الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنان المصري جورج البهجورى والإله مين ..

حجاج سلامة

2006 / 3 / 26
الادب والفن


بين أعمدة معبد الأقصر الرابض في حضن جامع قديم مطلا على نهر النيل العظيم وقف عبد المسيح أفندق مدرس اللغة الإنجليزية بمدرسة الإرسالية الإنجليزية بالأقصر مع عروسه الشابة رحمه ...امرأة في العشرينات ذات وجه يميل إلى المستطيل الأقرب للبيضاوي هادئة بلا كلمة واحدة ذات ابتسامة اقرب إلى الحزن وخصلة شعر اسود برونزي تسقط على الجبهة المكتنزة والشعر يحيط الوجه بإطار اسود لامع دقيق وتموجا ته تشبه صفحة النيل في لوحة فرعونية قديمة وفى الوسط عينان محددتان أفقيتان وحدقتان كستنائيتان وانف موضوع بعناية وسط كتلة الرأس خط الشفاه وخط الحاجبين يتوازيان في انتظام
وقف العروسان أمام نحت بارز في المعبد المقدس يحكى قصة الإله مين اله التناسل ارتعشت العروس وهى تتأمل قامته المنتصبة على صورته الحجرية البارزة ولم يفارق منظره خيالها حتى وهى في أحضان زوجها الذي جاء من نسل الإله المقدس ومن هذا المخاض خرج واحد من ابرز فنانينا التشكليين و أحد أعلام فن الكاريكاتير في العالم الفنان جورج البهجورى الذي ولد بالأقصر عام 1932 وتخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1955 وعاش في الأقصر ردحا من الزمان مع أسرته قبل أن تغادرها إلى منوف من اجل حنيهان زيادة في مرتب الأب.
وظلت الأقصر بمعابدها التليدة ومناظرها الخالدة تعيش في وجدان هذا الفنان وتثرى ريشته وتشكل وجدانه الفني.
حتى عندما أمسك بالقلم ليسرد سيرته لذاتية التي تضمنتها روايته بيضة النعامة لم ينسى أن يغمس قلمه في الألوان ليرسم صورة أبيه وأمه والأقصر ومنوف والقاهرة وحياته منذ كان ببطن الغيب حتى انتقل من الصلب إلى الرحم. ويرسم صورته داخل هذا الكون المظلم لاصقاً ما بين قدميه وبطنه ملتحماً رأسه بركبتيه كله فضول وشوق حتى وهو لم يتنفس بعد وكان تنفسه مرتبطاً بأنفاس أمه تتنفس يتنفس تضحك فيشعر برعشة تدغدغه.
تأكل تشرب فيشعر بنشوة يندفع في هزة إلى الأمام وهزة إلى الوراء أحيانا يهبط ويصعد وهو شبه نائم في غيبوبة جميلة
وتأتى ساعة الميلاد يرى الجنين نفس قطعة من اللحم على هيئة إنسان أجمل عناصره وتكوينا ته وكل تعقيدات الجسم البشرى فى جسمه الدماء تسرى في العروق أجهزة يكتمل تكوينها يبدأ الجنين يندفع يمزق الغشاء الذي يحيطه ويخرج من البيضة اللحمية يصبح نبته صغيرة وسط جبل أخضر يطفو فوق السطح سابحاً وسط العرق يكاد يختنق ما بين جدران عنق الزجاجة الحمية وفجأة ينفجر الغشاء ويختلط العرق بالدم يخرج الوليد يصرخ فيهلل الجميع
هكذا رسم جورج البهجورى بقلمه لحظة ميلاده في لوحة تشكيلية رائعة امتزجت فيها كل الألوان لا يستطيع أن يرسمها غير فنان عمره آلاف السنين هي عمر مدينته طيبة مهد الفنون وتبرز في سيرته شخصيته القلقة عالية الصوت كثيرة الصخب منذ طفولته وبه رغبة عفريتيه يدس انفه في شئون صغيرة والتلصص على الأشياء والناس كان يتصور نفسه طائراً مغرداً على الأشجار في حياة سابقة ثم أصبح له تكوين لحمى آخر وعادة ما يهرش في نهاية كتفيه بحثاً عن أجنحته عله يطير في سماوات الحياة
لعلها تلك السمات التي اكتسبت خطوطه الكاريكاتيرية هذه السخرية اللاذعة وأثرت قلمه بهذا الخيال الصخب – وكما يقول الباحث المصري عبد المنعم عبد العظيم – فقد ورث هذا الفرعون المصري تراث أجداده الذين هم أول من عرفوا الكاريكاتير والرسوم الساخرة وسجلوها على جردان المعابد وعلى أوراق البردي والمنسوجات وامتزجت في سيرته مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية الأقصر وجنوب الصعيد بالوجه البحري والقاهرة
لقد لبس جورج البهجورى تاج جده مينا موحد القطرين وأحد يرسم حدود جديدة للوطن والفن والإنسان المصري يجمع فيها القبطي والاسلامى التاريخ لقديم والحضارة في إطار من الحب العميق العريق القديم الأصيل للوطن والناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس