الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الرحمن الأفغاني شهيداً للحرية؟!

جوزيف بشارة

2006 / 3 / 24
حقوق الانسان


منذ شن الغرب حربه على أفغانستان في عام 2001 بدعوى تطهيره من تطرف الملا عمر وإرهاب أسامة بن لادن، لم تتوقف الحكومات الغربية عن الإشادة بالديمقراطية الوليدة في ذلك البلد الذي تزيد قسوة قلوب المتطرفين من مواطنيه على قسوة طبيعته الجغرافية. لعل الحروب الأهلية التي شهدتها أفغانستان لسنوات طويلة خير دليل على مدى قسوة الأفغان وتصلبهم. لطالما بشر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بالنموذج الديمقراطي الأفغاني كدليل يجب الإحتذاء في منطقة الشرق الأوسط. ولكن لم تأت الرياح بما يشتهي الغرب، إذ أعلنت السلطات القضائية في أفغانسان منذ أيام عن محاكمة أفغاني يدعى عبد الرحمن بتهمة الإرتداد عن الإسلام واعتناق المسيحية. يواجه عبد الرحمن حكماً بالإعدام في حالة عدم عودته إلى الإسلام ونبذه للمسيحية.

ما أعلنته السلطات القضائية الأفغانية جاء بمثابة الصفعة القوية للغرب الذي لا تزال قواته تتواجد بكثافة في أفغانستان للمساعدة في التغلب على فلول قوات طالبان وتنظيم القاعدة، وللمساعدة في التغلب على المصاعب الإقتصادية المستفحلة في البلد الذي يعد من أفقر دول العالم، وكذا للمساعدة في بناء المجتمع المدني ومؤسساته. ترى ماذا سيكون رد فعل الدول الغربية المشاركة بقواتها تجاه الحكم المحتمل بإعدام عبد الرحمن؟ ربما هبت قوى غربية بمطالبة الرئيس الأفغاني حامد خرازي بإعادة النظر في قرار المحكمة والإفراج عن عبد الحمن. ولكن تلك ردود الأفعال - إن وجدت - لن تكن بحال من الأحوال داعمة للديمقراطية المزعومة في أفغانستان، إذ أن الديمقراطية الحقيقية تعني الفصل الكامل بين السلطات، حيث لا يمكن للسلطة التنفيذية على الإطلاق التدخل في عمل السلطة القضائية.

منذ أيام اعتبر رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر خلال زيارته لأفغانستان أن عملية التحول الديمقراطي التي يشهدها المجتمع الأفغاني تستحق التضحيات البشرية التي قدمها الغرب في السنوات الأربع الماضية. لقد خان التوفيق رئيس الوزراء الكندي حيث أن التغيرات الديمقراطية ليست فقط تلك الإنتخابات التي تجيء بالبرلمانات والحكومات، ولكنها تلك التغيرات الإجتماعية التي تجعل من المجتمع أكثر انفتاحاً على الحضارات والثقافات، وتلك التغيرات الفكرية والذهنية التي تسمح للفرد بقبول والتسامح والتعايش مع الأخر. الديمقراطية الحقيقية تتطلب وعياً جماعياً بحرية الفرد في اختار عقيدته الدينية وانتمائه السياسي ومذهبه الإجتماعي.

من المؤلم أن عائلة عبد الرحمن هي التي أبلغت عن تحوله عن الإسلام، رغم علمها بإحتمالية تعرضه للتعذيب والإعدام. أن تضحي عائلة أفغانية بإبن من أبناها في سبيل الحرية الغائبة والديمقراطية المنشودة فهذا شيء مقبول، ولكن أن تضحي عائلة بإبن من أبنائها لمطالبته بحرية العقيدة فهذا هو الشيء المرفوض تماماً. لعل هذا يعكس مدي تفوق سلطة الدين على العلاقات الإنسانية والعائلية في حياة الفرد في بلد سيطر عليه المتطرفون وأحالوه إلى مجتمع منغلق يأكل بعضه.

لا أدري أية ديمقراطية تلك التي يفخر بها الغرب في أفغانستان إذا ما كان دستور هذا البلد يحوي مواد تحظر حرية العقيدة. من المؤكد أن الدستور الأفغاني الجيديد الذي تم سنه بعد انهيار نظام طالبان يحوي مواداً تبيح محاكمة وإعدام كل من يرتد عن الإسلام في أفغانستان، وإلا لما كان عبد الرحمن أحيل إلى المحاكمة من الأصل. إنها ديمقراطية مزيفة تلك التي يعتقد الغرب انه ساهم في تواجدها في أفغانستان، إنها ديمقراطية عمياء تلك التي لا ترى الأخر ولا تعترف بالتعددية، إنها ديمقراطية ترتدي ثوب تطرف طالبان وإرهاب تنظيم القاعدة تلك التي ترفض التسامح وتنكر حرية العقيدة.

لم يكن عبد الرحمن - في حالة إعدامه - شهيد الحرية الأول ولن يكون. فقد سبقه العديد من المدافعين عن حريات العقيدة والتعبير في الغرب والشرق على السواء. عبد الرحمن أسم سيذكره التاريخ إذا ما صدر ضده حكم بالإعدام. هنيئاً لك يا عبد الرحمن، فأفغانستان والشرق الأوسط بأثره سينتفض بك وبقضيتك للحصول على حرياته الغائبة بسبب التخلف والجهل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصفدي: الأونروا ما زالت بحاجة إلى دعم في ضوء حجم الكارثة في


.. مفوض الأونروا: 800 ألف من سكان رفح يعيشون في الطرقات.. ومناط




.. المغرب يفتح بحثاً قضائياً للتحقيق في تعرض مواطنين للاحتجاز و


.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م




.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف