الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهورية العربية الثالثة!

محمد ابداح

2018 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الجمهورية العربية الثالثة!
كما الأدّلاء السّياحيين فإن المؤرّخين السّياسيين في مسيرتهم إلى توثيق الوقائع؛ يُسرّعون دورة الزمن، لكنهم وبلا شك لا يفعلون ذلك بالإتجاه الذي يُفترض به أن يقودنا للحقيقة، بل إلى الوهم والأسطورة ! وهذا النوع من الأداء الحكومي الخاص والمُكرّس بمهنية عالية؛ يتطلب من المرء النظر من علٍ، وليس من زوايا أفقية لوجهات نظر مُعدة مسبقا باحترافية، رغم تباينها المقصود به إظهار التعددية الفكرية وحرية الرأي الصورية، وفي دول عربية ذات أنظمة قامت على الأمن مقابل الولاء المُطلق لسياسات بريطانيا والولايات المتحدة، ولاءٌ يُفسِّرُ فشل كل مؤتمرات القمم العربية في تحقيق أي إنجاز سياسي عملي يصبّ في مصلحة العرب.
وكما يقال عن الأبناء بأنهم أشدّ شبها بأجدادهم ممّا هم عليه بأبائهم، فإن موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من قضية تسليم القدس لليهود، لا يبتعد عن موقف الملك المؤسس للحقبة العربية الثالثة عبد العزيز آل سعود، والذي بارك المشروع البريطاني لإنشاء كيان إسرائيلي في فلسطين قبيل توقيعه صكّ ضمان الأمن له ولإسرته في حكم الحجاز، مقابل التبعية والذل والخضوع لسياسات بريطانيا العظمى آنذك، وهوحتما ذات الوصف لجميع الأنظمة العربية الحاكة.
ولا شك بأن مقطعا تشريحيا رقيقا يُقدم لنا مجموعة من المفارقات التاريخية شبه متزامنة تقع تحت أبصارنا، قيم الهوس بالأنصاب وداء الإحتفالات الرسمية والدولة المركزية، معادا النظر فيها من أحمد شوقي، الصحوة الدينية الشاملة والفتاوي الشرعية اللتي باتت بعدد حبات رمل الصحراء الذي خرج منها الإسلام، معادا فيها النظر من قبل سيد قطب، والتاريخ العربي الإسلامي معادا النظر فيه من قبل طه حسين، ومن يدري فقد يضعنا هذا المزيج على جادة الطريق المؤدي للتكيّف مع جميع آليات العمل السياسي العربي الذي يُفرغ الأحداث من مضمونها، ويجتاز الحقب، ويجعل منا -العرب- حيوانات ناطقة نتلمّس الطريق في أوطاننا على حافة الزمن المتوقف.
إن كل تلك المفارقات السابقة ليست مرضا وإنما أعراضا مؤلمة، لمادية سياسية محضة برزت حيث لا يتوقع لها أن تبرز على الإطلاق، ترسّخت على طريقة الري بالتنقيط وحصدت من أرواح العرب مالم تحصده حروب الإشتراكية والرأسمالية، وأبقت على مواطنين مجرد أرقام في حياة سياسية ذات عجلات مربّعة.
إن الفلاسفة يهيمون بالصور والطوابق العليا من الحقيقة والنقاد يهتمون بالخبر والطوابق السفلى ذات الغرف المغلقة، ومثل هذا العمل يتطلب تفريقا- طلاقا- باحسان، بين النظرية والتطبيق كي تتم عملية توزيع الأدوار كما ينبغي لها وفق النظم السياسية والتي تستبعد كل تفسيرموضوعي لمُارساتها العملية بوصفه وضعا سياسيا، يستدعي مناورات (غارات) على كافة كيميائيّي المُدرك ( المعارضة السياسية)، وكما أن الأسباب التي تدفع بأصحاب القرار السياسي إلى محاولة التخلص من القضايا المثيرة للقلق، هي ذاتها التي شكلت محور أنشطة إنسان الغاب، فإنه من لا يقول صراحة عمّا يُفكر فيه (الحاكم)، فهو حتما لا يُريد أن يسمع ممّن لا يُفكر فيما يقوله (المحكوم)، والمقابلة بين الأمرين خلقت عيبا خطيرا في التكوين الذهني؛ فالإنسان بات بين شطرين، الأول أحفوريا بائسا مُحتضر، والثاني يكتشفه بمكرمة رئاسية ويزيل عنه التراب، ذلك هو عنوان العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الجمهورية العربية الثالثة.
قد يُبالغ المُتهكمون بالقول في أن الطمأنينة إن لم تسري على الأقل بعروق طبقتين من طبقات شعب ما؛ فإن أي لوحة جميلة من لوحات قوائم الإصلاح قد تقدمها الحكومة الرسمية لذلك الشعب؛ سيتقبلها دون أن يُتّهم بالحمق، شريطة انعدام الفرق عنده بين الثقافة السياسية والتجربة ( السياسية )، وعلاوة على ذلك فإن الثمن الباهض الذي سيدفعه أي مسؤول رسمي نتيجة إلتزامه الشخصي؛ سيكون بمثابة تضحية وطنية، وليس كبش فداء، ربما تصلح تلك النظرية في التطبيق من الناحية العملية على الشعوب العربية لسبب واحد فقط؛ ليس لأنها صاحبة قناعة ومبدأ، حالها كحال باقي الشعوب، وإنما لانعدام المعارف السياسية لديها تماما.
محمد ابداح [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراع الأجندات في سوريا.. من يتحكم بالمشهد؟


.. مبادرة لتوزيع الورود على أهالي حلب بعد سيطرة المعارضة عليها




.. الجزيرة تحصل على صور لانتشال أحد المصابين عند بوابة مستشفى ك


.. سوري يلتقي بوالده بعد سيطرة المعارضة على حماة




.. سرايا القدس: قصف جنود وآليات الاحتلال المتوغلين في حي الجنين