الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية المسرحية

ابراهيم حجاج

2018 / 7 / 2
الادب والفن


تتكون ثقافة أى مجتمع من المجتمعات من مجموعة أنساق اجتماعية ودينية وأدبية، وغيرها من الأنساق التى تتلاقى جميعها على أرض واحدة بهدف تحقيق التواصل مع ثقافات المجتمعات الأخرى، عبر عنصر هام ورئيس يوجد بشكل حيوى فى كل تلك الأنساق، وهو الرمز.
ويعد النص المسرحى نسقًا فرعيًا من الأدب، ويدخل الرمز فى تكوينه، حيث يصبح قابل للتعدد القرائى والتأويلى من خلال الخوض فى فضائه والكشف عن معانيه المضمرة والمستترة.
يشتمل النص المسرحى على مجموعة من العناصر، تدخل فى تشكيل نسيجه وصورته النهائية. وتعد الشخصية عنصرًا أساسيًا من هذه العناصر المشكلة لهذه الصورة، باعتبارها القطب الذى يتمحور حوله الخطاب المسرحى، والعمود الفقرى الذى يرتكز عليه الحدث الدرامى.
ويمكن النظر إلى الشخصية المسرحية بوصفها موضوعًا لخلق الدلالة؛ فقد يتأسس النص المسرحى على اعتبار الشخصية دالًا على فكرة أو مضمون إنسانى عام، وفى أحوال كثيرة يمكن تأويل الدلالات المرتبطة بالشخصية استنادًا إلى مجموعة من الشفرات، التى تساهم فى التعرف على طبيعة العلاقة بين الدال (الشخصية)، والمدلول (الموضوع المحمول على الدلالة).
إن أهمية الشخصية لم تأت من خلال قدرتها على تطوير الحدث وبث الحياة والمتعة فى النص المسرحي من خلال توجهاتها وأفكارها فحسب، بل تكمن قيمتها الحقيقية، باعتبارها رمزًا مشحونًا بالدلالة والإيحاء، وهو ما يحيلنا إلى مصطلح الشخصية فى العصر اليونانى القديم، حيث كانت تدل على "القناع (persona) الذى يضعه الممثل على وجهه أثناء أداء الدور المسند إليه، ثم صار بعد ذلك يدل على الدور نفسه"، فلا يزال الكاتب المسرحى يستخدم القناع فى إنتاجه الأدبى، ولكن لوظيفة جديدة؛ حيث يلبسه شخصياته، فتتحول من مجرد اسم إلى طاقة إيحائية، تجوب فضاء النص الذى يتحول إلى أرض مسكونة بالدلالات، وهو ما ذهب إليه الناقد "فيليب هامون"( ) حين عرف مصطلح الشخصية المسرحية بأنها "وحدة دلالية باعتبارها مدلولًا متواصلًا ويفترض أن هذا المدلول قابل للتحليل والوصف".
وقد تعددت النظريات والرؤى النقدية التى حاولت إرساء طريقة أو منهج لتحليل الشخصية المسرحية، ومنها رؤية "لاجوس آجرى" Lajos Egri للشخصية "باعتبارها كيانًا حيًا متكاملًا، يتكون من أبعاد ثلاثة: (مادى أو عضوى)– (اجتماعى)– (نفسى)". أما البعد الأول، فما من شك فى أن كياننا المادى الخارجى يلون نظرتنا للحياة، ولا يمكن أن نجادل فى أن الشخص الكفيف– مثلا بوصفه موضوع البحث– ينظر إلى الدنيا نظرة مناقضة تماما عما ينظر إليها الشخص المبصر كامل التكوين العضوى؛ فالكيان الفسيولوجى أو الخارجى بشكل عام، يؤثر على تطور الشخصية الذهنى، ويتحكم فى مركبات النقص والاستعلاء داخلها.
كما يحذر "لاجوس آجرى" من إغفال الكيان الاجتماعى للشخصية، ويحث على دراسته دراسة جيدة، فإننا لا نستطيع أن نجرى تحليلًا دقيقًا لأوجه الخلاف بين شخصية وأخرى، ما لم نقم بدراسة وافية حول المستوى الاجتماعى لكل منهما، من حيث الطبقة والعمل والتعليم ومستوى الثقافة والدين .... إلخ، كما يرى "أن الكيان النفسى، ما هو إلا ثمرة للبعدين الآخرين، وأن أثرهما المشترك هو الذى يحيى فينا مطامعنا ويسبب هزائمنا، وخيبة آمالنا، ويكون أمزجتنا وميولنا."وسيعتمد الباحث فى تناوله لمستويات الرمز فى شخصية الكفيف على تحليل أبعادها الثلاثة، حيث تساهم العوامل المكونة للشخصية الداخلية منها والخارجية فى تحديد دلالاتها، وفك شفراتها، وذلك من خلال إمداد المتلقى بأدوات التفسير والتأويل، فعلى سبيل المثال الهيئة والمظهر يندرجان تحت الكيان المادى، ومن ثم تعتبر "الأزياء والإكسسوارات الخاصة بالشخصية جزءا من الكيان الخارجى، وهى تشارك فى صنع دلالات اجتماعية معينة، من خلال ما تنم عنه من فقر أو غنى."
كما يعد الكيان الاجتماعى لشخصيات بريخت Bertolt Brecht (1898 – 1956) –على سبيل المثال- رمزا للصراع بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا الكادحة. وهو المعنى الذى يجاور نظرة "سامية أسعد"إلى الشخصية المسرحية "باعتبارها مجموعة من العلامات التى يجب تصنيفها، تحت عدد من العناوين، منها المظهر الخارجى، والصفات والإرشادات السلوكية أو النفسية، وكل ما يمكن أن نعرفه عن ماضى الشخصية، وعلاقاتها السابقة والحالية بالشخصيات الأخرى من صداقة وعداء ومنافسة ..... إلخ"
وبالطبع يمكن التعرف على أبعاد الشخصية الثلاثة، "من خلال توصيف الكاتب لها عن طريق الإرشادات المسرحية، أو ما يتواجد فى ثنايا الحوار الدرامى."وهذا يعنى أن النص المسرحى المكتوب، يحمل بين طياته نصًا موازيًا للحوار يسمى النص الخارجى، "وقد اعتبر الناقد المسرحى "رومان إنجاردن" R. Ingaredn أن النص الحوارى هو النص الأساسى، وكل ما هو خارج عن الحوار أى (الإرشادات المسرحية) نص ثانوى." كما أقرت "سامية أسعد" بفكرة ازدواجية النص المسرحى، حيث ترى أن "النص المسرحى" يتكون من نصين اثنين، الأول رئيس، وهو كلام الشخصيات، والآخر ثانوى، وهو الارشادات التى تؤدى وظيفتها التصويرية عند قراءة المسرحية."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو