الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموانىء والإعلام الأميركي

فؤاد علي منصور

2006 / 3 / 21
الصحافة والاعلام


إن من الغريب حقاً في الولايات المتحدة الأميركية أن ترى التناقض الفكري صارخاً وفاضحاً لدرجة لا تخفى على أحد، فلا رابط بين الشعارات المطروحة للتداول الواسع النطاق وعلى مستوى العالم، وبين المشاهدات اليومية في الولايات المتحدة إن كان على المستوى الإعلامي أو على المستوى الثقافي أو على المستوى الدرامي، فلا ديمقراطية ولا حرية ولا قانون يحمي الجميع، فكم من صور رأيناها عن اختراقات وتجاوزات بل إلغاء كامل لحقوق الآخرين، لقد كنت من المتابعين الدائمين للدراما الأميركية التي تحمل المتعة والتشويق والصورة الجميلة والتقنية العالية والحرفية الواضحة في كل المجالات، ابتداء من أصغر التفاصيل وانتهاء بالفكرة الأساسية للعمل، ورأيت حرص الفنانين ـ بكل اختصاصاتهم ـ على تقديم عمل متكامل متقن يرضي أذواق كل المتابعين وعشاق الفن السابع، وحلمت أن يكون لنا ـ نحن العرب ـ سينما متطورة وحديثة تخدم قضايانا وتعلم إنساننا العربي مبادىء الحرية والإحساس بكل ما هو جميل وراق وحضاري وتعلمنا الدفاع عن مصالح أمتنا، كما يفعل الأميركيون الذين جعلوا الدراما والفن بمجمله في خدمة قضاياهم العادلة وغير العادلة، وتنشر للعالم صورة صحيحة عن مشاكلنا ومشاكل غيرنا بشكل شفاف قدر المستطاع حتى يتاح لنا رؤية الحل، لكن المشكلة في الدراما الأميركية أنها ذات وجهين فهي تكيل بمكيالين، وفق المصالح المرسومة والمخطط لها من قبل سادة السياسة والفكر الأميركي المتعصب، قد ترى أفلاماً ذات مصداقية ولكن إلى حد معين.. وأفلاماً ذات شفافية لكن بمعيارهم.. وكأن الكون قسمان أميركي أو غير أميركي..
حبذا لو كانت الدراما الأميركية تستطيع أن تنقل في جملة ما تنقل الصورة الأخرى للمجتمعات والسياسات والحوارات والأفكار.
وحبذا لو رأت الإنسان في كل بقاع العالم كما ترى الإنسان الأميركي..
وإذا أردنا أن نقوم بجولة قصيرة في هذه الدراما لنرى كيف تتعامل مع الصور المختلفة للإنسان بحسب قربه أو بعده عن مصالحها من جهة وبعده عن أسلوب الحياة الأميركية، فالسينما الأميركية لا تظهر الآخرين على شاشاتها إلا من باب التهكم والسخرية منهم ومن قدراتهم (المتواضعة) وهم لا يدركون ما يستطيع أصغر أميركي إدراكه.
إن فكرة التفوق العرقي التي تحاول الدراما الأميركية دسّها في أذهان العالم الثاني والثالث والعاشر وتحاول جعلها أسطورة مؤكدة أنها من عند الخالق عندما خلق البشر، ومؤكدة أنها طبيعة خاصة لهؤلاء (السوبر).
إن مجنداً واحداً في أي فيلم أميركي قادر على إبادة فرقة عسكرية بكاملها دون أن يصاب بجرح أو خدش أو كدمة صغيرة أو حتى يهتز مفرق شعره (إن لم يكن أصلع)، ودون أن يفرغ مسدسه أو جعبته من الذخائر، وكل الأعداء يتحولون إلى جثث ممزقة وأشلاء متناثرة بعد أن يمضي بعيداً عنهم وهو يبتسم بالشيء التافه الذي فعله....!!!
والأميركي قادر على خرق حصار ومن أي نوع كان، وأية أجهزة أمن وحماية سرية، فهو ملم بكل العلوم التكنولوجية مهما كانت دقيقة... ويستطيع حل الشيفرات مهما كانت معقدة... ويستطيع إيقاف أية قنبلة عند اللحظة 00:01... وقادر على الولوج إلى أي برنامج كومبيوتر، وقادر على استخدام التقنيات المعقدة (بالنسبة لنا على الأقل) أما قدرته على التصويب فحدث ولا حرج فهي خارقة، فأي عدو يقف بانتظار أن ينعم عليه الأميركي بطلقة تريحه من هذه الدنيا التي لم يخلق فيها أميركياً.
أما الألغاز الأحاجي والمعضلات فهي مسألة بسيطة لا تحتاج من (السوبر) إلا لحظات أو ثوان ليحلها ويكون الحل الوحيد والمناسب، إنه يوظف ذكاءه الخارق في كل مجال.
أظن أن هذه الصورة السوبر براقة لهذا المواطن غير المنتمي إلى جنسية محددة إلا إلى الأمة الأميركية غير الموجودة أصلاً.. والغريب أنهم يستاؤون من الأميركيين الإيطاليين والأميركيين الألمان والأميركيين الصينيين... والآسيويين والعرب.. و..
كل الأمم في نظرهم هي في سباق متأخر ومرتبة متدنية عن مرتبتهم، ولم لا.. فهم أصحاب الحضارة والعراقة والتاريخ.
أما العَلَمَ الأميركي فقصته قصة... أعجب من أنه لا يكاد يخلو فيلم من صورة للعلم الأميركي المرفرف بنجومه الزاهرة ليجسد رمز الأمة... ومحاولاً لَمَّ شمل جميع الأميركيين والأميركيين فقط.
أليس غريباً أن تتناقض الصورة الأميركية المستخدمة في الدراما مع الصورة السياسية المستخدمة والمعلنة على كافة الأصعدة؟!! هل هذا التناقض مرده حماية الضعف الداخلي (للأمة) أم أن هذه السياسة تسويق خارجي للأفكار والنظريات التي لم ولن تنجح في أي بقعة من بقاع العالم؟!.
هل ذلك لأنهم (أمة) بدون تاريخ؟ هل ينظرون إلى بقية الأمم باحتقار لأنهم قتلة للتاريخ وللحضارة؟ هل العلم والانتماء والشعارات هي رموز وضعت أو نصبت لإرضاء الذات الفارغة؟
لماذا لا يرون بقية الأمم أو حضارات غيرهم؟؟!!
ربما يكون البناء (الصورة) التي يراد منها أن تشد الملايين من الأميركيين الذين لا انتماء ولا أصل لهم.. وربما تكون تعويضاً عن الخواء القومي وحتى الفشل الأممي... إذ لم تنجح الولايات المتحدة إلى الآن في رسم صورة ذات ملامح واضحة وثابتة للعم سام غير ذلك النسر الجارح!!
السؤال الآن هل صورة الأميركي كما صورته السينما الأميركية (السوبر) لا يقبل أن تدير شركة عربية موانئه العظيمة؟.. وهل رفض الكونغرس تنفيذ تلك الصفقة لأنها أشعرته بأن (الأمة الأميركية) هي مثل الأمم الأخرى.. أمة عادية... ليست (سوبر)..
هل خطط فنانو الدراما والسياسيون لهذه الصورة للإنسان الأميركي لبناء نفسية لا تقبل الآخر ولا تتحاور معه إلا من منطق القوة والفوقية؟ هل هذا تأثير الحكم السياسي على الفن.. أم أن هذا تفكير فني ينسحب على السياسة وغير السياسة؟
الزمن القادم سيجيب عن هذه الأسئلة وخاصة عندما تنتهي حقبة الهيمنة الأميركية على العالم... أو على الأقل حتى يظهر للوجود قطب ثانٍ يقارع الأول وينزله منزله الصحيح... عندها فقط يمكن أن يتحول الأميركي إلى إنسان... عادي!!...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا