الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسوار وغيتوات ودعوة الى العزلة

اسماعيل شاكر الرفاعي

2018 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أسوار وغيتوات ودعوة الى العزلة

1 -
في قلب العولمة التي أضعفت حدود الدول محمولة على موجة جديدة من ثورة الاتصالات والمواصلات ، وفِي عصر هجرة الشركات وروءوس الأموال واندفاع إعداد ضخمة من البشر الى الهجرة من دول الجنوب الموبوءة بالفقر والفساد وبالاستبداد الى دول الشمال ، تجتاح بعض الدول رغبة في العودة الى الوراء ، الى عالم بناء الأسوار : هذه المرة حول حدود الدول ، وليس حول المدن كما كان الحال ساءداً في القرون الوسطى ، وما قبلها حتى اقدم مدن دول الحضارات الزراعية كالسومرية والفرعونية والهندية ...
2 -
ترافق خروج أوربا من عنق زجاجة القرون الوسطى بهجوم شعوبها على هذه الأسوار التي كانت تحيط بالمدن وهدمتها في حركة قومية صاعدة انتهت ببناء ما صار يعرف في الادبيات السيااجتماعية : ب الدولة - الامة ...
3 -
بنت الأقوام القديمة اسوارها بهدف توفير الحماية من الغزو الخارجي المفاجيء ، وبنتها بدافع النفور الشديد من بربرية الخارج وزيادة العزلة عنه . والدافع الى العزلة مشحون بنظرة استعلائية الى الذات شديدة المركزية ، ( وليست المركزية الاوربية جديدة على مسامع التاريخ ، فهو شعور رافق كل الأقوام التي حققت فاءضاً في الانتاج وحققت نتيجة لذلك إدارة متفرغة لشوءون المعبد والجيش والكتابة ) ناتج عن إيمان اعمى بأن ذاتها هي الاكثر تفوقاً على ما سواها : عنصرياً ودينياً وحضارياً ، وان الأسوار بقدر ما تصد غزو الخارج تحافظ على صفاء الذات وأصالتها من التلوث نتيجة الاختلاط به : هو الأدنى منزلة في سلم التطور البشري والأكثر شراسة وهمجية وتخلفاً ...
4 -
تعددت أشكال العودة الى الحفاظ على نقاء الذات وأصالتها في الازمنة الحديثة ، فاخذت شكل الانفصال بدولة عن طوفان ديني هندوسي يهدد الهوية الدينية الاسلامية ، على هذا المحور دارت الدعاية في ضرورة انفصال الباكستان الاسلامية عن الهند الهندوسية وحققت ذلك عام 1947 .
تزامن انفصال باكستان الاسلامية عن الهند الهندوسية ، مع سعي الصهيونية الى تحويل الديانة اليهودية الى عرق قومي كمقدمة تمهد بها الطريق الى تكوين دولة قومية ليهود العالم ، وقد ساعد الصهيونية على تحقيق هذا ( الوعد التوراتي ) خطاب عربي يدعو هو الاخر الى عزل الذات ( القومية او الدينية ) عن الاختلاط بالديانة اليهودية للحفاظ على الذات القومية والدينية نقية من تهديد وتلويث الديانة اليهودية لها اذا ما تم الاختلاط بدولة واحدة ...
5 -
أخذ شكل الاعتداد بالذات لدى بعض الدول شكل : بناء سدود وخزانات ماءية تعبيراً عن كرهها لشعوب الخارج ودعوتها الى الطاعة والاذعان لشروطها ، كما في تركيا اردوغان وكما في اثيوبيا سد النهضة ...
6 -
ماذا عن مصير الأسوار التي لم يكتمل بناءها في امريكا وفِي العراق ؟
رافقت الدعوة الى بناء سُوَر في امريكا لغة مشحونة بهجاء الاخر وهجاء الاعراف الدولية : من نقض المعاهدات ( النووي الإيراني ، معاهدة باريس للمناخ والتلويح بالخروج من منظمة التجارة العالمية ) الى الحماءية الاقتصادية كما لو كان الرءيس ترامب رسول القرن 19 لاحياء فلسفة الحماية الاقتصادية التي سادت العلاقات الدولية يومذاك ، وقد ترافق كل ذلك بصيحة ترامب : امريكا اولاً ...
7 -
وافقت على بناء سور العراق على الحدود السورية : لجان ذات تفكير دواويني مبرمج على حل المشاكل والتحديات بيروقراطياً ، وجاء توقيت بناءه في الوقت الذي بدا فيه الشباب الفلسطيني يتجاوز سُوَر اسراءيل بما اخترعوه من طائرات ذات تكنولوجيا خاصة بعبور الأسوار ، فالأسوار الحديثة ( الأسوار حول حدود الدول وليس حول المدن ) لم تحم اسراءيل من جولات طائرات الشباب الفلسطيني ، كذلك لن يحم امريكا سور الرءيس ترمب من هجوم قوة العمل الامريكية اللاتينية لحاجة الاقتصاد الامريكي اليها ، وهي حاجة داخلية وليست خارجية ، اذ بدون قوة العمل الامريكية اللاتينية يتوقف إنجاز خدمات كثيرة ، كذلك فان السوءال العريض الذي يرفع بوجه قادة بناء السور العراقي : وماذا عن الاٍرهاب الداخلي الذي يصنعه يومياً وكل ساعة : منهج في الحكم يقوم على إدارة الأزمات وليس على مجابهتها وإيجاد الحلول لها ، هذا المنهج في إدارة الشأن العام يخرج سنوياً الاف الإرهابيين المزودين بوعي انهم الأفضل دينياً وعرقياً ؟ ...
8 -
الاٍرهاب وعي وموقف داخلي على المستوى الفردي والجماعي ، يلعب فيه الخارج دور العامل المساعد ليس الا ، يأخذ شكله الخطير حين تكون السلطة السياسية وبالتالي اجهزة الدولة طرفاً مشاركاً فيه ، ويمكن اكتشاف ذلك بسهولة من خلال خطاب السلطة السياسي الذي تعممه اجهزة اعلامها ومراكز الأبحاث التي تدعمها ، وقبل كل شيء : من خلال تحالفاتها الاجتماعية . تركز هذه السلطات في خطابها : على تمجيد الذات الطاءفية والقومية ، وليس على تمجيد الانتاج والانتاجية التي ترتبط بهما هوية العصر الذي نعيش ، وهذا التركيز المركزي على الذات وليس على ما تنتجه الذات وتبتكره وتبعده : هو وعي عتيق جداً راود شعراء القباءل اليهودية قبل الاف السنين ، فكتبوا قصائد صناعة ديانة " يهوة " بوحي منه : مفتتحين علاقة خاصة بالرب السماوي ورثتها عنهم الكثير من الديانات والأقوام اللاحقة ، وهي العلاقة التي تقوم على اصطفاء واختيار الرب السماوي لهم : فهم وحدهم الذين يتحدث اليهم ويفاكههم ويحارب معهم ويمنحهم الوعود من دون الناس اجمعين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات