الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائر من شَوّكْ

فاتن واصل

2018 / 6 / 5
الادب والفن


رأيت فيما يشبه الحُلم أنني كنت أعدو فوق رمال شاطئ خالٍ تماماً من كل شيء عدا شمس الغروب ورمال برتقالية ممتدة وطريق بمحاذاة الشاطئ يقطع المسافة بين البحر وجبل يقترب ويبتعد كلما تماديت في العدو نحو الغرب. كنت أحمل حذائي وأرفع ردائي خوفاً من البلل وعندما تقترب الأمواج من ساقي أثبُ مبتعدة .. كان يغمرني شعور بالسعادة وآخر غامض بأني أنتظر شيئاً لا أعرف ماهيته .. ربما توقع لقاء أو حدث. تعبت فتوقفت عن العدوّ وبدأت أسير ببطء أتأمل الجمال من حولي. النسمات تداعب شعري وثوبي. جلست كي ألتقط أنفاسي ثم تمددت على ظهري باسطة ذراعي مفتوحتان بجواري أحتضن صفحة السماء الزرقاء .. أغمضت عيني للحظات ثم فتحتهما فإذا بالوقت قد بات ليلا حالك السواد ليس فيه قمر جلست أتبين المشهد حولي، فئذ بي لم أعد أرى سوى مساحة شاسعة سوداء يتتابع فيها الزبد الأبيض وهو الشيء الوحيد الذي كان يدلني على موضعي .. صوت البحر ليلا مخيف يظن المرء أن ثمة هدير قنابل آت من بعيد. نظرت خلفي فلمحت أضواء مشاعل في نقاط متفرقة فوق الجبل، ثابتة في موضعها تخفت وتلمع دون أن تنطفئ مع أصوات نسائية تشدو بترانيم ملائكية هادئة آتية من بعيد. بدأت المشاعل تتجمع وتقترب من بعضها البعض ثم تحركت متجهة نزولا نحو السفح، عبرت الطريق متجهة إلى البحر وكأنها تشرع في عملية انتحار جماعي، الأصوات تقترب، تعلو ثم تعلو ثم بدأت تتحول إلى عويل وصراخ ثم لهتاف " هب لي" ، " هب لي ".
ابتلع السواد مشاعل النور صفاً تلوّ الآخر حتى لم يتبق غير شعلة واحدة أكملت الغوص حتى اختفت هي الأخرى في نقطة بعيدة من السواد.
ملأ الحزن قلبي على حاملات المشاعل وتمنيت أن أستيقظ من هذا الحلم الذي أضحى كابوساً أو أن يأتي النهار فأتبين طريق العودة حتى لا أضيع في بحر السواد، استأنفت السير لكن بعد برهة نال التعب مني فجلست مكاني مسندة رأسي على ركبتي
مر بعض الوقت لم تغفو عيوني فقد كان قلبي مفعما بالرهبة والتوجس. شعرت فجأة بحركة في الهواء من حولي وكأن طائراً ضخماً قد صفّقَ بجناحيه، فرفعت رأسي فزعة وشهقت من هول ما رأيت.. أشعة شمس مبهرة أضاءت الدنيا وطائر ضخم أجنحته ذات عيدان جافة مدببة، في نهاية كل عود شوكة طويلة حادة، له عينان على جانبي رأسه كسائر الطيور وأخرى في مقدمة رأسه كالبشر، كان يحول بيني وبين البحر مرتفعا في ضخامة الجبل.. ظله الكثيف يفترش الأرض حولي، صرخ صرخة مدويّة، فانطلقت من فمه رائحة بشعة كأنها لحيوان ميت. سدد بصره نحوي بعيناه الأماميتان فشعرت بحرارة وكأن نيرانا اشتعلت بجسدي .. تناهى إلى سمعي هدير صاحبات المشاعل مرة أخرى آت من جهة البحر " هب لي " ، " هب لي " إذن ثمة أمل في إنقاذي.. ثم تراجعت إذ تذكرت فجأة أنهن مِتن غرقا.. إذن من أين تأتي هذه الأصوات؟ هل التهمهن الطائر المرعب ؟؟... تمنيت الليل.. تمنيت ظلمة حالكة أضيع بين ثناياها .. فلا أرى كل هذا الرعب ولا أتطلع لأمل.. صوت الهدير يرتفع ويقترب .. فتملأ السكينة قلبي .. وياللعجب !! حجم الطائر يتضاءل ويتضائل ويخرُّ ويتحول لكومة من القش وينبثق مشهد البحر الساحرمرة أخرى بصفحته الزرقاء الصافية، ألملم ردائي وأبدأ في الجري عائدة من حيث أتيت، يركض من خلفي النساء حاملات المشاعل يهدرن بأصواتهن " هب لي " ، " هب لي "... " هب لي ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصبوحة: بكرا بتشرق شمس العيد وبتبشّر بنهار جديد
ليندا كبرييل ( 2018 / 6 / 7 - 11:22 )
الأستاذة فاتن واصل المحترمة

تحية طيبة
إنه تعبير عن واقعنا المؤسف
تريدين الانطلاق في الحياة،كيف؟ في ليل بهيم بلا قمر ولا نجوم، خوف ورهبة ومشاعل تغوص في البحر
حوائط صلدة تمنع التقدم، لكن البشرى آتية لا محالة : فالطائر البشع يتضاءل ويتحول إلى كومة من القش وينبثق مشهد البحر الساحر مرة أخرى بصفحته الصافية

أما قالت لنا الصبوحة : بكرا بتشرق شمس العيد وبتبشّر بنهار جديد ؟
استمعي إلى أغنيتها الرائعة وافتحي قلبك للحياة

تفضلي تقديري

https://www.youtube.com/watch?v=XhqPvtBSNfc

بكرة بتشرق شمس العيد - اغنية نادرة - صباح


2 - حضورك أستاذة ليندا كبرييل هو أحلى بشرى
فاتن واصل ( 2018 / 6 / 7 - 17:27 )
تعليقك قراءة فيما وراء السطور، وحدس قوي بفسر ما دار بخلدي أثناء الكتابة، ولكن التفاؤل بعيد جدا عني، لكن سوف أحاول أستمع للأغنية وأستبشر خيراً. الحياة صعبة أستاذة ليندا وغير ممتعة على الإطلاق. شكراً لمرورك.


3 - ياترى ...
حازم (عاشق للحرية) ( 2018 / 6 / 10 - 11:19 )
تحياتى و اختلست بضع دقائق لاقرأ تلك القصة القصيرة و سأحاول لاحقاا اختلاس دقائق أخرى اقرأ قصتك الماضية لأنها فاتتنى

أستاذة فاتن ياترى هل كانت بطلة القصة ستفكر فى أن تواجه هذا الوحش؟ أو إن لم تكن قادرة على مواجهته هل كانت ستهرب على سبيل المراوغة إلى أن تصل إلى هدفها أو برّ الامان؟ ام الاستسلام للخوف اقوى؟ ام تلقائيا السير مع التيار أكثر راحة من مجهود المقاومة؟ انا فقط اخمّن و قد اصيب أو اخطئ لكنى احاول ان اصل للمزيد من المغازى خلف تلك الحادثة، هى فانتازيا لكن اشعر أنها تخفى تعبير عن واقع - التصدى له غالي الثمن جدا


4 - الأستاذ حازم العاشق للحرية
فاتن واصل ( 2018 / 6 / 10 - 17:56 )
شكرا على الاهتمام، فمن الواضح أن وقتك هذه الأيام ضيق للغاية لذا فأننا ممتنة أنك اختلست لصالح قصتي القصيرة جزء منه .
وردا على سؤالك فكما أن الحلول أنواع فالخوف أيضا أنواع.. أحيانا نخلقه من أوهامنا، وأحيانا يكون واقع مخيف نضطر للتعايش معه أو مواجهته أو الهروب منه، المهم أن نكتشف طبيعة الخوف ومن ثم نستطيع اتخاذ ما نقدر عليه من مواقف . على العموم سواء أكان واقع أم خيال فالأهم أن تكون نالت رضاك من الناحية الفنية والخروج بانطباع حتى لو بدون فك الشفرة.
تحياتي وامتناني لاهتمامك المستمر.

اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05