الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرعبد جبر الشنان.. نصوصه تعلن حالة التخفي!!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 6 / 10
الادب والفن


حمل ديوان (ذرية هابيل) للشاعر عبد جبر الشنان مفارقات مرمزة عديدة، بدأت من العنونة وقبلها اضاءة نقلها الشاعر من "فناندو بيسوا" تقول : (الحياة تغدو اكثر ايلاما عندما نستيقظ)، وهذه دلالة تشير الى تعمد الشنان باخفاء المعنى في زوايا عدة، فلاذ بالكأس والخمرة مرة وبالوجع الروحي والجسدي اخرى، فكيف لي ان اقرأ النص المتخفي بمعناه قراءة واحدة، وهنا يبدأ الجهد الحثيث في استلال المعنى عبر تعدد القراءات .. فكدامير اعتبر القراءة سيرورة تأويلية جاءت على مراحل ثلاث : هي الفهم والتأويل والتطبيق، وسار ياوس على هذا النهج في كتابه "نحو هيرمينوطيقا أدبية"، حيث ركز فيه على ثلاث مراحل لتأويل النص الأدبي، على غرار المراحل الثلاث التي ارتكز عليها فن الفهم عند كادامير، وهي:
1 القراءة الجمالية أو أفق الإدراك الجمالي وفيها يقوم القارئ بإنجاز فهم متدرج لشكل العمل المدروس أو بنيته.
2-القراءة التأويلية أو أفق التأويل الاسترجاعي وفيها يبرز القارئ الأفق السابق عن طريق بناء أحد المعاني الممكنة.
3- القراءة التاريخية أو أفق التطبيق ويعيد القارئ فيها، باعتباره مؤرخا، حيث بناء أفق انتظار القراء الأوائل ومراجعة آفاق القراء المتعاقبين.
(ويستفاد من تتبع هذه المراحل الثلاثة أن فهم النص وتأويله يتم عبر ربط النص الأدبي بسلسلة النصوص السابقة التي تنتمي إلى نفس الجنس، وفي هذا الصدد يرى ياوس أن النص الجديد يستدعي بالنسبة للقارئ مجموعة كاملة من التوقعات والتدابير التي عودته عليها النصوص السابقة والتي يمكنها في سياق القراءة، أن تعدل أو تصحح أو تغير أو تكرر. ويندرج التعديل والتصحيح ضمن الحقل الذي يتطور فيه الجنس)1، والكاتب الشنان قد خبر الكتابة النثرية والكتابة الشعرية، وبرز ابداعه في كلا النوعين، والحقيقة الشاعر الحديث في ظني يمتلك طاقة تخيلية كبيرة على خلاف الشاعر القديم ، نتيجة ما حققه الإنسان من تقدم مذهل في الميادين كافة. وكلنا يعلم أن الخيال وظيفة من وظائف العقل.. وأن العقل يوظف التراكم المعرفي والفني والتقني... ويوظف الذاكرة المفعمة بالإنجازات، في قيامه بوظائفه، والنص الشعري احتفظ باستراتيجية تعبير متمثلة بالغنى الدلالي، وبالنداوة الروحية، وبالدفء العاطفي، وبالحضور الإنساني (الذاتي والعام)، فهو تفارق مع النص العلمي، لأن الشعر، والأدب عموماً، لا يمكن أن يكون شعراً حقيقياً وأدباً حقيقياً إلاّ إذا وعى ظروف محيطه، ووعى حقائق الحياة عموماً، ثم قام بتمثلها وامتلاكها، ليعيد إنتاجها في إهاب شكل جميل، يكون قادراً على تمويه ذلك الواقع، وإخفاء الأيديولوجيا التي ينطلق الشاعر منها، ويكون قادراً، كذلك، بمكره الفني، على تضليلنا وإقناعنا ببراءته وعفويته... وبراءة الأحاسيس التي يعبر عنها وبساطتها.، وكما اظن كان مسار الشاعر الشنان في التخفي واضحا، حيث يقول في قصيدة (مفاتيح) :

(ماضون لذكرى نسياننا الاكيد
في ايام معصوبة العينين
رنّ ضجيج الابدية
انذاك
كان
يتحصن بالكأس،
يشيخ بلذة
ولايكترث
ذهب الوطن الى غاياته
ومثل طمأنينة اضعناها الى الابد
حاول تسلق نصره الوشيك
الا ان غده الغامض اثخنه بالجراح)

رغم انه سمى القصيدة (مفاتيح) .. والمفاتيح لها دلالة ظاهرة ، هي الحل، الا انه صنع متاهة وعدة عقد من الوجع الذاتي والفقدانات الموضوعية بذكره الوطن، وقد اجد مبررا لاسوق كلمة هذيانات بدلالة كلمة "الكأس" وما تعنيه هذه الكلمة من تأثيرات ما احتواه الكأس من النبيذ على الوعي .. وتبقى كلمات الشاعر الشنان ذات الفصاحة العالية، تأخذ بألباب المتلقي وتغريه في القراءة، كما في عبارة (كان مبللا بعذوبة الندم)، رغم انها تحمل الفقدانات التي اشرت لها وها هو يقلب المعادلة، كي يُعمق المعاناة مثال قوله :

(على شرفة من ترمّل
البلبل تنعاه الاقفاص
ويغرده سكون وحيد
هناك ندامى مجهولون مثلنا يحملون
خيباتهم ويلقونها على ضفة جرح بعيد
هناك عصافير عمياء تتخبط في حدائق الروح
هناك اخوة اختفوا بلا ضجيج)

اذن الوجع الروحي والجسدي حاضر، ولذا فلا ملاذ ، الا بالكأس، حتى يوقد الشنان فوانيس العزلة، ويتمتع بالاحتراق الذاتي والموضوعي، كونه يحمل رسالة انسان ووطن فـ(بينما الليل/يدحرج الالفة في الشوارع/ تزحف العزلة/ لتقشر سكون الفراغ)، وقصيدة (وضوح) التي ضاعفت تكريس ذلك الضياع والتواريخ البذيئة.. فقوله الاخر : (في الحانة/يمتقع الصحو بالصحو/ويلوذون بالخمر/مثل النعوش ملتاعون في الزوايا/والزجاجات تحتضر بين بحلقاتهم/دع حياتهم الوضيعة/فليسكنوها آمنين/ودع هولاء ذرية الليل والسوادات)، يحمل دلالة الاشارة الى عنوان الديوان (ذرية هابيل)، وبالتحديد هولاء ذرية الليل والسوادات، أي الخسارات المتكررة التي ادت الى اطفاء نور اسلافك تحت طنين مكتوم ومبهم، فـ(ياله من عمر بخيل عودنا على شحته دوما)، وهنا يظهر جدل العلاقة بين البناء والتجربة، ويؤكد تماسك هذه العلاقة المتوازنة، وبالتالي فالشاعر الذي يمتلك التجربة، يكون قادرا على ضبط الايقاع بين الشكل والمضمون، كي نحس بتلك الحركة الابداعية الجمالية المتناغمة بين الشكل الفني والفكرة، التي يحاول المبدع ايصالها الى المتلقي .. فشعر الشنان عبر هذا التناغم ونقل وجعه ومعاناته من ضغوطات الواقع المر .. اي نقل معاناته الذاتية ومزجها بتلك العوامل الموضوعية المتضخمة باكبر من قدرة الشاعر على تغييرها، فهو عانى صراع الجمال وصراع القبح، وقد تكون كفة سلاح القسوة قادر على تدمير الجمال، الا انه غير قادر على هزيمته .. ويعمق هذا المسار في قصيدة (صمت شاهق)، حيث يقول الشنان فيها :

(بيني وبينك
صمت شاهق
ضياع يتجمهر حول اسئلة
لم تسد الرمق .
بيني وبينك
شتاء سيهرب للتسول
وعمر يحوم
لتقولنا كلماته الصامتة
وانت تعبثين بصمتك
على جسدي
تربكين النسيان.)

ويبقى الشاعر الشنان يعاني، حتى في قضاياه الخاصة، أي ان الذاتية تتداخل مع الموضوعية، راسما لوحات تحمل متاهات من الصمت والنسيان، وفي نهاية الديوان يقول :(ساعترف الآن ،/ان الحجر الذي اتعبني البحث عنه/بين فكي افعى)، وكأني به يقرر الاستمرار الى ما لانهاية .. (فوظيفة الادراك والفهم هي التمييز بين محتويات الوعي وتصنيفها واللذات التي تصاحب عمليات التمييز والتصنيف هذه، هي التي يتكون منها جمال العالم المحسوس)، الذي يبحث في ثناياه الشاعر عبد جبر الشنان وديوانه (ذرية هابيل).


هوامش البحث :
1 ـ ديوان (ذرية هابيل) الشاعرة عبد جبر الشنان/الرافد للطبوعات ـ بغداد/الطبعة الاولى 2016م

2 ـ مقالة (القراءة والتأويل في النقد الأبي الحديث) للكاتب محمد القاسمي

3 ـ كتاب (الاحساس بالجمال) تأليف الدكتور سانتبتيانا ، ت/الدكتور مصطفى بدوي ، مراجعة الدكتور زكي نجيب محمود / الناشر مكتبة الانجلو المصرية القاهرة ص211








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??


.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي




.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط