الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وسحر وسحر

عبد الرحمن جاسم

2006 / 3 / 23
الادب والفن


وتأخرت عن سحر، أي لم أصل للقاءها في الموعد المحدد، والموعد -يا أحبتي- حتى وإن كان في الفضاء الأثيري، أي على الانترنت، هو موعد، ويجب الالتزام به، وحتى ولو حدث أي شيء. والحال ههنا، أن هاتفي، تعطل، ولم أعرف بطبيعة الحال، أن سحر قد أرسلت لي برسالة قصيرة تقول فيها أنها بانتظاري. باختصار، لم أكن هناك.
جلستُ، أحاول أن أكتب لسحر شيئاً، أخبرها به عن أنه كنت أتمنى لقاءها، وكيف أن اللقاء بها، ولو حتى على تلك الشبكة العنكبوتية، هو أمرٌ يريحني، وليس فقط مهماً لسعادتي فحسب، بل هو مهم لاستمراريتي ووجودي كذلك، شيء ما شدني لـ "سحر" الثانية في حياتي، ألا وهي سحر طه، الفنانة العراقية-الصديقة، أحسست أنني أريد أن أصغي لصوتها وهي تغني، ولا أعرف لماذا، فـ"سحر" كيفما تكون هي سحر، وهنا لا أقصد بـ "سحر" أحداً منهما، إنما أقصد الكائن الخفي المختفي خلف كل من تحمل الإسم.
يا ام العيون السود ما جوزن أنا،
خدش القيمر وأنا تريق منا؛
أنظر لصورة سحر، وأنا أكتب لها تلك الرسالة، وأصغي لسحر وهي تغني، كل واحدةٍ منهما عالمٌ بحد ذاته، كلٌ منهما كنزٌ بحد ذاته. أكتب لها أنني أحبها، أنني أغرق في أدق تصرفاتها العادية، أنني حينما أحلم بها، أراها بالألوان ويكون الآخرون كلهم بالأبيض والأسود. أنتظر أن أنظر إلى شعرها الطويل بجوار البحر من جديد، ذلك البحر الذي كرهته منذ غادرت بيروت. أخبرها، أنني أراقب مع كل نبضةٍ مني أن تكون بجانبي، فالطريق الطويل هذا يأخذ من روحي قطعاً وأحتاجها كالهواء، وأن كل لحظةٍ لا تكون معي فيها، لا تحتسب من حياتي.
واقفة بالباب تصرخ يا لطيف،
لاني مجنونة ولا عقلي خفيف؛
أستمع للصوت الرقيق المنبعث من أغنيةٍ تراثية، وسحر تغردٍ كطائرٍ أسطوري، والكائنات الأسطورية تكاد ترحل من عالمنا العربي الذي لم يعد يعرف غير الألم، وأكاد أترك رسالتي، كي أغرق في حزني المعتاد، ولكنني أتذكر سحر، ببساطتها وهدوءها، فأعود للكتابة، وأكمل سماعي للأغنية.
من ورا التنور تناوشني الرغيف
يا رغيف الهنا يكفيني سنة
أخبرها، كأي حبيب أنا، بي كثير من سيئات، وأنا لستُ كاملاً، ولكنني معكِ أكون أكثر من هذا، أكون كاملاً! وأتذكر محمود درويش حينما يقول: "وأني جميلٌ لأني لديكِ"، أغدو معك كائنا مختلفاً، لأنكِ تعطينني ما ينقصني، ويكملني ويحيلني إلى ما أفتقد أن أكونه. أحبكِ! -أقول لها- لا ككلمةٍ عاديةٍ أقولها لك، بل كتعبير حبٍ جميل المعالم، حبٍ يجعل الناس العاديين ينظرون إلى حياتهم المعتمة على أنها نور! حب يجعل الألوان الغامقة، ألواناً تشع بالحياة، حب! يجعل كل شيءٍ يبدو مشعاً ومحباً للحياة.
لون خمري لا سمار ولابياض
مثل بدر تام وأشرق عالرياض
أتأمل صورها العادية، صورها التي تبدو فيها كأنني أراها الآن، أتخيلها إلى جواري، تحادثني بأمورٍ عادية، حتى بأشياء سخيفة، فنحن حينما نحب أحداً، نحب حتى سخافاته، أشياءه العادية، تصرفاته الحلو منها والبشع. نعشقها للدرجة التي يغدو كل تصرفٍ مهما كان أم بسيطاً، يصير قدس الأقداس بالنسبة لنا، أخبرها أنني أتذكر أنها كانت حينما تشير للأشياء تشير بإصبع يدها الصغير، وهو أمرٌ لا يفعله أي البشر غيرها، أخبرها أنني أتذكر أنها تحب عصير التفاح، وأنني صرت أشربه دائماً آملاً تذكرها. أخبرها أنني لا أزال أذكر حتى نوع "التشيبس" الذي تحبه.
بالوما تحيي وتقتل باللحاظ
وغنج تحكي ومن ترد بعنونة
وتمر الأغنية، وأكتب لـ"سحر"، وسحر تغني، وتكاد تنتهي، ورسالتي لا تنتهي، فرسالتي لـ"سحر" لا نهاية لها، فهي مستمرة طالما نحن أحياء، طالما هناك حبٌ في هذا العالم. أحبكِ سحر، وشكراً سحر.
(الأغنية الواردة ههنا هي أغنية من التراث العراقي اسمها "يا أم العيون السود" غناها بدايةً ناظم الغزالي، وأعادت غنائها سحر طه)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب