الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومة ..والدفاع عن الوطن ...!! 12

هادي فريد التكريتي

2006 / 3 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ أن أسقطت ثور ة 14 تموز النظام الملكي العميل لبريطانيا ، في العام 1958 ، والعراق عرضت للتدخلات الدولية في شؤونه الخاصة ، سواء أكان هذا التدخل من دول الجوار ، كما حصل في العام 1959 ، عندما ساهمت الجمهورية العربية المتحدة ، عن طريق سوريا ، في إمداد المتآمرين البعثيين والقوميين العرب ، من المساهمين في مؤامرة الشواف ، بالسلاح والعتاد لإسقاط ثورة 14 تموز ، أوعندما تدخلت حكومة شاه إيران ، في مد حركة رشيد لولان الكوردية المناوئة للثورة بالمال والسلاح ، كما انخرطت وتعاونت عناصر عراقية ، قومية عربية وكوردية ، ودينية ـ شيعية وسنية ، مناوئة للحركة الوطنية العراقية ، مع أجهزة مخابراتية للدول الأمبريالية الكبرى ، لإسقاط الحكم الوطني بعد ثورة 14 تموز ، سواء بإصدار فتاوى التكفير ضد القوى الوطنية ، أو بمساهمتها الفعلية في تنفيذ الثورة المضادة كما حدث في العام 1963 ، وظل العراق منذ ذلك التاريخ عرضة للتدخل في شؤونه الداخلية من قبل الدول الأجنبية ، وعلى كل المستويات حتى سقوطه بيد القوات الأمريكية في العام 2003 ، حيث تعاونت ، ولا زالت تتعاون ، الكثير من القوى السياسية العراقية ، الوطنية والعميلة ، على حد سواء ، عربية وكوردية وتركمانية وآشورية ، ليبرالية ودينية ، من الشيعة والسنة ، مع تلك القوات ، وخاضعة لهيمنتها وتوجهاتها ، على الرغم من معرفة واطلاع كل هذه القوى على الأهداف والنشاطات التي تهدف لها وتمارسها القوات الأمريكية والبريطانية ، من أنشطة عسكرية وسياسية واقتصادية على الساحة العراقية ، وأصبح العراق بلدا مفتوحا ومنتهك السيادة ، من قبل مخابرات كل دول العالم ، تمارس أجهزتها نشاطاتها بحرية ، وتعمل ما يحلو لها وما تهدف . هذا واقع معروف ومعترف به من قبل أركان الحكم والمليشيات ، لأن أمريكا هي من أسقطت النظام البعث ـ فاشي ، وهي من " حررت " الشعب العراقي من حكم يهون ويتضاءل أمامه الاحتلال وجرائمه .
كل القوى السياسية العراقية ، وعلى مختلف توجهاتها الفكرية والسياسية والدينية ، القومية والطائفية ، كل هذه القوى وبنسب مختلفة ، ساهمت في خلق ودعم وتكوين نظام البعث ، وترسيخ حكمه ، على مختلف المراحل التي مر بها العراق بعد سقوط ثورة 14 تموز ، وكان هذا النظام البعثي ، منذ ذلك الحين ، وهو يحظى بدعم ورعاية القوى الأجنبية ، وخاصة الإنكليزية والأمريكية ، التي ساهمت في تكوينه ، ودعمه بكل ما يوطد حكمه ، طيلة أكثر من أربعين عاما ، فالنظام ورموزه ، وبتوجيه من وكالات المخابرات الصديقة له ، كان ينفذ سياساتها المرسومة له ، في الداخل والخارج ، كما كانت هذه الدول ، وخاصة أمريكا ، تساعده على أحكام قبضته على الشعب العراقي ، بسكوتها عن جرائمه أو تكذيب عما يفتضح بالنشر في صحافتها،وإطلاق يده في قمع كل مظهر من مظاهر " فتات " الديموقراطية ، فأمريكا هي من تعاونت مع البعث وصدام بالذات ، على تصفية الحركة الثورية الكوردية في العام 1975 ، وبالتنازل عن نصف شط العرب ، تحقيقا لأهدافها ومصالحها الحيوية ، آنذاك ، المرتبطة بنظام الشاه . وبذات النهج أعلن الحكم عمليا عن تصفية آخر مظهر من مظاهر ديموقراطيته الزائفة ، عندما أقدم على تنفيذ جريمته الفاشية المتمثلة بإعدام 34 شيوعيا دفعة واحدة ، بدعاوى ملفقة ، ممارسة نشاط شيوعي في القوات المسلحة ، الهدف من ورائه فرط عقد الجبهة والتحالف غير متكافئ ، بين الحزب الشيوعي والبعث ، ولينفرد النظام وقيادته بكل ما من شانه رسم سياسة العراق الداخلية والخارجية ، وفق ما يحقق لأمريكا من مصالح وأهداف حيوية في المنطقة .
أغلب قيادات القوى السياسية ، من القومية والديموقراطية والدينية، الكردية والعربية ، هجرت مواقعها في بغداد وبقية المدن الأخرى ، توجه البعض منها إلى منطقة كردستان بشكل عشوائي ، بعد أن أقدم النظام على تصفية تنظيماتها في الداخل ، وخصوصا عناصر الحزب الشيوعي العراقي ، رغم عدم التهيؤ أو التخطيط المسبق لهذا الوضع من قبل قيادته ، التي لم تكن قد هيأت نفسها لمثل هذا الموقف ، نتيجة للصراع الدائر ضمن المكتب السياسي ، حول وطنية السلطة ، وعدم بلورة رأي موحد ، أو الاتفاق على موقف وسط ، بصدد فك شراكة الجبهة مع البعث ، فجريمة الإعدام التي طالت 34 رفيقا عمقت الصراع ، وبرزت على السطح آراء في المكتب السياسي واللجنة المركزية ، ذات توجهات قومية عربية ، وأخرى كردية ، ترى ضرورة تمتين عرى الجبهة مع البعث ، أو على الأقل عدم تصعيد الخلاف ، رغم كل ما اقترفته أياد حزب البعث وقيادته ، من جرائم قتل وتصفيات جسدية لرفاق الحزب وأنصاره ، في الشوارع قبل المواقف والسجون ، وانتهاكات أخلاقية وفق منظور قومي وتقدمي ل " أمة عربية واحدة " مورست البشاعات بحق الرفاق والرفيقات في معتقلات " من المحيط إلى الخليج ". دار الصراع داخل الحزب في أعلى سلطة ، دون حسم لأي قرار ، انعكس سلبا على منظمات الحزب القاعدية ، أربكها وعطلها عن اتخاذ أي قرار واضح ، بصدد ما تعانيه من ملاحقة وإرهاب السلطة ، وعَقد الأمر نزوح أغلب القيادة إلى خارج القطر دون قرار سابق ، وترك الباب مفتوحا أمام رفاق الحزب للهرب ، زاد من تراكم عدد الرفاق المتواجدين في الخارج ، ولم يبق أمام القيادة المنقسمة على نفسها ، سوى قرار التوجه إلى كردستان ، وتشكيل قوات " الأنصار " دون أن توفر هذه القيادة الحد الأدنى من المستلزمات المادية لهذه الخطوة ، وما عقد الوضع وزاده سوء ، أنيطت مسؤولية الأنصار والكفاح المسلح بعنصر من المكتب السياسي لا يؤمن بهذا التوجه ، وهذا بعض ما عرقل استيعاب العدد الضخم من المتواجدين خارج العراق ، خصوصا في سوريا ولبنان ، وتركهم دون هدف أو مخطط عملي للإفادة من قدراتهم وكفاءاتهم إلى حين إعادة تجميعهم في كردستان العراق .
التوجه إلى كوردستان أفرز حالة تميز واستعلاء قومي كوردي ، لدى عناصر المنظمة الكوردية ، عزز من هذا الشعور وعمقه ، تواجدهم في المنطقة قبل قرار تشكيل قوات فصائل الأنصار ، وبحكم طبيعة المنظمة وعملها ، كانت السيطرة للعناصر الكوردية ، التي تصدرت الدور القيادي بعقلية عنصرية ، للعمل " الأنصاري " من دون كفاءة أو تأهيل ، هذا الواقع كانت تدعمه عناصر قيادية كردية في قيادة الحزب ، ذات نفس قومي ، أمر كهذا حال دون تحمل الرفاق العرب لمسؤولياتهم وفق استحقاقاتهم الحزبية وحتى العسكرية ، بحجج مختلفة منها جغرافية المنطقة ، وعدم معرفة العرب لعادات وتقاليد ولغة أهلها ، على الرغم من أن هذه الحجج لم تصمد أثناء الممارسة ، فالأدلاء كانت أكثريتهم من العرب ، كما أتقن العرب اللغة الكوردية ، والكفاءة القتالية كانت قاسما مشتركا بين الجميع ، لم تكن في عنصر دون آخر .التمييز كان قائما والحزبي الجيد ، ـ من العرب طبعا ـ " كما قال أحدهم "هو من يعمل بأي مكان يسند إليه دون استحقاقه وتدرجه الحزبي ، كلمات حق لتحقيق باطل .هذا النهج هيأ أسسا مستقبلية لانفصال الشيوعيين الكورد ، بتأسيس حزبهم الشيوعي القومي ال " كوردستاني "، خلافا للنهج الشيوعي ـ الأممي ، ليضع نفسه لاحقا ، تحت تأثير الحزبين الكورديين القوميين ، كل في منطقته ، ليمارس هذا الحزب ، دور تجربة الحزب الأم في سياسة الخضوع للنهج القومي ، وفق مفهوم الجبهة الكوردستانية ، وهذا ما نراه على الواقع ، فلا صوت لهذا الحزب خارج هيمنة الأحزاب القومية، ولا صوت يعلو على صوت المعركة القومية .!!
الحرب العراقية الإيرانية جاءت لاستكمال وتعميق الأوضاع الفكرية و الماديةالصعبة التي يعيشها الحزب الشيوعي العراقي ، ولتزيد من الإرباكات في مواقفه الضبابية عن الوطن والمقاومة ، كيف ومتى وأين ، وما زاد الطين بلة في تشعب المواقف والتنظير لها ، تواجد أعداد غفيرة من الأعضاء والكوادر القيادية والمثقفة ، في منطقة كوردستان ، عاطلة عن العمل وتلتقي دائما ، دون مهام حقيقية غير الثرثرة ، هذا الواقع ساعد على الشللية وتسقط أخبار القيادة ، الغير منسجمة مع بعضها ، والتشويش على ما يدور بينها من نقاش والتعليق عليها ، فشعار " الدفاع عن الوطن " ، الذي بعثت فيه الحياة عناصر من أتباع الفكر الجبهوي اليميني ، جاء تتويجا للخلافات المستعصية في القيادة ، كما هو امتداد لموقف خلافي عن الفاشية والدكتاتورية .يتم طرح هذا الشعار " الدفاع عن الوطن " في وقت لا وطن لمن يطرحه ، سوى عراء يلفه الخوف والرعب ، وطن لنظام فاشي ، تحوي زنازين سجونه ومواقفه آلاف المواطنين الأحرار ، دون أن يطلق سراح أي منهم ، رغم حاجة النظام لوقود بشري لحربه ، كما لم يقدم النظام على أية خطوة تدلل على تغيير نهجه المعادي للشعب ، أو توقف أجهزته عن ملاحقة وقتل وإعدام المئات من المناضلين والمناضلات ، وحتى الناس العاديين ، فالوطن بمجمله مستباحا ، والمواطن لم يعترف النظام له بمواطنته ، إنما هو من رعايا النظام ، عليه واجبات يؤديها دون حقوق .
" الدفاع عن الوطن " ُرفع هذا الشعار تحت ضغط التشرد والتشرذم ، وحياة مادية صعبة وغير انسانية يعيشها رفاق واعضاء الحزب ، ومن دون تدقيق في الواقع الذي يعيشه الوطن والمواطن ،وبمعزل عن دراسة ظروف السلطة ، جوهرها وماهيتها وواقعها ، ودون البحث في مستلزمات بعث الحياة في هذا الشعار ، كل هذا ، كان دليلا ومؤشرا على أزمة فكر عند حاملي هذا الشعار ، وهوة تفصل بين تنظيرهم وواقعهم المعاش ، لا يمكن جسرها ، أو تلافي نتائجها المستقبلية على حياة الحزب ، وتطوره اللاحق . فبدون استحضار الأسباب والدوافع لهذه الحرب ومن هو وراءها من الدول الأجنبية ، والغاية التي تستهدفها ، والتعتيم على نتائجها ، يكون الأمر ملتبسا ، وهدف أصحاب هذا الشعار هو تضليل المواطن وحرمانه من معرفة مواصفات " الوطن " الحر الذي سيدافع عنه ، وحقوق المواطن الذي سيرخص دمه لهذا الوطن ، وماهية حاكم هذا الوطن وتوجهاته ، الذي قتضت الضرورة أن يغير الشيوعيون والوطنيون اتجاه بنادقهم عنه ، إلى " الدفاع عن الوطن ".
ولم يخبرنا أنصار هذا الرأي ِلَم َلم يدافع الشيوعيون البلغار عن وطنهم ، إبان الحكم الفاشي ، وإنما عملوا على إسقاطه أولا . الدفاع عن نظام فاشي ، تمارس مؤسساته الأمنية كل الجرائم المنكرة بحق المواطن والوطن ، بما فيها أحواض الأسيد ، هذا بحد ذاته جريمة ترتكب بحق الشعب العراقي ، والحرب المعلنة على إيران ، ضحيتها الشعب العراقي ودمار وطنه ، وهي حرب نيابة عن أمريكا وحلفاءها ، كما صرح رئيس النظام ، فلا مصلحة للشعب العراقي فيها بالمرة ، فكيف سيدافع حزب شيوعي عن مثل هكذا وطن ، قبل أن يجد رفاة رفاقه من الشهداء .
لا يمكن فهم موقف مؤيدي " المقاومة " والمدافعين عنها حاليا ، دون فهم أسباب ومغزى ، طرحهم شعار " الدفاع عن الوطن " وتبنيهم له ، أيام الكفاح المسلح في كردستان العراقية ، فهؤلاء هم أنفسهم من يجاهر اليوم بدعم " المقاومة " بعد سقوط النظام الفاشي ، من منطلق مقاومة المحتل فقط ، ومن دون تبيان الأسباب الأخرى الكامنة وراء هذا الموقف .
بدأ يمكن القول ، أن المقاومة الوطنية هي حق مشروع ، لكل الشعوب ، ولكل القوى السياسية الوطنية أن تلجأ إليها ، عندما تتعرض أوطانهم للإحتلال ، كما هو بلدنا في الظرف الراهن ، ولكن ما هي ظروف وقدرات الوطن حاليا ، التي خلفها النظام الساقط وراءه ؟ وما هي مواصفات هذه المقاومة ؟ ومن يقودها ؟ وما هي أهداف هذه المقاومة ؟ عندما خاض الشيوعيون الأنصار ، تجربة الكفاح المسلح ، كان النصير الشيوعي ، يحمل مع بندقيته جعبة عتاده ، وفيها يتواجد برنامج وأهداف الحزب ، كما كان الكتاب ملازما له ، والنصير المقاوم ، يعي الهدف والغاية من مقاومته ، وحتى الوسيلة التي يتوسلها للوصول إلى هدفه ، ولا يخفي انتماءه للحزب الشيوعي العراقي ، أو للجهة التي ينتمي لها ، وعندما يتواجد بين الجماهير ، يكون سافر الوجه وغير " ملثم " ، ومفارز الأنصار تتمتع بصداقة حقيقة وعميقة مع جماهير الناس ، كما تقدم كل خدمة أو مساعدة يحتاجها المواطن الكوردستاني ، وبالأخص الخدمة الطبية ، بغض النظر عن العمر أو الجنس ، وهناك الكثير من الحالات التي أنقذ بها أطباء المفارز ، نساء حوامل من الموت ، كما عالجوا جرحى النظام عندما يسقطون بأيديهم ، ومع حلقات تعليم استخدام السلاح ، أسس الأنصار الشيوعيون مدارس للأطفال في محيط نشاطهم ، وبذلك توطدت عرى وثيقة بين المقاوم النصير والمواطن ، ولم يفكر النصير أو مفرزته المسلحة ، حتى في حالة الدفاع عن النفس ، من إطلاق طلقة ضد خصمه ، عندما يعتقد أنها ستصيب إنسانا مسالما أو طفلا ، ـ رومانتيكية أليس كذلك ؟ ـ وعلى الرغم من قدرة الأنصار على تفجير مؤسسات الدولة ، والقتل العشوائي ، لزعزعة الأمن ، وإشاعة الرعب بين المواطنين ، إلا أنهم لم يقدموا على عمل مثل هذا ، طيلة فترة نشاطهم الأنصاري المسلح ..! هذه هي بعض صفات النصير أو المقاوم الوطني ، فما هي مواصفات " المقاومة " الحالية ، ومن هم شخوصها وقيادتها ، ومن هي الجهة الممولة لنشاطها في اللحظة الراهنة ؟ وهل تمتلك " المقاومة " الحالية من المقومات والمواصفات الوطنية والأخلاقية ، ما تملكته مقاومات أخرى من مبادئ عبر تاريخنا الحديث ؟ وهل من غطاء وطني لهذه " المقاومة " يمكن أن يهمس به المؤيدون والداعمون ؟
(نهاية القسم الأول )
23 آذار 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو