الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مقالة - العبودية الطوعية -

خديجة الدباغ

2018 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كانت الحرية وستبقى مطلبا وغاية يسعى لها كل آدمي بكل ما أوتي من قدرة ، وبالمقابل كان الاستبداد وسيبقى داء معطلا لحركة التقدم في المجتمعات . ومن بين أشهر المقالات التاريخية التي هزت الربع الأخير من القرن السادس عشر مقالة " العبودية الطوعية " لكاتبها ايتيان دو لابويسي. الذي يرى أن لا وجود للعبودية إلا لأنها طوعية. وهكذا كان السؤال الذي حاول الإجابة عنه هو : كيف يسع الناس التنعم باستكانة في قيود العبودية بينما تدفعهم الطبيعة نحو حب الحرية ؟
يطرح لابويسي فكرة الشذوذ السياسي الذي هو عبودية الشعوب تحت حكم مستبد ولهذا الشذوذ سببان عميقان : تشويه المحكومين وتشويه الحاكمين .
يقول لابويسي: " إن الشعب الذي يستسلم للاستعباد يعمد إلى قطع رأسه " وإن الطموح للحرية يتناغم مع العقل ويكفي أن يتمنى الناس الحرية حقيقة حتى ينالوها . لم تستعبد الشعوب إلا لأنها استسلمت للفساد وقبلت بالإستغباء وأن من طبيعة الإنسان أن يكون حرا وأن يكون عازما على البقاء كذلك .يقول لابويسي " لم نولد وحريتها ملك لنا فحسب ، بل نحن مكلفون أيضا بالدفاع عنها " ، لكن الانسان يتطبع بغير ذلك بما تقدمه له التربية ليسقط في فترة خموله بغتة في نسيان للحرية عميق حتى ليعود مستحيلا عليه ان يستيقظ لينالها .
كما ندد لابويسي في مقالته بتشويه السلطة السياسية الذي يحدتها طغيان فرد واحد حيث يعمد إلى تجريد البشر من إنسانيتهم ويقوم باستبعاد أفراد الرعية بعضهم بالبعض الآخر، فيجعل منه مفترسا حقيقيا للشعب وهكذا نضع يدنا على المبدأ السري للأجواء الاعتقالية في كل الأزمان . ويعتمد الطاغية إلى جعل نفسه إلاها يستخدم في سبيل تخدير رعاياه وتنويمهم وتركيعهم كما يعمل على إعاقة العمل والقول والفكر بمجموعة من الأدوات منها الخوف بجرعة رعب عالية وتصفية البلد وتفريغها من كل رجل ذي قيمة كما ذكرت ملكة سبأ " وجعلوا أعزة الناس ، أهلها أذلة وكذلك يفعلون " سورة النمل وتسليط سفلة الناس والأوغاد على رقبة الأمة كما وصف الكواكبي " أن يكون أسفلهم طباعا ، أعلاهم وظيفة وقربا " . و تغدو الخرافات والحكايات والأساطير ضمن الآليات لإنتاج مجتمع مريض تنطفئ فيه الحضارة يكون الشعب فيه كأنه قطيع من العبيد امتلك امتلاكا طبيعيا ، فيصل ب " الشعب الأحمق حد نسج الأكاذيب بنفسه ليقوم من بعد بتصديقها ".
لقد عرف التاريخ ، عددا من الطغاة فلطالما سمعنا جملة " نيرون مات ولم تمت روما " نيرون هو آخر ملوك الإمبراطورية الرومانية ، اتخذ من الظلم والقهر والاستبداد منهاجا لسياسته ، وصل به الأمر لقتل أمه ومعلمه وزوجته وأخيه ، كما ارتبط اسمه بجريمة حرق روما ومنظر النيران تتصاعد والاجساد تحترق في وسط صراخ الضحايا ، كان نيرون جالسا في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق وبيده آلة طرب يغني أشعار هوميروس . حرض الشعب على الشعب وألصق تهمة حرق روما بالمسيحيين ليتم قتلهم وتعذيبهم ورميهم للحيوانات أحياء لافتراسهم . ان استمرار سياسة نيرون الفاشلة أدى إلى سخط الشعب وجيش رغبته في التخلص منه مما جعل نيرون ينتحر خوفا مخلفا وراءه فوضى عارمة وما أكثر هذه الأمثلة حينما يصبح الطغيان متطرفا يغدو من حق الناس التفكير في الخلاص .
يمهد لابويسي في مقالته للنظريات التعاقدية للسلطة بكثير من البراعة ، تتمثل في أن حرية الشعب تأتي من خلال البحث داخل العقد الضمني الذي يربطه بالحاكم . فالشعب يصنع بنفسه عبوديته أو يصنع حريته لانه يصنع الطاغية أو يزيله . يقول لا بويسي " ليس ما يدعو لمحاربة الطاغية ، ليس ما يدعو لخلعه " ويصرح ويقول " لا أريد أن تقلبوه أو أن تزعزعوه " فما من عدل إلا في السلام ، وما من سلام إلا في الشرعية ، وإزالته تأتي برفض خدمته وانتزاع المرتكزات الشعبية التي شيد فوقها سلطته ، ليتخلى عنه الجميع ، تلك العزلة خالية من الفعالية حينئذ يفقد تمثاله الأسطوري قاعدته فيهوى العملاق .
يحول الاستبداد المجتمع إلى جثة هامدة يستطيع النيل منها كل من أراد من الأعداء المتربصين وفي ظله يصاب أصحاب القدرات بالسلبية والتشاؤم والقلق وربما هذا ما كرس له مالك بن نبي في تحليله لمشكلة الحضارة والثقافة وأطلق عليه " القابلية للاستعمار " وللقضاء عليه ، يجب استنهاض الهمم وتكثيف الجهود من أجل تنوير الناس بالوعي الدقيق لمشكلات المجتمع وتلمس الحلول لها والاستبداد لا يركب على رقبة شعب واع ، وتشكيل الوعي لن يتم إلا بتكوين العقل النقدي والعقل يحتاج إلى غذائه الخاص الصحي ، فالعلوم المساعدة على النهضة والتحرر هي التي تنير العقول فالمستبد لا يخاف من العلوم كلها بل من التي توسع العقول وتعرف الانسان ماهو الإنسان وهكذا هي حرب دائمة بين الاستبداد والعلم ." يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره " .
إن مقالة لابويسي ، كانت دعوة صريحة لاستعمال الفكر ونبذ العنف في مواجهة الظلم والطغيان وما يمنح الإنسان الاعتدال ، والمجتمع العدل ، الا المعارضة ولهذا كانت المعارضة شرطا للاتزان. وهذا المرض ، أي تحول البشر إلى نصفين: آلهة وعبيد هو اختلال في رافعة القوة في المجتمع ويمكن أن يتسرب هذا المرض بجراثيمه الفكرية إلى كل طبقات المجتمع ومستوياته. وهذا الجيش الجرار من العبيد الذين لا يكبلون بأغلال من الحديد ولكنهم يفقدون المبادرة والمقاومة والارادة . فكل هذا الاستبداد السياسي خلفه الاستبداد العقلي . فلا حرية سياسية بدون حرية عقلية . ولا وطن يبقى وطنا مع الطغيان . لقد مات هتلر منتحرا ونابليون مات منفيا والآن تتحد أوروبا، ليس على أساس الاكراه والعنف والتسلط وإنما الإقناع ليربح الجميع ولا يخسر أحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح