الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرنفال دموي لحديقة الجوادرفي عيد الاشجار

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2006 / 3 / 22
الادب والفن


ليس بمقدوري ان اغادر طقس الفجيعة ومرارة الاحزان ولوعة الذاكرة التي يسببها لي احتفال العالم بعيد الاشجار
ففي مثل هذا اليوم اقدم البعثيون الاوغاد وضمن تقاليدهم الدموية المعروفة باحتفالاتهم على واحدة من ابشع الجرائم الوحشية بحق البيئة والاشجار عندما اعطوا لجلاوزتهم امرا بالاجهاز على الحديقة الوحيدة في مدينة الثورة (الصدر حاليا) وفي يوم الاحتفال العالمي بالاشجار والربيع .
لم يكن الاعتداء على هذه الحديقة التي حملت اسما واحدا وهو (حديقة الجوادر)اعتداء على الطبيعة والاشجار فقط بل كان اعتداء صارخا وموجها لذاكرة مدينة ولتراثها الثقافي ولتاريخ ابنائها من المبدعين في شتى مجالات الابداع الثقافية والرياضية والعلمية.
حيث كانت هذه الحديقة مهرجانا ابداعيا دائميا تخرج من بين اشجارها المستباحة العشرات من الشعراء الشعبيين امثال عريان السيد خلف وكاظم اسماعيل كاطع وكريم العراقي و جاسم التميمي والعشرات من شعراء القصيدة الحديثة كخزعل الماجدي وشاكر لعيبي وحسن المرواني وعبد الزهرة زكي وحامد الياسري وجمال جمعة وعشرات من كتاب القصة كعبدالله صخي وجمعة اللامي وسعيد جبار فرحان وعبد جعفر وغيرهم وعشرات من التشكيليين من امثال سعيد شنين وستار كاووش وغيرهما.وعشرات المسرحيين من امثال خضير الساري وكريم جمعة وعباس الحربي وكريم الزيدي وكريم رشيد وغيرهم الكثير والعشرات من الرياضيين الذين ملأوا التاريخ الرياضي الوطني بالانجازات والمجد.
لاتصدقوا اذ اخبرتكم ان هذه الحديقة المقتولة شاهدت فيها اول معرض للرسوم لفنان تشكيلي قتلته السلطة البعثية فيما بعد اسمه (عدنان) كما شهدت هذه الحديقة الاجتماعات المحضورة الاولى للاحزاب المعارضة الاسلامية منها والشيوعية وتحت افياء اشجارها كانت تلتقي حكمة شيوخها قبل ان يؤذن المؤذن للصلاة ويتركوا حكمتهم وحكاياتهم الخالدة تستفز صبوات الصبية امثالنا.
ولما ادركت السلطة ان هذه الاشجار اصبحت مدانة بالجرم المشهود بتصدير قائمة من المعارضين للدكتاتورية والمئات من المبدعين والشهداء وعندما اصبحت هذه الاشجار مدانة بكونها الملاذ الامن لكل هؤلاء كما انها لم تحقق الهدف الذي انشئت من اجله وهو ضيافة مواجهي المرضى للمستشفى المقابل لها.عند ذاك اصدر المجرمون قرارهم الوحشي باستئصال وقطع اشجار هذه الحديقة ليطمرمعها كل هذا التراث الثقافي والانساني الذي سيكون فيما بعد من السنوات مصدرا ورافدا ابداعيا انتشر في كل انحاء العالم باعتباره ادبا عراقيا صميميا حمل ماركة مدينته وخصوصية ما تمثله هذه المدينة من سفر العذابات وملحمة البطولات والشهداء المنتسبين من كل الانتماءات والاتجهات، فضاءات هذه الحديقة كانت اوسع من صفوف مدارسنا وبيوتنا الضيقة بامتارها ال144المعروفة ودروبنا المغبرة والغارقة بالوحل ولهذا شهدت هذه الحديقة انفجارمكبوتاتنا في العشق والسياسة والاحزاب المحذورة وتوهجات الابداع الادبي والرياضي والعلمي.
لانريد من الساسة الجدد سوى اعادة الاعتبار لهذه المحطة المتألقة من محطات (الذاكرة العراقية) ولربما ستكون مثل هذه المهمة ايسر على مؤسسات المجتمع المدني وخاصة مؤسسة الذاكرة العراقية التي من مهماتها توثيق العذابات العراقية.وانا على يقين بان الاصابع التي ذبحت العشرات من ابناءهذه المدينة في اسواقها وشوارعها هي ذات الاصابع التي ذبحت اشجارها في عيدها السنوي
وعند ذاك نكون قدمنا خدمة عظيمة ليس لابناء هذه المدينة ورموزها الابداعية التي تملأ الارض الان بتوهجات ابداعها بل لشهداء هذه المدينة الذين غادروا العالم وهم يكتبون قصص بطولاتهم وعشقهم على لحاء تلك الاشجار التي قتلت بمثل هذا اليوم من عام 1980








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا