الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسافر إلى السماء

شيرين يوسف

2006 / 3 / 22
الادب والفن


لطالما كانت لوحة الجد المعلقة فوق جدار قاعة الاستقبال في بيت العائلة مثار اهتمام (يحيى) الصغير ، حيث كان يستفزه الشريط الأسود على حافتها اليسرى فيزيد من الأسئلة و يلح في طلب الإجابة ، و حين يأتيه جواب جدته المسنة : حبيبي .. سافر جدك إلى السماء ..
يتعجب و يزيد فضوله في معرفة كيف السبيل يكون إلى السماء !! فتكتفي الجدة بدمعة ساخنة
يستمر مذاقها المالح تذكارا ً فوق شفتيها ، حينها يكف عن تكرار السؤال و يتجه إلى أمه ليعيد السؤال عليها فتجيب بابتسامة زائفة : حين يهرم الإنسان يسافر إلى السماء ، ظل السؤال عالقاً في ذهنه إلى أن جاء يوم ، و آنست صورة أبيه صورة الجد على الجدار مكللة بشريط أسود مما جعل الصغير يزداد حيرة حين سأل والدته عن سر الشريط الأسود فوق صورة والده و كان الجواب مستعارا ً من جواب الجدة التقليدي: حبيبي .. سافر أباك إلى السماء ..
لم يكن الجواب كافيا ً تلك المرة فكيف ذهب الأب إلى السماء دون أن يهرم ؟!، ظل السؤال حائراً فوق شفتيه و النساء المتشحات بالسواد يملأن البيت على مدى ثلاثة أيام متتالية يترحمون و يبكون ، حتى جاء اليوم الرابع و قد عقد الصغير العزم على سؤال أمه من جديد : كيف سافر بابا إلى السماء قبل أن يهرم ؟،اكتفت الأم بدموعها كرد تلقائي بينما ظل حائرا ً
قلقا ً من سؤال بلا إجابة ،خاف الصغير من السماء التي خطفت أباه و جده إلى أن لاحظت جدته أنه يتحاشى النظر إلى السماء ، فدخلت إلى غرفته و فتحت باب الشرفة و تمددت على الأرض و طلبت منه أن يجاورها فاقترب متحاشيا ً النظر إلى ضوء السماء القادم عبر الشرفة إلا أنه نام إلى جوارها متفاديا ً مساحات الضوء المنعكسة على أرض غرفته ، داعبت خصلات شعره و بدأت في سرد أحاديث الفردوس و حكايات النعيم و متعة السفر إلى السماء،و كيف سعد جده حين علم باقتراب صعوده إلى السماء و كذلك أباه حين باغتته الدعوة للسفر عبر السماء و هو عائد من رحلة عمله ،اطمأن بعض الشيء و بدأ يقترب و يتلمس الضوء المنعكس و يرفع عينيه إلى السماء فباغتها بسؤاله : و كيف تلقوا تلك الدعوة ؟
صمتت قليلا ً ثم أجابت بصوتها المتهدج الرخيم : كلنا سنسافر إلى السماء في يوم ما .
تابع سؤاله بآخر : متى سأسافر ؟، تسللت دموعها في تلك اللحظة فانزعج الصغير و راح يمسح الدموع عن وجهها المضيء إلا أن الدموع توقفت فجأة و بردت جبهتها على نحو ملحوظ فناداها الصغير و لم تجب كرر النداء و لا إجابة .. جاءت أمه على صوت صراخه و اكتشفت أن الجدة سافرت هي الأخرى إلى السماء !، في اليوم التالي كانت صورة الجدة تتوسط الصورتين و الشريط الأسود يتكرر للمرة الثالثة في حياة الصغير،مضى نحو عام و الصغير حريص على تلميع زجاج البراويز و تنظيف الأشرطة السوداء و الحديث إلى الصور إلى أن لاحظت أمه ذات يوم صورته إلى جوار الصور و عليها شريط أسود فانزعجت و صرخت : من فعل هذا بصورة (يحيى) ..و بدأت في البكاء إلى أن جاءها صوته الصغير مجيبا ً : أنا من فعلها ،و حين استفهمت عن السبب أجابها بصوت خفيض مرتعش لا يخلو من الألم : سأسافر غدا ً إلى السماء .. اشتقت إليهم فهل تتبعيني ؟؟
بكت الأم بحرقة و رفضت أن ينام بعيدا ً عنها في تلك الليلة ، احتضنته و ضمته إلى صدرها إلى أن أشرق النهار و داعب ضوء الشمس وجهها عبر النافذة ، هزت رأسه الصغير بحنو بالغ إلا أنه لم يجبها ، لقد سافر بالفعل إلى السماء !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس