الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحظّ المفقود

عماد نوير

2018 / 7 / 2
الادب والفن


الحظّ المفقود
كانت نظراته تجول في المكان دون أن تتحفّظ عن حالة التيه التي تبدو عليها، تطارد كل قادم حتى تغيب ملامحه، تتسمّر بكل مجموعة حتى ينتبهوا إليها، كان يحاول أن يظهر هادئا و مستقرا، ليضيع بين المزدحمين دون أن يلفت الانتباه إليه!
مرة يحاول الاعتقاد بأنه يبحث عن مكان لشرب الشاي، و مرة يمتعض لعدم شحن بطارية هاتفه، و مرة يشكّ في اعتقاده بموعد الرحلة المضبوط، ليسأل الرجل المسؤول عنها فيجيبه دون أن ينظر إليه..
استقرّ أخيرا في مكان قصي، لكن الجميلات يتلاحقن إلى الصالة تباعا، فأيقن أنه أول المبكّرين، يحاول أن يشيح بوجهه صوب الملائكة محمّلها التهليل و الاستغفار!!!
يلتفت على عجل على أصوات ضحكاتهن المتعالية، و يضرب بعِكسه لا لأحد بجانبه محمّلا إيّاه هذا الانحراف، ثم يبتسم لنفسه، و يعلو صوته: ما هذا الهراء؟ هل أنا مجنون، هل أنا من عالم آخر، عالم منبوذ!!!
أخرج هاتفه و بدأ يكتب على شاشته بعض من أفكاره القديمة المؤجلة، يطعّمها بهذا الجمال و الانطلاق نحو الأفق الواسع غير المقيّد.!
جلس أمامه ما يوحي بأنهما زوجان، ركنوا الحقائب و اهتموا بقفص فيه طير لم يصفه لي بطريقة تجعلنا نعرف ماهو، و على الأكثر كان ببغاء، رغم أنه لم يسمعه يتكلم إلّا أنه رأى الزوجة تحدّث الطائر و تضحك معه، و كلما التقت نظراتها قبالته يطرق بحياء، و يطلق العنان لسمعه فلا يجني أي نتيجة!
كانت لها مع الطائر قصة عشق ترجمتها همساتهما معا، و ابتسامتهما و تودده إليها من خلف قضبانه الجميلة، نهضت مع صديقها المحبوس إلى زوجها بإشارة من بُعد، نظر إلى جانبه، حوله، لم يعد أحد غيره، الكل اتّجه صوب المدرج لركوب الطائرة، و هو يحاول أن ينظر إلى الزوجين من بين عشرات الأزواج، لا يدري لماذا!!!
لماذا لا ينهض؟ هل ينتظر أحدا، هل كان مقررا أن يسافر مع أحد ما؟ هل كانت حقيبته وحيدة يتيمة، تبحث عن ببغائها المدلل؟
أسرع ليلحق بالمغادرين، أنتظر حتى ركب الجميع، كانت المضيّفة بالباب تحمل صينية من الحلوى تنتظر قدومه، ارتقى السلمة الأولى و التفت خلفه، جاءه صوت رقيق من الطائرة لم يميّز معناه لتغيّر اللهجة، أكمل صعوده نحو ابتسامة و امرأة طويلة جميلة، شكرها و امتنع عن أخذ الحلوى، أخذ منه المضيّف الشّاب رقم تذكرته: رقمك ثلاثة و عشرون قبل الأخير بثلاث مقاعد، و أشار إلى الجانب الأيمن.
جلس بمقعده و بقي المقعدان الآخران شاغران، سمع هذه المرة صوت الزوجين عن كثب، كانا وراءه، زوجان عراقي و سورية، حاول أن يفتعل أي شيء ليكلمهما، بحث عن طائرهما من خلف مقعده الطويل، لم يجده، كان يود معرفة اسم الطائر بكل وسيلة، و كلما وصل إلى مسامعه أنغام محاورة بلهجتين، ينتابه سكون و استرخاء و ذهول، و يمنّي النفس برؤية الطائر.
هبطت الطائرة في حضن مطار دمشق، فاختفى عن ناظريه الزوجان السعيدان، و عرف عند ذلك أن رفيقهما كان طير السعد..
فقد وجد طائره مازال في عنقه.

عماد نوير...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??