الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وماذا عن الذئاب الترکية؟

نزار جاف

2006 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


حين شاهدت الفيلم الترکي"العراق..وادي الذئاب"، وتلک اللغة التي تتسم بروح عدائية واضحة للولايات المتحدة الامريکية و تثير الکراهية ضدها، لم أصب بالدهشة ولم أتفاجأ إطلاقا بکل أحداث الفيلم من"طقطق الى سلام عليکم"، ذلک أن هذا الفيلم هو إمتداد منطقي و طبيعي للموجة الحالية التي يتميز بها الواقع السياسي الترکي بشقيه الرسمي و الشعبي.
أنقرة التي طالما حاولت من خلال عقلية جنرالاتها حسم الکثير من المواضيع، إذ أنها إستطاعت أن تشطر قبرص الى نصفين، کما إنها وضعت حدا لصراع النفوذ بين القوى السياسية الترکية من خلال الجنرال کنعان أفرين، مثلما وضعت السيد نجم الدين أربکان في رهن الاقامة الجبرية و أجبرت دکانه السياسي على تغيير يافطته الرئيسية، ترکيا هذه وجدت أخيرا نفسها في وضع صعب لم تألفه من قبل، فهي لم تستطع حسم موضوع إنضمامها الى الاتحاد الاوربي، کما إنها ليست في وضع حسن بالنسبة للقضية القبرصية، أما بالنسبة للشأن الکوردي، فإنها و مع کل تلک المحاولات العسکرية ـ السياسية ـ الامنية ـ الديموغرافية، يظهر إنها لم تجد نفعا في حسم الملف الکوردي أو على الاقل السير في الطريق المؤدي الى الحسم. وواضح أن ساسة حزب العدالة و التنمية لم يستطيعوا أن يغيروا شيئا من القناعات الاوربية بخصوص الملف الکوردي، وإن کل سعيهم في هذا المضمار لم يتمخض عن نتائج مفيدة وفق هذا السياق. وقد جاءت تلک الإنتکاسات السياسية الترکية من قبيل ذلک التنسيق الامريکي ـ الکوردستاني في الهجوم على مدينة کرکوک و تحريرها، و ذلک الضوء الاخضر الذي أشعله الامريکان للعوائل الکوردية المرحلة عن المدينة للعودة إليها مع السماح لها بإشتراک"محدود"في العملية الانتخابية، وتلک الانتفاضة الجماهيرية الواسعة التي شهدتها منطقة شمزينان بوجه خاص ومناطق أخرى من الشمال الکورستاني مع الإشارة الى الفشل الترکي الذريع في لجم الحرکة التحررية الکوردية في عموم المناطق الکوردية و الاشرطة الحدودية المتاخمة لها سيما وأن تداعيات الشمال الکوردستاني قد ألقت بظلالها الثقيلة على الشرق و الغرب الکوردستانيين وباتت الحکومتين الايرانية والسورية و أجهزتهما الامنية المختلفة تواجه ملفا ساخنا بات يزداد تعقيدا مع مرور الايام مما يعني إن کل تلک الاتفاقيات الامنية التي أبرمتها أنقرة مع إيران و سوريا ليس لم تجد نفعا وإنما أتت أکلها بشکل عکسي تماما ، کل ذلک وأمور أخرى أدى الى حالة من الشعور بالاحباط بدأ يطغي رويدا رويدا ليس على الشارع السياسي فحسب وإنما حتى على الشارع الشعبي خصوصا وأن الوضع الاقتصادي يزداد سوءا يوما بعد آخر.
ولما کان لسان حال ساسة أنقرة و جنرالاتها يقول"العين بصيرة و اليد قصيرة"، فإن السينما الترکية لم تستسلم بهکذا سهولة وصممت أن تثبت موقفا و وضعا آخرا يتباين تماما مع الخط الواقعي، ومن هذا المنطلق کان الانتاج السينمائي الترکي"العراق..وادي الذئاب".
فکرة الفيلم التي لا أدري لماذا ذکرتني بعملية مطار"عينتيبة"التي إستطاعت خلالها القوات الاسرائيلية الخاصة أن تنفذ واحدة من أنجح عملياتها العسکرية السريعة خارج حدود إسرائيل، مع فارق مهم جدا، وهو أن عملية مطار عينتيبة التي صارت فيما بعد فيلما سينمائيا، کانت أحداثه واقعيـة تماما، في حين أن الفيلم الترکي السارد الذکر، لاتوجد الواقعية سوى في بدايته فقط أما البقية فإن کلها من نسج الخيال ولاعلاقة له البتة بالحقيقة والواقع!
الفيلم الترکي الذي يفتتح أحداثه بقضية إحتجاز القوات الامريکية لمجموعة من القوات الخاصة الترکية معصبي الاعين و مقيدي الايدي"حالهم حال الارهابيين القتلة"عام2003 في مدينة السليمانية(وهو أمر أثار في وقته موجة من الغضب و الاستياء داخل ترکيا)، وبعد هذه الوقائع الحقيقية التي لم تشهد أي رد فعل رسمي واقعي للحکومة الترکية، يبدأ دور الخيال حيث يبرز دور رجل المخابرات الترکي"بولات الميدار"الذي يذهب الى داخل العراق في مهمة للإنتقام من القوات الامريکية التي أهانت الجيش الترکي!!
وبعد سلسلة أحداث غير مترابطة منطقيا، يکتشف العميل الترکي الوحدة الامريکية التي "مست"کرامة الجيش الترکي، وبعد ذلک وبقدرة قادر ينظم الضابط الترکي لمجموعة من(المقاومة العراقيـة)، حيث يتمکن على أثرها من إنهاء الاحتلال الامريکي للمنطقة بأکملها وتحرير العراقيين فيها وقتل الضابط الامريکي قائد الوحدة و"دقوا على الخشب"!
هذا الفيلم الذي ينظر له حاليا على إنه أضخم إنتاج سينمائي شهدته السينما الترکية، شهد إقبالا ترکيا جماهيريا منقطع النظير(حتى هنا في المانيا تقاطرت عليه الجالية الترکية بشکل إستثنائي وملفت للنظر مما دفع بقوى الامن الالماني لمراقبة الوضع عن کثب)،يعکس في واقع الامر إخفاقا و فشلا ذريعا لترکيا على الصعيدين الرسمي و الشعبي، والاقبال الذي شهده الفيلم يبين بوضوح رغبة ترکية عميقة للبحث عن بديل أو متنفس للإنتقام أو الإنتصار لجملة أهداف سياسية ـ إقتصاديـة لم يتحقق شئ يذکر منها على أرض الواقع.
رامبو الترکي الذي جاء بشکل قد لا يکون بإتقان النموذج الامريکي، وفر "نصرا خياليا"للوطن الاتاتورکي الذي ينتقل من إخفاق الى إخفاق، لکن هذا النصر الخيالي لا ولن يغير من حقيقة الذي يجري في الواقع حاليا وإذا کان رامبو الامريکي ينتمي الى بلد هو الاقوى عالميا و يمتلک أکثر خيوط اللعبات الدولية المختلفة، فإن رامبو الترکي ينتمي الى بلد مثقل بالعديد من المشاکل و الازمات وهو لا يعني شيئا من دون الظهيرين(الامريکي و الاسرائيلي)، مثلما إنه محتاج الى الدعم الاوربي أکثر من أي بلد آخر، ومن هنا فإن بناء الشخصية الرامبوية لترکيا جاء من الاساس غير موفقا وبعيد عن کل أشکال المنطق.
لکن لو وضعنا کل الامور جانبا، فإن تسمية الفيلم"العراق..وادي الذئاب"، قد لا يکون من الانصاف حصر"الذئبية"في أمريکا لوحدها، ذلک أن الذئاب المتلثمة القادمة من دول محددة في المنطقة هي أخطر من تلک القوات التي تحمي الان العراق من تحويله الى أفغانستان على طريقة طالبان أو الى نسخة من دولة ولاية الفقيه، کما أن تلک المجموعة من"الذئاب"الترکية التي أعتقلتها القوات الامريکية في مدينة السليمانية الکوردية100% ماذا کانت تفعل هناک؟ ثم إن ذلک الضابط الذي أشار إليه الفيلم، يتواجد العديدون من أمثاله"لکن ليس بسوبرمانيته الخيالية"في العراق، فماذا يفعلون هناک؟
لکن السؤال الاهم الذي کان يجب على الرأي العام الترکي الإنتباه له جيدا، هو لماذا لم يثر الفيلم أي رد فعل سلبي من جانب الولايات المتحدة الامريکية على الرغم من کل تلک الموجة العاتية التي حملتها من الحض و التحريض على کراهية و معادات أمريکا؟
الاجابة بسيطة، بل وبسيطة جدا، ذلک إن الغرب يرتاح دوما الى کل تلک الإنتصارات التي تسطر ضدها في عالم الخيال ولاتمتلک رصيدا في الواقع الموضوعي، وطالما أن رامبو الترکي مجرد فقاعة خيالية ليس بإستطاعتها أبدا أن تکون"في ظل المعطيات الآنية"حقيقة، فلا ضير من هکذا نصر ترکي وکل فيلم رامبو وأنتم بخير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة