الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء عند الباب

عماد نوير

2018 / 7 / 1
الادب والفن


كانت الرسالة واضحة، رغم إن المرسل كان مجهولا، على عجل ارتدى شجاعته التي نخرها تقدم العمر، و بان هزالها، و اكتفت بوسام وهمي اسمه الحكمة و التأني، و طالما خسر تحت هذا البند أمورا كانت حلما و فرصا لا تتكرّر، أحس بأنه أكثر شجاعة من أي وقت مضى، ليس مهما أبدا أن يركن لحسابات العواقب، فهي دائما تأخذ مسارا غير ذلك الذي يرسمه بدقه، لتتكفل الأقدار بمشيئاتها، أو ربما صارت لديه قناعات و تفسيرات أخرى، إن صرّح بها سوف يوسم بالخرف أو بعض الجنون!
انطلقت تكهناته تتعثّر بالتفنيدات المنطقية، و تمردت أحلامه على العقبات الواقعية، تذكّر حبّات الحنطة التي نثرها قبل خمسة عشر سنة في جبل ثلجي اللون، حينها فجأة أعلن إله المطر إن لا شمول لهذا الجبل بسحابة لمدة قرنين قابلة للتجديد، ارتجف قلبة لمجرد تلك الذكرى، رغم أنه كان مؤمنا آنذاك بكل ترتيبات الرب، و امتثل و ركع و سجد لأنه حُرم فرك حبّات السنبل التي من المؤكد أنها ستكون قمحا لا وصف له، فقد كان من حنطة سمراء أو خمرية، و لابد أن يكون خبزها لذيذا شهيا، لن يشبعه منها رغيف أو ألف رغيف.
استوقفته سمة المكان الذي ينوي أن ينتظر فيه أحدا ما، لم يزره من قبل، لم يره في مناماته التي كانت تحرره من كوابيس الواقع، ركل كل الشياطين التي تستطيع أن تثني المرء عمّا هو مقدم عليه، عدلَ و قرّر المحاباة، انتفضت كل أفكاره تتودد الشيطان و تحاول أن تؤكد له أن تمنحه فرصا أخرى دون مقاومة تذكر، إن أعرض عنه في هذه، لم يصدّق ما قاله صديقه قبل سنه عن رحمة الشيطان و تفهّمه لبعض الأمور، شريطة أن تترك له عمله، و لا تنافسه و لا تتشدّق بأنك يمكن أن تهزمه ذات يوم.
انطلق مع رفيقيه لذاك الموعد، فهو حتى لا يعرف أين يكون، أحس بأنه يخترق الزمن، أو أن الزمن كان حنونا على أحفاده، فكأن يد الإهمال كانت تتصفّح أوراق التاريخ بكل برود، و كأن حارات القدّيس توما كانت تنتظر قدوم ملك من السّماء، لترقص تلك الحارات و تعلو بها التراتيل، فيمرّ الأب ليمسح على رؤوس الجميلات و يضرب بحنان على أكتاف كل المزدحمين بالحارات الملتوية الضيقة، و لا يكترث لأيٍّ مسمّى ديني أو مذهبي، طاعن في السمرة السومرية أو بضّ رقيق من أحفاده.
كانت روائح الحضارات تندلق بين الأفرع و الأزقة مختلطة مع عبق الحسان اللواتي يبعثن الحياة للقلوب الميتة في صدور حيّة، لم يرَ أحدا يعرفه، و لم يُعرّف له أحد نفسه، توقّف عند محل لبيع البيتزا بطريقة شعبية لمتبضّعين يغلب عليهم طابع البورجوازية، أكل مع رفاقة و بعض الزبائن بطريقة واقفة، إذ لا جلوس عند البائع، كل الوجوه كانت غريبة، تفحصها جميعا، لم يجني غير متعة حائرة.
دفع صديقه الحساب فيما ارتكن هو قريبا، سمع لغطا، حاول التّدخل، ما الأمر:
- يدّعي البائع أننا أخذنا أربع.
- عذرا يا سيد، نحن ثلاثة فقط!
- و تلك السيدة، إليست معك؟؟
- أبدا يا سيد!!! أنت واهم..!
- واهم!!! هل تسخر مني؟ كل يومين أو ثلاثة تأكلان عندي...
- يا سيد... لكن...
انطلق وراء تلك السيدة التي ترتدي ملابس مختلفة عن الكل، تبدو كأنها في شتاء، عند البوابة الأغريقية التفتت إليه و ابتسمت.
- كيف وصلتِ إلى هنا، كيف تعبثين بي بجنون، دعيني أرقد بسلام، فأنا أشعر بجنازتي تُشيّع كل يوم! كيف تطيعكِ الأماكن و الأزمان؟
- أبدا!!! الأمر ليس كذلك.... أنت من لا يدعني أتحرّر منك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام