الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب العالمين ضد حوران

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية





تُنهي الحرب الشاملة التي تُشنّ منذ قرابة اسبوعين، على الجنوب السوري، أية فرص تتصل بالذهاب الى تسوية سياسية للقضية السورية، وأن إمكان إحداث اختراق في الراهن الدموي يبدو ضعيفاً للغاية، نتيجة غياب أية مؤاثرات خارجية – غربية، على تطورات الوضع السوري، ما يعني ذلك استمرار التزام الحلّ الأمني والعسكري الذي انتهجه النظام الأسدي، في مواجهة الانتفاضة الشعبية السورية، قبل نحو من ثمانية اعوام، ومايزال هو الاستراتيجية التي يجري تنفيذها، بالشراكة مع موسكو وطهران. وهو ما يقوّض كل الجهود الدولية في هذا السياق، إن تبّقى لها أي أثر اليوم.
لم تُفض مسارات أستانا واتفاقات خفض التصعيد، سوى الى تقويض احتمالات وقف القتل اليومي، والمضي أكثر نحو تسوية عسكرية، بمزيد من الاستهداف المنظم للمدنيين، وتدمير عشوائي للبلدات والقرى، كان من نتائجها المباشرة، تهجير ما ينوف على 300 ألف مدني فار من القصف الهمجي، والعمل على إرغام الفصائل العسكرية على الاستسلام بدلاً من أية تسوية عادلة، يمكن أن تقود اليها المفاوضات مع الروس. سقوط اتفاقات خفض التصعيد في المناطق السورية المختلفة، كان في الحقيقة أمراً واقعاً، لم تلتزم روسيا وإيران به، وبالطبع قوات النظام الأسدي، وبالتالي لم يكن قائما على أرضية صلبة قابلة للاستمرار، خاصة وأن الأطراف الضامنة كانت شريكاً في اختراق وقف التصعيد.
لكن الطرف الأمريكي، الذي يتوجب فيه حماية الاتفاق، كونه جاء في سياق الحاجة الأمريكية – الاسرائيلية لتجميد الوضع الأمنىي والعسكري في الجنوب السوري، كما أنه حاجة أردنية. لم يُبد حرصاً حقيقياً على تنفيذ الاتفاق. وكانت الولايات المتحدة دائمة النصح للفصائل المعارضة، بعدم خرق الاتفاق من طرفها، لأنها لن تكون قادرة على التدخل في حال سقوط الهدنة الهشة. كان هذا ملمحاً أساسياً، واضحاً ومؤشراً على طبيعة الدور الامريكي، واحتمالات تطور موقفها من عدمه، في الحرب التي تشنّها القوى المعادية للشعب السوري.
لا يهم أي من واشنطن وتل أبيب، أن يستقر الوضع في الجنوب، بموجب اتفاق خفض التصعيد، أو غيره. لم تكن هناك في الأصل، مخاوف من انتقال أية عمليات عسكرية عبر الحدود الى المناطق التي تحتلها " اسرائيل "، أو الى الأردن. غرفة العمليات المشتركة في الجنوب، كانت فعّالة في رسم خطوط المواجهات بين النظام وفصائل الجنوب، والحضور الأمريكي كان قياديا ومؤثراً، ويمثل مصالح اسرائيلية وأمريكية بآن واحد، وهذا لم يكن خافياً عن أحد، وكأن حوران التي كانت على الدوام شوكة في حلق " اسرائيل "، واحتملت وصبرت على ويلات الحروب في المنطقة، يراد لها أيضا أن تدفع ثمن الموقف، وثمن نصرة الحق الفلسطيني، وهي فرصة كي تُعاقب. لقد تراجع الجميع اليوم، ولم يبق أحد مع الجنوب المستهدف!
تمحورت قراءتنا، بأن الهدف يتمثل في إبعاد التواجد الإيراني من المنطقة. تشكل إيران خطراً كبيراً في العقيدة الاسرائيلية لجهة الجنوب اللبناني. أما بالنسبة للجنوب السوري، فإن وجود النصرة وداعش، كان مصدر تعزيز للعمليات العسكرية، لكل الاطراف المعنية باستمرار العمليات العسكرية ضد المعارضة السورية، والهدف هنا استعادة السيطرة على المناطق التي طُرد منها النظام على مدار السنوات الماضية، وكانت إدارتها من قبل الفصائل واللجان المدنية، تحظى بحالة شبه مستقرة، على خلاف الفوضى والاقتتال في مناطق الشمال السوري برمته.
إيران تشارك بقوة في الحرب القذرة، ومن الواضح، في ظل مشاركة الميليشيات المدعومة إيرانياً، فإن ما تريده الولايات المتحدة واسرائيل، هو منطقة منزوعة السلاح، بالكامل. وأن العمليات العسكرية المتواصلة سوف تحقق هذا الغرض، بل وجعل المنطقة أقل سكاناً، والقرى المتاخمة لاتفاق الهدنة خالية من أصحابها. ليس مهماً بالنسبة لهما من يقوم بذلك، إيران أو سواها، والحديث المتواتر عن دور الأسد الضامن في استقرار المنطقة، هو مجرد تغطية لتراجع واشنطن عن التزاماتها في منع اجتياح المنطقة الجنوبية. بلا شك النظام الأسدي يحظى بأفضلية لدى " اسرائيل "، لكنها ليست بحاجة إليه اليوم لضمان أمنها وحدودها، بالصورة التي نعتقد.
لدى الكيان الاسرائيلي القدرة والوسائل، للقيام بذلك، اعتماداً على الدعم الامريكي الكامل، غير المحدود، بغض النظر عن الإدارات الامريكية المتعاقبة، ولديها المواقف الأوربية الثابتة حيال اي تهديد قد تتعرض له تل أبيب، كما لديها الشريك الروسي، الذي تجمعها به اتفاقية استراتيجية للتعاون الأمني والعسكري، خاصة بما يتعلق بسوريا وتطورات الوضع فيها. وبلا شك، فإن نظاماً مهلهلاً هشاً وضعيفاً، يتحدث عن المواجهة والممانعة، يفيد " اسرائيل " في المضي قدماً في سياساتها العدوانية الإرهابية، ضد الفلسطينيين وفي المناطق المحتلة، بدعوى حماية الأمن الاسرائيلي في مواجهة التحديات المصيرية كما تزعم.
من الطبيعي أن تفشل كل الجهود، على قلتها، وضعفها، وهي جهود مناشدة وتمنيات، في أن تقود ليس الى وقف العدوان العسكري الشامل على الجنوب السوري، بتواطئ جميع الاطراف الدولية والإقليمية، فحسب، بل في تخفيف حدّة استهداف المدنيين، والتوقف عن ذلك، وفقاً للقوانين الدولية.
ما يريدونه هو أن تحقق الحملة العسكرية أهدافها بسرعة، أن تنقل الوضع في المنطقة الى سيطرة أسدية – روسية مباشرة، وإنهاء أي وجود مسلح او مدني لقوى الثورة السورية في الجنوب. وهي الخطوة التالية لما بعد ريف دمشق، التي تم فيها تأمين مركز سلطة النظام. واستمرار الهجمات الروسية المنظمة ضد السوريين، مستمر بموافقة أمريكية لاغبار عليها، منذ حكم أوباما. والحديث عن خلافات بين موسكو وواشنطن، لايعدو عن كونه خلافات في توزع المصالح والأدوار والقوى العاملة في أطرهما، مثال الميليشيات الطائفية الايرانية والعراقية وحزب الله، إضافة لدور تركيا وإيران، وهو ما سوف يتم تناوله في القمة الروسية – الامريكية المقبلة، في اعتقادنا، خاصة في ظل معطيين أساسيين هما نجاح اردوغان الحاسم في الانتخابات التركية، وتوجه إيران نحو استعادة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، او الحيلولة دون تطور الوضع بين طهران وواشنطن بجهود اوربية، وإن يكن ترامب لا يعير أهمية لأية مواقف وجهود دولية، خارج المزاج الترامبوي.
الوضع في حوران، بعد توقيع اتفاق الأمر الواقع، خاصة وأنه تم في ظل اختلال موازين القوى، لايعني أنه غير مرشح للتصعيد، واستئناف حملة القتل والتدمير، طالما أن الهدف هو الاستسلام التام، وطيّ صفحة الثورة السورية في مهد انطلاقتها. من هنا يمكننا قراءة استمرار أزمة اللاجئين المدنيين، واغلاق الحدود، وشح المساعدات الانسانية، وفشل مجلس الأمن في اتخاذ خطوات انسانية في هذا السياق.
احتلال حوران مجدداً، يجب أن يعيد الثورة السورية الى صورتها الأولى، رغم الانكسار الشديد، والفوضى التي قادت الى ذلك. لقد تكالبت عليها أمم العالم قاطبة، لأنها انتفاضة تحرر من الاستبداد، فشنّ العالمين حربهم عليها. لكن التضحيات، سوف تبقى جذوة مستعرة لثورة السوريين من قلب جنوبها: حوران الأمل والالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم