الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْسُّوْدَاْنِيُّوْنَ وَأَزْمَةُ اَلْثِقَة ..!

فيصل عوض حسن

2018 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


اَلْسُّوْدَاْنِيُّوْنَ وَأَزْمَةُ اَلْثِقَة ..!

د. فيصل عوض حسن

يشهدُ السُّودان الآن صراعاتٍ مُتزايدة بأكثر من إقليم، و(فَقَدْنَا) أجزاءً عزيزةً من أراضينا بالاحتلال أو بالبيع، أو بالرَّهن مُقابل القروض التي أخذها المُتأسلمون باسم بلادنا، وأحالوها لمصالحهم الشخصيَّة وامتنعوا عن سداد أقساطها، وبدأوا فعلياً بتسليم مُقدَّراتنا بأكذوبة الاستثمار، كالموانئ والمطار وعددٌ من مشاريعنا القوميَّة. بل بَاعَ المُتأسلمون الإنسان السُّوداني نفسه، كحالة اليمن مُتدثِّرين بفِرْيَة (حِماية) الحَرَمَيْنِ واستعادة الشرعيَّة. وتَعَطَّلت أهمَّ قطاعاتنا الإنتاجيَّة (الزراعي والصناعي)، وتَضَاءَلَ ناتجنا المحلي وقَارَبَ من التلاشي. والأخطر من كُلِّ ذلك، الجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة التي بَلَغت حدوداً مُخيفة، وتَرَاجَعْنَا أخلاقياً/تربوياً وأكاديمياً، و(عَجَزَت/فشلت) كياناتنا (المدنيَّة/المُسلَّحة) عن حَسْمِ الكوارث الإسْلَامَوِيَّة المُتصاعدة، وبدأت أطراف عديدة في تحميل الشعب السُّوداني المسئوليَّة، وانتقدوا صَمْته على التجاوُزات الإسْلَامَوِيَّة ووصفوه بـ(التكيُّفِ/التأقْلُمْ) مع الأزمات، وعدم استشعار خطورة أوضاعنا المُختلَّة ومآلاتها.
أوَّل ما يجب تثبيته، هو أنَّ الشعب السُّوداني هو الضحيَّة الأوحد لكلٍ من المُتأسلمين وما يُسمَّى قُوَّى مُعارضة، وحالة الصمت الشعبي الماثلة نتيجة (مُتوقَّعة) لأُسلوب الإدارة بالأزمات Management by Crisis الذي انتهجه المُتأسلمون، وهو أُسلوبٌ مُدمِّر يُفضي لإخضاع واستسلام الكيان المُسْتَهْدَف (الشعب السُّوداني في حالتنا)، من فَرط الأزمات المصنوعة وتراكُمِها. وازدادت حالتنا تعقيداً، بنجاح المُتأسلمين في تغبيش الوعي والتجهيل المُتعمَّد وغسيل الأدْمِغَة، استناداً للإسلام الذي اتَّخذوه ذريعة وأداة رئيسيَّة لصناعة وتدوير أزماتهم وإغراقنا فيها. فالجهادُ، مثلاً، سَخَّروه لتحقيق مصالحهم المرحليَّة، حيث كان شعارهم في بداية التسعينات، ثُمَّ أنكره عَرَّابُهم (الهَالِكْ) بنهاياتها دون حياء، وما يزال استخدامهم له مُستمراً وفق الحاجة! والشهادة التي وَزَّعوا صُكوكها على (الهَالِكِيْنَ) منهم، فَضَحَتها حربهم الظَّالمة على حفظة القرآن والمُواطنين بدارفور، وعلى النساء والأطفال العُزَّل بالمنطقتين وغيرهما، كما فَضَحتها (نِّخَاسَتهم) في اليمن مُقابل الدُرَيْهِمَات والريالات الخليجيَّة! والعِزَّةِ والكرامةِ، وَأَدَها المُتأسلمون بتخاذُلهم المفضوح تجاه الاحتلالين المصري والإثيوبي، وهكذا فَضَحت مُمارساتهم الفعليَّة أكذوبة تدثُّرهم بالإسلام، والحديث يطول ولا يحتاج لاستدلالٍ واستشهاد.
بالإضافة لأسلوب الإدارة بالأزمات، فقد ساهم (غياب) الثقة – بدرجةٍ كبيرة – في حالة الارتخاء الشعبيَّة الماثلة، إذ فَقَدَ السُّوانيُّون الثقة في جميع كياناتنا (المدنيَّة/المُسلَّحة)، وأيقنوا تماماً عدم تَجَرُّدها وعَجْزِها عن إنقاذ ما تَبقَّى من البلاد وأهلها. فكياناتنا السُّودانيَّة، دون استثناء، تفتقد للفكر (النَّاضِج)، وفشلت في بلورة غاياتهم لواقعٍ ملموس، وجميعهم (ينتظرون) أو (يأملون/يتوقَّعون) تحقُّق تلك الغايات، أو ما يُعرف بالتواكُل. وهي كياناتٌ غافلة تماماً عن الوطن ومآسي أهله، مما رَسَّخَ القناعة بأنَّ الصراع السياسي القائم يستهدف الموارد والمنافع الماليَّة والسُلْطَوِيَّة، أمَّا نهضة الدولة وبقاؤُها وتطوُّرها واستقرار أهلها، فلا يحتل مكاناً أو مساحةً (عمليَّة) لدى الساسة وكياناتهم المُختلفة. وجميع كياناتنا لا تملك (رُؤية) نَّاضجة لإحداث التغيير وتسيير الدولة لما بعده، خاصة في ظل التحديات الخطيرة الماثلة، وكل ما تفعله هذه الكيانات هو مُحاولة استغلال الأزمات الرَّاهنة ودعوة الشعب للحِرَاك، دون قيامها بأدوارها الأصيلة في تخطيط وتنسيق وقيادة ذلك الحِرَاك، وتُصر كياناتنا على هذا الخيار رغم فشله طيلة الثلاثة عقود الماضية، والدليل واقعنا المُتراجع والقاع السحيق الذي بلغناه!
ومن أسباب عدم (ثقة) السُّودانيين في الكيانات القائمة أيضاً، أزمة القيادة (الرشيدة) التي تُعاني منها جميع هذه الكيانات، حيث تغيب مُراجعة الموصوفين بـ(رموز/قادة) ويُعامَلون بصورةٍ أقرب للتقديس، ويدور الكيان المعني حول شخصية الهرم/الزعيم، الذي يستحوذ على كل الصلاحيات، دون رؤىً موضوعيَّة (علميَّة/عمليَّة) لتطوير حزبه ومُؤيديه ودولته، وغالبيتهم فاشل وعاجز عن تقديم المُفيد، وتجاوَزَ قواعد ومُوجِّهات الأفكار التي يُنادي بها، ولم يُرَاعِ عوامل العُمر وفجوة الأفكار وأسلوب الحياة بين الأجيال المُختلفة، ويُغلِّب الخاص على العام، والولاء على الكفاءة، وينفرد بالقرار ويرفض الإحلال والتجديد، ويُعرقل جهود الاستقطاب سواء للأفراد أو للقيادات على مُختلف مُستوياتها، ولا يعقدون اللقاءات أو المُؤتمرات التنظيميَّة لتقييم المسيرة وتقويمها والتخطيط للمُستقبل، وهو ما قُلناه كثيراً في شأن الإدارة العلمية، والتي بدونها لا يُمكن تحقيق أي تقدُّم في عالمٍ بات لا يعرف ولا يُقر بغير العلم وتطبيقاته في العمل، مما أسفر عن اختلافاتٍ كبيرة، أفْضَت لاستقلال/تشرذُم كياناتنا وانقسامها، لتعيد إنتاج وتدوير الفشل!
إنَّ شعبنا السُّوداني شعبٌ أبِيٌّ وكريم وطيب، وليس خانِع وضعيف، وهو (ضحيَّة) للمُغامرين والمُتاجرين الذي يَدَّعون أنَّهم منه ويعملون لأجله، بينما يهتمُّون فقط بإشباع أطماعهم الماليَّة والسُلطَوِيَّة وتوريثها لأسرهم وللمُحيطين بهم، وهي دَوَّامةٌ وحلقةٌ مُفرغة، ابتُلِيَ بها السُّودان وأهله منذ الاستقلال وحتَّى الآن، وأكمل المُتأسلمون هذا النزيف المُتواصل وأدخلونا في هاويةٍ سحيقةٍ، تُنذر بزوال السُّودان من أساسه. وليس من العدل والإنصاف والأخلاق، تحميل الشعب السُّودان مسئوليَّة التراجُع الماثل، وهو الضحيَّة الحصريَّة ويدفع الثمن وحده، جوعاً وتشريداً واعتقالاً وقتلاً واغتصاباً، وبدلاً من الإساءة لهذا الشعب ينبغي الاعتذار له عَمَّا فعله به بني جِلْدَته، أو على أقلَّ الفروض التزام الصمت! ولنعلم، نحن السُّودانيُّون، بأنَّنا المعنيُّون بتخليص أنفسنا وإنقاذ بلادنا، وهذا هدفٌ يصعب تحقيقه في ظل التشرذُم الماثل، والوقوع في (فِخَاخ) الجَهوِيَّة والتعصُّب القَبَلي التي أوقعنا فيها المُغامرون والمُتاجرون بقضايانا، ونحن وحدنا من دفعنا ثمن ذلك، وسندفعه أكثر لو استمرَّ الحال بهذا النحو.
نحنُ بحاجة للثقة في بعضنا البعض، خاصَّة وأنَّ بيننا ارتباطٌ وجدانيٌ عميق، أساسه علاقات إنسانيَّة راسخة وضاربة في التاريخ، كالزَمالات الدراسيَّة أو العمليَّة أو الجِيرَة والمُصاهرة، فلنستفد من هذه العوامل لتعزيز وحدتنا وقُوَّتنا ونُنظِّم أنفسنا، ونعمل على بلورة حلول (جذريَّة) لأزماتنا المُتراكمة، تتجاوز الخُطَبْ والبيانات والشكليَّات لتُلامِس أماكن جراحاتنا السَّاخِنة والمُلتهبة، وهذه لن تتأتَّى إلا بوحدتنا المُرتبطة بثقتنا المُتبادلة واحترام حقوقنا المُشتركة. والحلول التي أعنيها، تبدأ باقتلاع البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة واللحاق بما تبقَّى من بلادنا وأهلها، بعيداً عن كياناتنا العاجِزة والمُتاجرة، وبعيداً عمَّا يُسمَّى مُجتمع دولي طامع في مُقدَّراتنا. وبدلاً من إهدار طاقاتنا في الحديث عن انتخاباتٍ بعد سنتين، ينبغي حشد تلك الطاقات وتصويبها نحو خيار الثورة كخيارٍ أوحد، خاصَّة مع تَسَارُع إيقاع (التخريب) الإسْلَامُوي للبلاد ومُقدَّراتها، وحالة الهَوَان التي نحياها الآن، وهي – لو استمرَّت – لا تُنبئ عن صمود السُّودان لعامٍ آخر ناهيك عامين، لخوض انتخاباتٍ مع مجموعة إجراميَّة ومُدمِنة للكذب والخداع والغدر!
وعلى الذين ينتقدون الشعب ويُحمِّلونه المسئوليَّة، أن يتكاتفوا مع أهلهم ويزرعوا الثقة في ما بينهم بدلاً عن الإساءة والتجريح والنقد الهَدَّام، وليكونوا هم البديل المأمول، فالقادة العِظَام خرجوا من رحم الأزمات، وما أعظم ما نحياه من أزماتٍ الآن تحتاجُ مُجلَّداتٍ لحصرها وتفصيلها. ما يزال الأمل موجوداً، ولنتأمَّل ما حدث بجِوَارِنا الأفريقي، حيث انتفضت الشعوب الثَّائرة في وجه جَلَّاديها وأزالوا الديكتاتوريات التي كانت جاثمة فوق صدورها، كتونس وبوركينا فاسو وزيمبابوي وتفرَّغوا لنهضة بلادهم. وهناك المثال الأعظم والأنموذجي، وهي رواندا التي شَهِدَت حروباً دَمَوِيَّة قاسية، رَاح ضحيتها آلاف المُواطنين وفَقَدَ الكثيرون الأمل في انصلاحها، ولكنها – وبإرادة شعبيَّة صادقة – استطاعت التغلُّب على حالة التَشَرْذُم، واتَّحدَ شعبها وواجه المُتاجرين بحروبهم واقتلعوهم، وعملوا على نهضة بلادهم حتَّى أصبحت في مراتب مُتقدَّمة في البلاد الأسرع نمواً على مُستوى العالم، وبإمكاننا في السُّودان بلوغ هذه المكانة وتجاوُزها، إذا وثقنا في أنفسنا وابتعدنا عن أسباب و(مُعوِّقات) نهضتنا، وأبرزها كياناتنا المُتاجرة بأرواحنا وقضايانا و(قادتها) المُتكلِّسين والخانعين، السَّاعين للحلول الجُزئيَّة التي لم ولن تُخرجنا مما نحن فيه، فالمُتأسلمين – ومن شايعهم – لم ولن يكونوا جُزءاً من الحل، لأنَّهم الأزمة التي يجب اقتلاعها.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين