقات الكامنة في النص, كدلالة على اضطراب العلاقات الموجودة في المجتمع وتضطرب معها رؤية الأديب ,الذي اكتفى بنقل الواقع دون طرح ‏رؤية واعية ومتجاوزة له...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو