الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص اليتيم

حكمت الحاج

2018 / 6 / 16
الادب والفن


من الواضح أنّ تحولا قد طرأ منذ بضع سنوات على مفهومنا عن اللغة و بالتالي على العمل الأدبي، الذين يدين بوجوده الظاهر للغة. ومن الواضح أنّ هذا التحوّل مرتبط بالتطوّر الذي عرفته النقدية العراقية بمختلف إتّجاهاتها ومدارسها، إنّ التجديد الذي عرفه مفهوم العمل الأدبي لا يرجع بالضرورة إلى تجدّد المباحث النقدية، وإنّما يرجع بالدرجة الأولى إلى تضافر جهود هذه المباحث من أجل الإلتقاء على مستوى موضوع لم يكن ينسب إلى أي منها، وقد تمّ ذلك كلّه لصالح موضوع جديد ولغة جديدة لا علاقة لهما بما كانتا عليه داخل حقليهما الأصليين، وإنّنا لنشهد هنا نوعا من التحوّل، وبالرغم من هذا، فلا ينبغي التضخيم من شأن ما طرأ على مفهوم العمل الأدبي. لقد دعت الحاجة إلى موضوع جديد نتج عن زحزحة المقولات السابقة أو دحضها وكان هذا الموضوع هو نص كتابة جديدة، نص مفتوح ينهل من طرفي علاقة هما تحديدا: قصيدة النثر والقصّة القصيرة. وكان أن أطلقنا إسما – يبقى في حدود الإقتراح – على هذا النص الجديد المتخلق في رحم الأدب العراقي ألا وهو: "النص اليتيم" وهذا النوع من" النص" مبثوث في كلا الحقلين الوراثيين اللذين يجمعهما الإصطلاح أعلاه، وذلك من دون أن يلغي وجود نصوص متعينة في كلا الحقلين على شكل قصائد نثرية، أو قصصا قصيرة كلا لوحده.
نعلم أنّ للغة قابليتين. وكل واحد يحسّ في نفسه ميلا إلى تغليب قابلية على الأخرى، فمنهم من يعتبر اللغة وسيلة قادرة على نقل شهادة أو تفسير أو تعليم، وعند هؤلاء ، ينصبّ الإهتمام على " الرسالة" التي ينبغي إيصالها، والجوهري في عرفهم يقع خارج اللغة، التي هي ليست سوى أداة النقل.
ومنهم – وهؤلاء أقل عددا- من يعتبر اللغة مادة للبناء، يعالجونها بصبر ويحوطونها بكل أنواع العناية. و الجوهري في عرفهم هو اللغة ذاتها، والكتابة لا تعني عندهم إيصال معرفة مسبقة، لكنّها "ذلك المشروع لاستكشاف اللغة على أنّها مجال خاص" وإذا كان الجوهري يقع في اللغة، وإذا كان موضوع النص هو سياقه الخاص به – أي – سياق تأليفه – فلا يمكن والحالة هذه أن يفكّر الكاتب في موضوع مقرّر سلفا، وكل تسلسل خارجي في مراتب الموضوعات لا يتّصل باللغة في شيء.
كتّاب النصّ الجديد عندنا الآن، لا شك: هم من الفئة القليلة الثانية وكم من فئة قليلة.....!!
تأثير وفاعلية هذا النوع من "النص" ينبعث أصلا من " الإزاحة" التي يعملها النص على الحدث/ الواقعة، وليس في نقله أو محاكاته لذلك ترى أغلب أعمال هذا النوع تأتي بلا أسماء لشخصيات، بلا تعيين لمكان أو زمان، والقليل القليل من الحوار، وإن وجد فإنّه حوار غير مسند، أي أنّه بشكل أو بآخر ليس سوى صوت المؤلف لا أكثر، كل هذا عبر لغة تتوسّل الإستعادة و المجاز، لخلق جوّ من الخيال و الحلم ومفارقة الواقع.
ليس هنالك من عمل فني أكثر انفتاحاً أو انغلاقاً من غيره: والسبب هو أنّ مفهوم الإنتاج يشكل جزءا لا يتجزّأ من العمل الأدبي أو الفني، فالعمل الفني الحقيقي منفتح
ومفتوح بطبيعة حاله. إنّه عمل لا نهائي، والنقد الأدبي الطبيعي اليوم ليس إلاّ برهانا على الفكرة الأساسية التالية وهي: أنّ كل بنية أو كل شكل أو حتّى كل عمل متكامل، لا يمكنه أن يكون إلاّ منفتحا على محيطه والعالم. وكما يقول " امبرتو ايكو" فإنّ كل عمل فني يظلّ مفتوحاً ومنفتحاً ما دام عملا فنيا، أي، ما دام مؤثّرا وفاعلا. فمن مناجيات الحلاج إلى رسائل إخوان الصفا ومن "إشارات" التوحيدي إلى آخر نصوص أدونيس يصبح الفن بالتدريج نوعا من العمل المفتوح .أنّ الزج بين الأجناس الأدبية وإزالة الحدود فيما بينها، يمثل في حد ذاته جنسا من الأجناس، و لا يمكن أن يفلت أحد من هذا التشكيل البسيط، هكذا يعلمنا " جيرار جينيت" وفي نفس الوقت، لا يهم هذا النوع من النص، إلاّ من حيث معرفة كل ما يجعله في علاقة واضحة أو مستترة مع غيره من النصوص ويتقدّم هنا تعريف بسيط للتناص من حيث هو "التواجد اللغوي، لنص محدّد و مقدّم في آن واحد، بين قوسين" إنّه تضمين من نوع جديد .
لا ينبغي أن يعامل النص الجديد، الذي أسميناه باليتيم، كموضوع تجاري، فمن العبث أن تحاول التمييز المادي بين قصائد الشعر والقصص القصيرة الإعتيادية، وبين النصوص المكتوبة بالحساسية الجديدة، كما لا ينبغي خاصة الذهاب إلى القول بأنّ الأعمال الأدبية المتجنّسة كقصائد أو كقصص قصيرة هي أعمال كلاسيكية، وإنّ النصوص الجديدة هي طليعية. لا يتعلّق الأمر هنا بتسليم جوائز باسم الحداثة يحذّرنا " رولات بارت" في هذا الخصوص. والزعم بأنّ بعض النتاجات الأدبية قد أصابت الهدف وأنّ الأخرى قد أخطأته بسبب من موقعها في الزمن فقط، هو زعم باطل ، فقد يحدث أن يكون في الأعمال " القديمة" نصوصا جديداً مثلما أنّ كثيرا من النصوص الجديدة والمعاصرة هي ليست بـ "نصوص" ضمن تسميتها الجديدة لها.وينتج عن هذا شيئان، أوّلهما أنّنا على هذا المنوال نستطيع أن نلغي وإلى الأبد مؤامرة اسمها خرافة الأجيال والتحقيب البشري لتاريخ الأدب، وثانيهما أنّ الفارق بين القديم والجديد هو أنّ العمل الأدبي يشغل حيزا في المادة ويمكن أن يشار إليه لأنّه متحقق وناجز. أمّا النصّ الجديد فهو حقل تجاري ليس إلاّ، والمطلوب هو أن تتمّ البرهنة عليه، ويمكن التحدّث عنه وفق بعض القواعد (وضدّ بعض القواعد)، بمعنى أنّ الأعمال الأدبية المتعارف عليها هي في متناول اليد، أمّا النصوص الجديدة فهي في متناول اللغة، فلا وجود لنص " يتيم" إلاّ داخل خطاب، إنّه نصّ متحرّك، وحركته هي العبور والإختراق، العبور النصّي، والإختراق النصّي.
النص العراقي الجديد لا أب له، إنّه نصّ يتيم، وهو إلى ذلك نص غير أصيل بالمرّة، وهو منفتح بشكل لا نهائي على ما جاوره من نصوص: فضلا عن ما سبقه وتلاه، والتناص أو التداخل النصوصي هو تكتيك العمل وستراتيجيته، ثمّ إنّ النص الجديد هذا غير معني بثنائية: أدب جيد/ أدب رديء. إنّه لا يدخل ضمن مراتبية معيّنة و لا حتى ضمن مجرّد تقسيم للأجناس الأدبية.
ما يحدّده هو على العكس من ذلك، هو قدرته على خلخلة التصنيفات القديمة والجاهزة، إذ داخل أي صنف أو جنس أدبي ينبغي أن نضع "المواقف والمخاطبات" مثلا؟ وإذا كانت النصوص الجديدة تطرح على بساط البحث مشاكل التصنيف والتجنيس (وتلك هي إحدى وظائفها الإجتماعية، ولو كره الكارهون) فإنّها تثير دائما إشكالية " تجربة الحدود" وهذا تعبير أخذناه من "بارت"، يفيدنا في هذا الصدد. فالنص اليتيم هو ما يوجد على حدود قواعد القول، إنّه دوما بدعة تبتدع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة هي خروج عن حدود الآراء السائدة.
ومن منظور لساني، وبشكل موجز نقول أنّ النصّ الجديد هذا يكرس بشكل واضح التراجع النهائي للمدلول، إنّه عمل تعدّدي مجاله هو الدال، ومن مقترب أسلوبي هذه المرّة نقول بأنّ هذا النوع من "النص" هو عبارة عن نسيج من الإقتباسات والإحالات والأصداء ورجعها، لأنّ التناص الذي تدخل فيه هذه النصوص لا يمكن أن يعتبر أبدا كدليل على أصل لها أو نسب.
كذلك فإنّ البحث عن مصادر ومراجع وأصول هذا النوع من الكتابة ومحاولة كشف السرقات والإغارات والإنتحارات هو رضوح لأسطورة السلالة ونقاء العرق، في محاولة لإرضاخ النص الجديد على أن يمثّل شيئا داخل المؤسّسة أمّا الإقتطاعات والتقويسات والتضمينات التي يتكون منها النص اليتيم، فهي، وليطمئنّ الجميع، مجهولة ولا يمكن الإمساك بها وسط غابة اللغة المتشابكة، وهي بالتالي لا يمكن ردّها إلى أصولها وآبائها، ومع ذلك فقد يصدّق قارئ يقول في معرض تعليقه على نصّ جديد "لقد سبق لي قراءته في مكان ما، ولكن أين؟ لا أحد يدري".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح