الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المجتمع المدني في بناء المجتمعات

كرم خليل

2018 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إن الأساس في ظهور الثورات هي الأنظمة المستبدة التي لا تضع حرمة لقانون أو شعب , فكلاهما مسخران وموجودان لخدمة مصالحها وحسب , وقد وصلت هذه الأنظمة باستبدادها إلى أبعد الحدود فسخرت الدين لخدمة مصالحها واستثماراتها في المنطقة , فاستباحت وأطاحت بكل ما يعارض خططها وأهدافها , فكانت العلاقة بين الدين والسياسية هي علاقة استغلال ، فالسياسي يستثمر العقيدة الدينية لإنجاح مشروعه , تلك المعادلة تاريخية مديدة , فالمستبدون لا يقيمون وزناً سوى لأنفسهم ولكل ما يخدم ويرسخ نفوذهم وسلطتهم الفعلية على الأرض ، وعبر التاريخ كانوا يضحون بكل شيء من أجل الكرسي ، كانوا يضحون بأقرب المقربين من عائلاتهم وأصدقائهم وحلفائهم ، كانوا مستعدين دائما لبيع أو مقايضة أي شيء من أجل الكرسي , فكم من المستبدين لم يتورعوا عن قتل آبائهم أو أبنائهم ، أو زوجاتهم ، أو ... أو .. الخ , فالسياسة الديكتاتورية لا ترعى ذمة ولا أخلاقاً ، ولا قيماً إنسانيةً ، ولا تأبه لأي علاقات قربى ، أو أي نوع آخر من العلاقات .
إن الديكتاتورية توظف كل شيء لتقوية سلطتها ، ومن ذلك توظيف الانتماءات المختلفة ، ووضعها في سياق التناحر والتعصب وإثارة النعرات القومية والطائفية والدينية من أجل تفتيت القوة الاجتماعية العامة ، وشل قدرتها التوحيدية التي يمكن أن تعمل ضد الديكتاتورية . كل شيء هو ألعوبة السيد الديكتاتور المستبد .
فكل السياسات الديكتاتورية تهدف لتدمير الطاقة السياسية العامة والتوحيدية للمجتمع ، لإضعاف إي إمكانية لمواجهة النظم الاستبدادية ، التي ليس لها بوصلة لا طائفية ولا قومية ولا إنسانية ، وليس لها سوى بوصلتها الخاصة بها والتي تركز على البقاء بأي ثمن مهما كانت منافية للقيم والأخلاق والمعايير الإنسانية والحقوقية , ومنها تولد الثورة .
لماذا تولد الثورة ؟
الثورة هي نتاج شامل لنظام اجتماعي اقتصادي سياسي استبدادي مغرق في الفشل والفساد واللامعقولية ، إضافة لكونه غير قابل للحياة ، عاجزٍ عن النهوض بالدولة والمجتمع , مع العلم أنه في الثورات تبرز كل فظاعات الفوضى والهمجية وتنفلت القوى الإجرامية من عقالها ، وتصبح عائقا إضافيا أمام القوى الثورية الناضجة .
والقول إن الثورة في المنطقة هي نتاج الإسلام السياسي هو قول فيه إجحاف كبير , فهي نتاج عام وشامل لكل القوى الاجتماعية والسياسية المتضررة من وجود واستمرار النظام الحاكم المستبد , ولا يمكننا إنكار وجود قوى ديمقراطية مهمة من المكونات الاجتماعية كافة ، تعمل في صفوف الثورة ، وتجهد لتوجيهها كي لا تخرج عن السكة الصحيحة ، وهي السكة المؤدية إلى نظام جديد أكثر عقلانية واحتراماً لحريات وحقوق الإنسان في المجتمع ككل, وواجبنا كأفراد المساهمة الجادة بكل ما لدينا من أدوات ووسائل في التغيير نحو مستقبل مدني ديمقراطي تعددي يكون فيه المواطن والمواطن فقط , هو العنوان الرئيسي للمرحلة الجديدة والنظام الجديد والدولة الجديدة , فالديمقراطية هي الخيار الوحيد والممكن لكل ما تعاني منه المنطقة , فهي الحُكم والسبيل والهدف الذي يعطي لكل ذي حق حقه .
مع الانتباه إلى أن معظم مشاكلنا وصراعاتنا مرتبطة بالمنطلقات والخلفيات الثقافية الموروثة والمستنسخة ، كالنازية والشيوعية , وذلك لتمسكنا بالفاسد من النظريات وتركنا الصالح منها ( الديمقراطية ) , فالشيوعيون لم يدركوا ولم يتداركوا مبدأ التلازم والتكافؤ الحيوي مابين الحرية والعدالة ، فكانت تجاربهم أحادية الجانب ، ومختلة التوازن , حين ألغوا الحرية لصالح العدالة التي لم يصلوا إليها ولم يتمكنوا من تطبيقها كما هو الحال في أوروبا وأمريكا .
فالشيوعيون أهملوا ، بل وحاربوا حقوق الإنسان ، ففشلوا في تجاربهم الاجتماعية والسياسية حتى الآن ، فيما تمكن الغرب من التركيز على حقوق الإنسان باعتبارها تتضمن الكثير من التوازن مابين الحرية والعدالة الفردية والاجتماعية , فنجحوا في الوقت الذي فشل فيه الشيوعيون فشلاً ذريعاً في كل أنحاء العالم وحتى الآن .
وهم ، أي الشيوعيون الذين نصبوا أنفسهم في كل مناسبة لدعم وحماية النظم الاستبدادية الفاشية حول العالم خلال تاريخهم المدان والملوث على أكثر من صعيد .
كيف نبني مجتمعاً مدنياً بحق ؟
للوصول بأنفسنا والمجتمع إلى هذه المرحلة علينا الانتقال من حالة القطيع إلى حالة التجمع الإرادي الواعي الحر ، علينا الانتقال من حالة المفعول به إلى حالة الفاعل ، من حالة الفعل المنعكس الشرطي ، إلى حالة التحكم الواعي بالذات,والذات الإنسانية هي علاقة حرة واعية مع الآخر في التجمع المدني الحر ، ولا حياة ولا قوة للذات الحرة من دون التفاعل والتكامل مع الذوات الأخرى المكافئة ، حينها يكون الاجتماع الحر الواعي شرطا للتحضر والبناء والتحكم بالحاضر والمستقبل ، وحتى بالماضي الحي : أي ماورثناه من الماضي ولا يزال قابلا للبناء عليه أو حتى استمرار استثماره والإفادة منه حضارياً وعلمياً ومعرفياً .
كيف يكون ذلك ؟
- من خلال إسقاط هيمنة الثقافات " الميتافيزيقية " و" الشمولية " على الحياة الاجتماعية المدنية والسياسية لأنها المدخل الوحيد إلى حياة حرة علمانية , مدنية , راقية , خلاقة , تُعلى الاحتكام إلى العقل والواقع والمجتمع على الاحتكام إلى الأوهام والجهل والقوة والإرهاب .
- الحاكمية يجب أن تكون للمجتمع نفسه يمارسها بنفسه ولنفسه بعيدا عن الأحكام المطلقة المفروضة والجاهزة والمسبقة .
- الحوار الفكري الحر هو محرك التطور والتقدم والارتقاء .
- ولابد من الانطلاق من المبادئ المعلنة في الإعلان العالمي المشترك لحقوق الإنسان وملحقاته في حل كل شؤوننا الفردية والاجتماعية والسياسية .
ففي البلدان الديمقراطية المتقدمة لا توجد صراعات بين أقلية وأكثرية ، أو صراعات طبقية ، أو طائفية أو الخ . ذلك أن كل الأجناس البشرية تتعايش بسلام ومساواة وفرص متكافئة , فالعواصم العظمى العالمية تحولت إلى ما يشبه العواصم متعددة الأعراق والأديان والأشكال والألوان ، ومن مكونات لا حصر لها . وأنا سعيد أنني أعايش ذلك وأحس به يوميا في فيينا - النمسا , المنفتحة على العالم وعلى كل شيء , وحيث لا مكان للعنف هنا ولا للإرهاب والقلق والخوف من المستقبل الغامض الذي غالبا ما يكون سيئاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة