الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيبقى البارزاني مصطفى خالدا في ذاكرة شعبه

ناجي عقراوي

2003 / 3 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                                                               


في خضم الظروف العصيبة التي تمر بها منطقتنا الإقليمية  و وطننا العراق ، وفي مثل هذه الأيام الصعبة والمصيرية ، يلفنا الحزن بسبب خطب العراق  بلدنا العزيز و العريق ، الذي انجب رجالا و أبطالا و ماجدات ، تركوا بصماتهم في تاريخ وطننا و المنطقة ، ما أحوجنا في مثل هذه الظروف إلى حكمتهم و آرائهم ، لان التأمل في الماضي يقودنا إلى معرفة المستقبل ، و لأن الحقائق الصحيحة هي التي تتواصل مع الحياة ، والذين قارعوا الظلم و الاستبداد هم المنتصرون في نظر الشعوب ، و يدخلون التاريخ بهامات مكللة بالأمجاد .

في14/3/ 1903 ولد القائد و الزعيم الكردي مصطفى البارزاني ، حيث يحتفل الشعب الكردي هذه السنة بمئوية زعيمهم الراحل ، و في الفاتح من آذار أيضا من كل سنة ، يتذكر الكرد ذكرى وفاة البارزاني الخالد ،  لأن  الكفاح الطويل للمرحوم مصطفى البارزاني ، جزء هام من ملف المشكلة العراقية المزمنة ، و جزء حيوي من ملف القضية الكردية الملتهبة خلال القرن الماضي ، حيث تعامل مع السياسات الجائرة لحكومات التي تتقاسم كردستان ، من منطلق الواثق بقضية شعبه العادلة ، و خلال اكثر من نصف قرن عمل البارزاني بصدق من اجل حقوق شعبه العراقي ، و كافح  أيضا بتفاني من اجل  ترسيخ هوية الكرد القومية في وطنهم ، و في ظروف صعبة و معقدة ، لأن عامل الزمن لم يكن في صالح هذه القضايا بسبب ضيق هامش التحرك ، نتيجة للسياسات التي كانت قائمة على موازين القوى .

 الشعب الكردي عاش و  يعيش  تاريخ ألم و جغرافية عذاب على ارض وطنه كردستان  ، ظلمه التاريخ حيث عاش هذا الشعب ، لذلك شارك البارزاني الخالد في كل الثورات الكردية ، في إيران و تركيا وفي العراق ، وكذلك قارع الاستبداد حتى في فترة لجوئه في الاتحاد السوفيتي السابق ، لأنه كان يؤمن بأن الحرية واحدة لا تنحصر في شعب و أمة دون أخرى .

يقول الصحفي البريطاني دايفيد ادمز عن البارزاني في كتابه ( حروب الأكراد ) ، بأن فضائله هي من طراز الشجاعة القديمة ، حتى أن الإنسان ليعجب بسموها ، فقد عاش يقود ثورة بعد ثورة بأساليب زعيم محنك .

كان حصاد البارزاني من ثوراته توثيق الحكم الذاتي للشعب الكردي في العراق ، و الاعتراف دستوريا بالحقوق القومية للكرد في اتفاقية 11 / آذار / 1970 ، هذه الاتفاقية التي أصبحت حافزا للوطنيين العراقيين لمواصلة النضال من اجل الديمقراطية  ، و في نفس الوقت كانت  نقطة انطلاق لتعزيز الوعي القومي لدى بقية الأكراد في كردستان المجزأة ، لذا نجد بان البارزاني ترك أثرا و وعيا حينما كان ، و اصبح تراث البارزاني المنهل الذي يستمد منه الكرد الإرادة لترسيخ هويتهم القومية و تعزيز تآخيهم  مع شعوب المنطقة .

كان البارزاني يعرف  بأن بين الحق و الباطل مسافات مزروعة بالألغام ، و لكنه استطاع الانتفاضة فيها بعزيمة الأبطال ، و علم شعبه كيف يكسر القيود الثقيلة و ليالي السجون ، كان يريد الحياة لشعبه ربيعا زاهيا و صباحا جميلا و أحلاما تعانق السماء ، لذلك عندما دقت نواقيس غروبه و دوت أزيزها ، سافر البارزاني في ذاكرة شعبه إلى ما لا نهاية ، رغم أن المسافات طاردت العراقيين و  الكرد حتى الاحتراق ، ومع هذا تعهد الكرد و الوطنيون العراقيون  بان يحملوا أطياف ذكراه المعلقة على جبين الأيام في كل الظروف .

في مؤامرة الجزائر اتفقوا على اقتلاع جذور الكرد كشعب وكهوية ، فأصبحوا في مفترق الطرق وسط زحام الناس و الأحداث ، مرت تلك الأيام كرياح عاتية ،  لذا كانوا يرجون اللقاء ثانية مع البارزاني ليستمدوا منه العزيمة  ، ولكنهم أصبحوا لا يسمعون رنين صوته لأنه كان الفراق ، ولكن إرادته التي لا تلين كانت حاضرة في ذاكرة شعبه ، سرعان ما تبلورت لتنبثق على صورة انتفاضات و ثورات ، لأنه كان قد علمهم بأن الشعوب هي التي تصنع سعادتها بالإرادة و بالتضحيات .

أردنا نحن الكرد اللقاء لأنه كان أملنا و رجاؤنا وقدرنا ورثاؤنا ، كان القمر في ليالي الكرد المظلمة ، و شمسهم في أيامهم المقبلة ، كان يسمع صرخة الموت لطفلهم الوليد ، وبكاء أمهم التي تحتضن الشهيد ، كان معه أسرارنا و ذكرياتنا المثقلة بالجراح ، و فجأة تناقلت و كالات الأنباء بأن راعي شعب عريق قد غادر دنيانا و رحل ، ليصبح شعبه حقل تجارب للأسلحة الفتاكة ، هل سمعتم بهيروشيما الكردية ؟ و هل سمع العالم بالأنفال العصرية التي تمت بأيادي إجرامية ؟؟!!!! .

غادرنا من نحب و في يديه حفنتين من التراب، تراب العراق و تراب كردستان ، و قال أودعكم هذه الأمانة لجراحات المعذبين النازفة ، فصنع منها العراقيون في الانتفاضة الشعبانية مسلة شامخة بعد أن جبلوها مع رماد السنين ،  و جبلوها ثانية  بدماء الشهداء و ثالثة مع مياه دجلة والفرات ومياه الزابين و مياه الاهوار ، ومن ثم  مع ذرات تراب كر بلاء و النجف و تراب العمارة و الناصرية و الديوانية و  البصرة و تراب كركوك والسليمانية و هه ولير و دهوك ، وبعدها  صنع الكرد تحت قبة البرلمان الكردستاني مسلة أخرى  تعانق السماء ، و التي  جبلت من جراحات الكرد النازفة ، و من  ذرات تراب كردستان المجزأة  ، تراب مهاباد وسنجار و قامشلي و نصيبين و ووان وخانقين و بارزان ، ثم غسلت المسلتان بدموع الكرد في الشتات ، و معها  دموع المشردين والمهجرين على امتداد الوطن  ، و أصبحتا في القلوب رمزا و خلاصا للأسرى في الوطن الحزين .

قال الحاضر الغائب ، لا تحزنوا إنها استراحة مقاتل ، إذا كنتم تحبونني فخذوني إلى وطني العراق ، لأشم تراب قدسي ( بارزان ) في كردستان  ، لكي اسكب العبارات حزنا ، لأن طيف الذكريات يدق باب قبري ، تعبت من دموعكم و من عذابات شعبي ، كيف لا احب نسيم ارضي ؟ كيف لا احب كبريائي و شموخي و عزي ؟ .

و حينما دخل الغائب الحاضر بوابة الوطن الجريح ، استقبلت جثمانه عصافير و حجول كردستان والطيور المهاجرة من الاهوار مع خلايا رمل انهار الوطن .

القادم يغتسل بدموع شعبه ، و يقول غدت دياري يبابا خرابا ، ما أطول صبري ، إنني لم أمت بل احترقت بعشق وطني  ، لذلك لا احمل جواز سفر أو هوية ، و لهذا ترونني أسير ترابكم ، لأنه لا يوجد حب بدون تضحيات  و لا موت بلا ميلاد .

أيها الحاضر الغائب : كنت بحق علامات مضيئة في  تاريخ العراق و كردستان ، ما زالت هذه العلامات بحاجة للدراسة و للمراجعة، بغية الاستفادة من معانيها و قيمها البطولية .

ليكن يوم وفاتك يوم الاخوة الصادقة و التعاون والعمل المشترك ، للوصول إلى عراقي ديمقراطي تعددي فدرالي ، لتنام قرير العين في ارض الآباء و الأجداد ، برعاية الله و دعاء أبناء شعبك في العراق الجريح و في كردستان المجزأة .
                 
                
                      تشكرك القلوب من المنايا                    لو استطاعت لشكراك كلاما
                     وأنت الليث من قوم كرام                      إذا حصر لنا الزمان الكراما               
  

               








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتيل وجرحى في انهيار مبنى بمدينة إسطنبول التركية


.. مبادرة شابة فلسطينية لتعليم أطفال غزة في مدرسة متنقلة




.. ماذا بعد وصول مسيرات حزب الله إلى نهاريا في إسرائيل؟


.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل




.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان