الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إبراهيم أخياط، محمد منيب والحسين ملكي: سيرة مناضلين أمازيغ (تكريما تأبينيا لهم)
الحسين أيت باحسين
2018 / 6 / 30مواضيع وابحاث سياسية
لقد بصم كل واحد من هؤلاء المناضلين الثلاث (وأقول "هؤلاء" رغم فراقهم لنا إلى الأبد) – أقول لقد بصم كل واحد من هؤلاء المناضلين الثلاث - الأمازيغية بذاكرة حية، إذ لا يتجادل إثنان حول ما ساهم به كل واحد منهم من قيمة مضافة (وأسطر على مفهوم "قيمة مضافة") للثقافة المغربية عامة والثقافة الأمازيغية خاصة.
لكن يصعب الحديث عما ساهم به، هؤلاء المناضلين الثلاث، من "قيمة مضافة"، على مستوى تثمين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، دون استحضار دور فقيد آخر وهو الراحل علي صدقي أزايكو؛ ودور أكاديمي، لا زال حيا بيننا، أطال الله عمره، وهو الباحث والمثقف الأستاذ محمد شفيق. ولو أن الواقع يدعونا إلى عدم نسيان ثُلّة أخرى من المناضلين الأمازيغ الذين ساهموا في رد الاعتبار للأمازيغية في مجالات مختلفة، ومن مناطق المغرب المختلفة.
لقد اصطدم كل واحد من هؤلاء وأولئك ب "أزمة هوياتية"، في مرحلة مّا من مراحل حياته؛ إما في المراحل الأولى من حياته الشخصية أو أثناء التحاقه بالمؤسسة التعليمية أو أثناء ممارسته لمهنته أو من خلال ما يصدر من مؤسسات رسمية أو أحزاب سياسية أو منابر إعلامية من مواقف عدائية لكل ما هو أمازيغي؛ فجعل من تلك الأزمة الهوياتية "هاجسا أساسيا وجوهريا" في انشغالاته الأكاديمية-العلمية، أو النضالية-الترافعية، أو القانونية-العرفية، أو الوساطية-الثقافية، أو الفنية-الإبداعية، أو التعليمية-التربوية؛ من أجل المساهمة ب "قيمة مضافة" مّا ونوعية للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة؛ و"السعي من أجل تجسيد" ذلك "الهاجس الأساسي والجوهري" في هذه "القيمة المضافة".
ففي ما تتمثل "أزمة الهوية" لكل منهم ؟
وما هو "الهاجس الأساسي" الذي شغل كل واحد منهم؟
وما هي "القيمة المضافة" التي ساهم بها كل واحد منهم؟
وفيما "تجسد" ذلك "الهاجس الأساسي والجوهري" وهذه "القيمة المضافة"؟
وما "الدرس الذي يمكن استخلاصه من مساهمة كل واحد منهم"؟
انطلاقا مما ساهموا به من اهتمامات ومواقف وإنجازات، منذ عقود، تجاه الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، يمكن القول أنه:
بالنسبة للفقيد علي صدقي أزايكو، من بين ما يمثل الشعور عنده ب "الأزمة الهوياتية" ما أورده الأستاذ عبد الغني أبو العزم في كلمته التأبينية بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة الفقيد، حيث يقول: ""لقد كانت القضية الأمازيغية بالنسبة لعلي صدقي أزايكو قضية مركزية على الرغم مما كان يلفها في البداية من غموض والتباس، وقبل أن تصبح حديثاً متداولا في أروقة الأحزاب والصحافة، ولأن الوعي بها كان مبكراً نتيجة ما كان يلاحظه من حالات القهر اللغوي الذي يتعرض له كل الناطقين باللغة الأمازيغية، وأشير في هذا الصدد للحقيقة والتاريخ إلى حالة فريدة أصابته بالذهول والذعر وجعلته ينفجر غضباً لا محدوداً عندما علم أن أحد المتقاضين من سكان منطقة إمنتانوت ما أن بدأ يشرح قضيته باللغة الأمازيغية أمام المحكمة حتى سارع أحد القضاة إلى مقاطعته قائلا : "عليك أولا أن تتعلم اللغة العربية قبل أن ترفع شكايتك".
كانت هذه الواقعة سنة 1963، ويومها كان معلماً بإمنتانوت، وكنت أنا معلماً بسيدي شيكر وأذكر أني وجدته في حالة من الغليان والغضب عندما التقيته بشيشاوة تحت شجرة وارفة ياليتها تتكلم، مكان مواعيدنا المعتادة في آخر كل أسبوع، لكي يقص كل واحد منا أحداث الأسبوع وحالات الاغتراب التي كنا نشعر بها كيافعين، في انتظار الحافلة التي ستقلنا إلى المدينة.
في ذلك المساء، ما أن بادرته بالسؤال عن حالات الغضب الذي استبدت به، حتى سارع يحدثني عما حدث في منطقة يتكلم أهاليها اللغة الأمازيغية مع القاضي، حيث كان الأحرى بهذا الرجل أن يتعلم لغتهم. وأعتقد جازماً أن هذه الواقعة شكلت انعطافاً حاسماً في حياته، وهذا ما يفسر بوضوح حدة مواقفه كلما تعلق الأمر باللغة الأمازيغية.
وتأبى المصادفة إلا أن تعمق من الجرح، وتزيد من حدة الألم والحزن، إذ لم أكن أتصور أبداً أني سأعود إلى هذه المنطقة، منطقة شيشاوة وإيمنتانوت، ومعي هذه المرة جثمان صديقي على متن سيارة الإسعاف التي ستنقلنا إلى مثواه الأخير بقرية إكران، وبينما كانت السيارة تعبر أماكن لقاءاتنا المتوالية والمتعددة، التفتت خلفي وصرت أحدثته قائلا وكأنه يسمعني : ها هنا يا علي كانت مرابع لقائاتنا اليافعة". (1).
أما "الهاجس الأساسي والجوهري" فيتمثل في المطالبة بإعادة كتابة تاريخ المغرب ("إن تاريخنا لم يكتب بعد"؛ "تاريخ المغرب بين ما هو عليه، وما ينبغي أن يكون عليه": مجلة الكلمة، عدد فبراير 1972) والاهتمام بالثقافة الأمازيغية؛ و"عدم التنكر للجذور"؛ اعتماد التاريخ الاجتماعي؛ الإبداع الشعري مع تحديث القصيدة الشعرية الأمازيغية قالبا ومضمونا والمساهمة في تحديث الأغنية والموسيقى الأمازيغيتين.
أما "القيمة المضافة" فتتجلى في الاهتمام بالرؤية المستقبلية لثقافتنا وتاريخنا الوطني من أجل تحديث
الأمازيغية ورفع الحيف عن الأمازيغ. وقد تم التعبير عن هذا الاهتمام منذ أواسط السبعينيات في الصيغة الأولى لمقال مشهور (2) وتمَّ تحديثه في صيغة ثانية في بداية الثمانينيات وسجن بسببه(3).
أما "تجسيد القيمة المضافة" فتتمثل في اهتماماته الأكاديمية والإبداعية وفي مواقفه وإنجازاته؛ يمكن الاطلاع على جلها في الجرد لكتابات الفقيد التي عرضتها في الذكرى الأربعينية لوفاة الفقيد، الذكرى التي نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط (4).
وأما الدرس المستخلص الذي علينا استلهامه فيتمثل في دعوته لعدم التنكر للجذور مع ضرورة بناء ثقافة وطنية حقيقية ورفع الحيف عن الأمازيغ والأمازيغية.
بالنسبة للأستاذ محمد شفيق: تتمثل هذه الجوانب فيما يلي:
- الأزمة الهوياتية: تتمثل بالنسبة إليه في ما عاناه من "احتقار الغير للأمازيغية" في مختلف أبعادها.
- الهاجس الأساسي: بناء الترافع من أجل رد الاعتبار للأمازيغية على أساس الاهتمام بالعرف (أزرف) وباللغة والثقافة والتاريخ، والعمل على؛ ومن أجل؛ تحبيب الأمازيغية للناطقين بها وغير الناطقين بها؛
- القيمة المضافة: للأمازيغ ثقافة خاصة بهم توارثوها عبر العصور منذ آلاف السنين
تجسيد القيمة المضافة: الرجوع إلى الكم الهائل مما أصدره منذ بداية الستينيات إلى اليوم (5).
- الدرس المستخلص: يتمثل في العبارة – الحكمة التي لا يفتأ يكررها والتي سمعها من عمه الذي خبر الشجاعة الجسمانية ضد المستعمر؛ وتراءت له ملامح المستقبل في السعي إلى الشجاعة الفكية، وتلك العبارة هي: "إن زمن الشجاعة الجسمانية قد ولى وجاء زمن الشجاعة الفكرية".
بالنسبة للفقيد إبراهيم أخياط:
- الأزمة الهوياتية: تتمثل في ما لمسه من "احتقار الذات" لدى كثير من الأمازيغ؛ ومن التعامل من طرف الغير بكثير من "الدونية تجاه كل ما هو أمازيغي"؛
- الهاجس الأساسي: التدبير الاستراتيجي للممارسة الجمعوية الثقافية والفنية والتربوية، وتنويع
أوراشها لإبراز التعدد والتنوع في ثقافتنا المغربية؛
- القيمة المضافة: المساهمة في الانتقال بالأمازيغية من الوضع الشفوي إلى وضع الكتابة والعمل
على تيسير مأسستها وتحديثها.
- تجسيد القيمة المضافة: انظر ما اصدره من إبداعات ومقالات وحوارات منذ أواخر الستينيات وقد ضمنت ذلك في الجرد الأولي لما قام بنشره؛ في صفحتي على الفيسبوك؛ بالرغم من انغماسه الكلي في التدبير الاستراتيجي للعمل الجمعوي (6).
- الدرس المستخلص: استراتيجية "تدبير المتنوع" و"محاورة المختلف".
بالنسبة للفقيد محمد منيب
- الأزمة الهوياتية: إدراكه أن "الظهير البربري" هو أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر .
- الهاجس الأساسي: معرفة إدارة الحماية، وملابسات الحركة الوطنية، وخفايا المطالبة بالاستقلال، وكذا تطور الشأن الحزبي المغربي بشكل خاص، والشأن السياسي المغربي بشكل عام؛
- مواكبة الحركة الأمازيغية؛ والانخراط فيها برزانة وحكمة فكريا ونضاليا وتنظيميا؛
- التساؤل؛ كما ورد في مقاله المشهور: "من هم أحفاد ليوطي الحقيقيون؟" (2006) عن: "ماذا استفاد الأمازيغ من فترة الاحتلال بعد معاناتهم على مدى ربع قرن تقريبا، من 1912 حتى 1934، من ويلات "السياسة البربرية" بمعناها الهمجي الذي مارستها فرنسا ضد القبائل الأمازيغية بكل من الأطلس الكبير والمتوسط والصغير والريف، مستعملة في معاركها العسكرية كل وسائل التقتيل والتخريب والتشريد والتهجير؟
- القيمة المضافة: تقويض دعائم وأسس ما سمي ب "الظهير البربري"؛ دعائم أيديولوجية،
بل وديماغوجية، من خلال كتابه: الظهير البربري أكبر أكذوبة في تاريخ المغرب المعاصر (2002).
تجسيد القيمة المضافة: الترافع من أجل تنقية الكتاب المدرسي من كل ما يتعلق بأطروحة الظهير البربري. والدعوة، إلى أن "يكون الكتاب المدرسي نبراسا للموضوعية والأمانة العلمية واحترام الحقائق التاريخية"؛ كما جاء ذلك في كتاب: الظهير البربري في الكتاب المدرسي (2010).
- الدرس المستخلص: تصحيح التاريخ الوطني الحديث وخاصة منه المرتبط بفترة الحماية بدون صخب (7)
بالنسبة للفقيد الحسين الملكي:
- الأزمة الهوياتية: الوعي بإشكالية العدالة خاصة تجاه المرأة ، وتجاه أراضي الجموع؛
- الهاجس الأساسي: إنصاف المرأة والترافع من أجل إنصاف ذوي الحقوق في أراضي الجموع؛
- القيمة المضافة: ترسيخ القيمة الاعتبارية للمرأة في المجتمع المغربي من خلال "حق الكد
والسعاية"؛ الشيء الذي تحقق حين أدمج المشرع المغربي في مدونة الأسرة ضمنيا هذا الحق.
الانشغال لعقود بمشكلة أراضي الجماعات السلالية وبالانظمة القانونية لتدبير الأملاك الغابوية.
- تجسيد القيمة المضافة: كتاب "الكد والسعاية"، وكتاب "أراضي الجموع".
- الدرس المستخلص: التركيز على التخصص في العمل على حل مشكلات القضية الأمازيغية: في
أواخر حياته لا يفتأ يؤكد على هذا البعد التخصصي من الانفتاح على
المقاربات متعددة الاختصاصات (8).
الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
--------------
الهوامش:
(1) مقتطف من الكلمة التأبينية التي ألقاها د. عبد الغني أبو العزم في الذكرى الأربعينية لوفاة الفقيد علي صدقي أزايكو، التي نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
(2) صدر في مجلة داخلية (على شكل مطبوع) سنة 1976، عنوانها: "تيدرين).
(3) صدر في مجلة "أمازيغ" (بالعربية)، العدد الأول، سنة 1982.
(4) انظر الجرد الأولي لإصدارات الفقيد علي صدقي أزايكو في صفحتي على الفيسبوك وفي موقع "تاوالت"، وفي كتاب: من أجل قراءة جديدة للمغرب (علي صدقي أزايكو: المؤرخ والشاعر والمثقف الملتزم)، أعمال الدورة الثامنة (29-30-31 يوليوز 2005) لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير،طبع بدعم من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الطبعة الأولى، 2008، ص. 8-24.
(5) انظر الجرد الأولي لكتابات الأستاذ محمد شفيق في صفحتي على الفيسبوك.
(6) انظر الجرد الأولي لكتابات الفقيد إبراهيم أخياط في صفحتي على الفيسبوك.
(7) انظر الجرد الأولي لكتابات الفقيد محمد منيب في صفحتي على الفيسبوك.
(8) انظر الجرد الأولي لكتابات الفقيد الملكي الحسين بن عبد السلام في صفحتي على الفيسبوك.
عرض ألقي في إطار التكريم التأبيني الذي نظمه نادي الدراسات الأمازيغية، مناظرات ملتقى تامسنا الأول 2018؛ وقد شاركت فيه إلى جانب كل من السادة: عبد الله بادو، محمد صلو وحسن إد بلقاسم؛ وقام بتسيير الندوة السيد عزيز اجهابلي؛ وحضر الندوة ثلة من المناضلين والباحثين في الحقل الثقافي الأمازيغي؛ وذلك يوم السبت 3 رمضان 1439 / 19 ماي 2018،ابتداء من التاسعة والنص ليلا، بمقر "أزطا" بالرباط.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما الذي يخشاه الاتحاد الأوروبي من توجهات ترامب بشأن أوكرانيا
.. نتانياهو يبحث مع ترامب -التهديد الإيراني- خلال اتصال هاتفي ل
.. عودة -تاريخية- لترامب إلى البيت الأبيض.. ماذا يحمل في حقيبته
.. أبواب السلام أم استمرار الصراعات.. ماذا يحمل ترامب للمنطقة؟
.. ضمت مؤيدين لفلسطين.. مظاهرة في شيكاغو رفضا لانتخاب ترمب رئيس