الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة السياسية وأثرها في السلوك السياسي

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الثقافة السياسية وأثرها في السلوك السياسي
جاسم محمد دايش

مقدمة
تعد الثقافة السياسية واحدة من أهم المداخل في علم الاجتماع السياسي ، لا سيما لدى باحثي العلوم السياسية إذ تكمن أهميتها في دراسة نمطين من الثقافة ، الأولى الثقافة السياسية الخارجية وتشمل أنماط المشاركة السياسية والسلوك السياسي لأفراد المجتمع ، والثانية الثقافة الداخلية وتأثيرها في اتجاهات المواطن أو الفرد إزاء السلطة أو النظام السياسي ، وهذان النمطان يشكلان الجوهر الأساس في البحث عن الثقافة السياسية في أي مجتمع من المجتمعات ، فأن دراسة أي ثقافة سياسيه سواء أكان المجتمع ديمقراطي مدني أم سلطوي استبدادي أم ريفيا تقليديا فأن ذلك يتطلب دراسة الاتجاهات التي يتكون منها النسق السياسي في ذلك المجتمع.
أولاً :- مفهوم الثقافة .
أن تحديد مفهوم الثقافة تفرضها أهميتها بوصفها مفهوما محوريا يشكل مدخلاً لمعالجة وفهم الثقافة السياسية ، ومن هنا فأن مفهوم الثقافة بشكل عام ، كغيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية الأخرى يفتقر إلى تعريف متفق عليه من قبل العلماء والباحثين، ويعود ذلك إلى ما يتسم به هذا المفهوم من اتساع وشمول يمس مختلف جوانب الحياة . فقد عرفها )محمد عابد الجابري ) على أنها :ذلك المركب المتجانس من الذكريات، والتصورات، والتطلعات، التي تحتفظ بها جماعه متميزة بكونهم نشيطين ومتميزين ومنتجين في هذا الحقل ، يشكلون أمة في معناها ، بهويتها الثقافية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء .
كما وعرفها ( برهان غليون ( بأنها : جملة الأنماط والقيم والقواعد والأعراف والعادات التي تبدع وتنظم لدى جماعه ما حقل الدلالات العلمية والروحية والحسيه ، وتحدد بالتالي لدى هذه الجماعة أسلوب استعمالها لإمكانيتها البشرية والمادية ونوعيه استهلاكها لبيئتها .

ثانياً :- مفهوم الثقافة السياسية .
تظهر أهمية الثقافة السياسية من خلال ارتباطها بتوجهات الأفراد وأرائهم ومعتقداتهم وسلوكهم ومواقفهم تجاه نظامهم السياسي , فبناء منظومة التوجه والرأي والمعتقد والسلوك والموقف بناءً ايجابياً تجاه النظام السياسي يعمل على حل المشكلات الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها المجتمعات عامة , وبقاء واستقرار النظام السياسي يعتمد على علاقته مع الأفراد ومدى قبولهم ورفضهم إياه , وقد يؤدي رفض الأفراد التعاون مع النظام السياسي بمؤسساته المختلفة إلى إثارة مشكلة الشرعية التي تسبب الانهيار التدريجي للنظام السياسي , حيث أن الانسجام الفكري والثقافي وآلية العمل السياسي بين الأفراد وبين نظامهم السياسي من جهة وانسجامهم فيما بينهم من جهة أخرى , يرتبط بثقافتهم السياسية التي تكون الحس المشترك فيما بينهم .
تعرف الثقافة السياسية على إنها : ( القيم السائدة في المجتمع التي تتصل بعلاقة أفراده بالنظام السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة ) . وهي ما يعتقده أو يؤمن به الأفراد فيما يتصل بعلاقاتهم بالنظام السياسي , وهي بهذا المعنى حقائق مجردة إلا إنها تمثل دوافع سلوكهم واتجاهاتهم نحو ذلك النظام , ويقصد ( موريس دوفرجيه ) بالثقافة السياسية بصورة عامة الجوانب السياسية للثقافة , بصفة انها تشكل هي نفسها مجموعة منظمة .
يعود الفضل في ظهور مفهوم الثقافة السياسية بالدرجة الأولى إلى المدرسة السلوكية التي بذلت جهدا كبيرا لصياغته وتطويره بهدف تفسير جوانب كثيرة من النظم السياسية ، ولا سيما "غابري الموند" ، و " سدني فيربا " ، " ولوسيان باي." ومن ثم تبنته المدرسة التنموية ، كأحد العناصر الأساسية لتمييز مراحل نمو وتطور النظم السياسية وانتقالها من نظم تقليديه إلى أخرى حديثه .
وعلى الرغم من أن مصطلح الثقافة السياسية من المصطلحات الحديثة نسبيا ولم يكن حتى وقت قريب ذائع الانتشار في العلوم الاجتماعية والسياسية ، إلا انه في بدايات العقد السادس من القرن العشرين اخذ في الانتشار من خلال الاعتماد عليه لتفسير السلوك السياسي للأفراد في إطار النسق السياسي. بينما عرفه " دونالد ديفين " أن الثقافة السياسية ليست هي كل ثقافة المجتمع وإنما هي الجانب السياسي من ثقافة المجتمع . أما " لوسيان باي " فقد عرف الثقافة السياسية على أساس إنها التاريخ الجمعي للنظام السياسي و لتاريخ حياة الأفراد الذين يكونونه .
وكذلك عرفها " موريس ديفرجيه " يرى بأن الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة السائدة في مجتمع معين غير إنها بمجموع عناصرها تكون تركيبا )منظما ينضوي على طبيعة سياسيه. وتتطرق قاموس " اكسفورد" للثقافة السياسية فعرفها بأنها الاتجاهات و القيم التي تتصل بعمل نظام سياسي محدد، وتعد بمثابة معرفه متضمنة، ومهارات مكتسبه عن عمل هذا النظام، كما تتضمن اتجاهات ايجابيه أو سلبيه نحوه، و أيضاً أحكاماً تقييميه بشأنه .
ثالثاً :- أثر الثقافة السياسية في السلوك السياسي .
للثقافة السياسية أهمية بارز في تكوين وتشكيل شخصيه الفرد وتحديد الاتجاهات والميول ، فهي تشكل إطاراً بأنماط السلوك السياسي المختلفة . وبما أن الثقافة السياسية هي الجانب السياسي من الثقافة العامة السائدة في المجتمع وتُشكِلها مجموعة القيم والمعايير والمعتقدات والتوجهات نحو الرموز التي تحكم السلوك السياسي لأفراد المجتمع تجاه السلطة . لذا فان الثقافة السياسية وإن كانت صنيعة النظام السياسي إلا إنها تأخذ بنظر الاعتبار قيم ومعتقدات المجتمع وتعمل على تحويلها وقولبتها بشكل تدريجي وبطيء نسبياً لتتوافق وتوجهات النظام , ولهذا فإن الثقافة السياسية لأفراد المجتمع تتضمن ثلاثة أنساق تشكل كلاً مركباً في التوجه نحو السلطة والمجتمع على حد سواء فهي في الوقت الذي تكون فيه توجهات نحو النظام السياسي فإنها توجهات نحو الآخرين وتوجهات نحو النشاط السياسي الذي يمارسه الفرد نفسه . وتلعب الثقافة دورا كبيرا في تدعيم الاتجاهات المختلفة ، إذ تدعم الآراء الموجودة بين الجمهور أكثر مما يحتمل أن تغير تلك الآراء ، وحدوث التغيير البسيط في الاتجاهات يبدو أكثر من احتمال حدوث التحول في الرأي .
وتعد الثقافة السياسية إحدى الأدوات السياسية في بناء المجتمع السياسي الذي أساسه اتفاق أبناء المجتمع على شكل العملية السياسية بالتزام النخبة الحاكمة بعدم تجاوزها لحدود السلطة السياسية الشرعية , مع التزام أفراد المجتمع بالمقابل بقرارات هذه السلطة لتحقيق أهداف عامة تتجاوز المصالح الفرعية للقاعدة الاجتماعية التعددية , إذ إن هذه العملية تقود الى ترسيخ قواعد العمل السياسي متفق عليها مسبقاً ومقبولة من قبل الحكام والمحكومين على حد سواء , وتعمل الثقافة السياسية أيضاً على ضرورة اتساع مدركات الأفراد خارج إطار الولاء الضيق للثقافات الفرعية والاهتمام بالنظام السياسي والدولة والهوية الوطنية أولاً وبالتالي تحقيق الاندماج الوطني .
ويبرز دور الثقافة السياسية بشكل واضح وخطير في ظل وجود مشكلة سياسية او غيرها مؤثرة على الأفراد , وهي تحرك أفراد المجتمع سياسياً تجاه هذه القضية . وعليه فأن محرك الاتجاه السياسي ضروري للغاية ، وذلك بهدف التعرف على المؤثرات الأيديولوجيا والنفسية التاريخية التي تدخل في تشكيل وصياغة القرارات السياسية الداخلية والخارجية ، وخصوصا حين يكون لذلك القرار تأثير شامل يتجاوز الإطار الجغرافي لها ، وهو ما دفع الكثير من الدول والحكومات في مختلف أنحاء العالم لبناء المؤسسات الأكاديمية و الاستخباراتية التخصصية في تحليل الثقافات السياسية للدول والشعوب ، لما لذلك من أهمية بالغه في معرفه شخصية تلك الدولة من جهة ، و بناء و إدارة العلاقات الخارجية بينها ، و فهم هيكليه بناء القرار السياسي لسياستها الخارجية من جهة أخرى ، لدرجه أن يدعي بعض المفكرين الغربيين أن ليس هناك من حرب أهليه ، إقليميه أو دوليه من دون ثقافة سياسيه ، ولو كانت مغلفه بمصالح ماديه ، وان أي طرف يخوض الحرب من دون أن يكون مزودا بها فمن المرجح أن يخسر ، لأن الدوافع عنده تصبح واهية و باهته ولا تلبي طموحاته و أن بناء الثقافة السياسية الواحدة إذا شعروا بأنهم على حق وإيمان فيما يقومون به من دفاع عن قيم ثقافتهم خاصتاً إذا كانت عادلة وتوافرت لديهم الإمكانات المطلوبة فأنهم ينتصرون في نهاية الأمر .
أن للثقافة السياسية دور في غاية الخطورة ومهم للغاية في بناء وتشكيل وصناعة القرار السياسي ، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي منه ، وتزداد خطورة تلك الثقافة السياسية بوجود محرك دولي يعكس تلك التقاليد الشخصية والأفكار على ارض الواقع من خلال علاقته وسطوته ودوره العالمي للجيوستراتيجي ، كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تعتبر اليوم المحرك الأكبر للقرارات السياسية الدولية ، حيث تشكلت الشخصية الأمريكية منذ العام 1620 م وحتى يومنا هذا من عدد من الاستثناءات والتناقضات السياسية ، والتي شكلت بدورها مزيج المبادئ والتقاليد السياسية بشقيها القديم والحديث ، كالحرية " المسماة بالاستثنائية" و"الأحادية" و"الانعزالية"، والنظام الأمريكي أو "مبدأ مونرو"، و"التوسعية" المسماة بالمصير المبين، في عهدها القديم ،كذلك حفل عهدها السياسي الحديث بعدد أخر من تلك التقاليد المحركات للسياسات الخارجية الأمريكية كالامبريالية التقدمية، التي تتداخل تاريخيا مع التوسعية الأمريكية في العهد القديم ليشكلا أهم واخطر امتدادات الثقافة السياسية الأمريكية اليوم .
وتبرز الثقافة السياسية على الصعيد الداخلي للمواطنين خلال ممارسة الدور السياسي لهم وهو من خلال الانتخابات في النظم السياسية الديمقراطية , إذ سيكونون أمام ثقافة سياسية تشاركية وليس انعزالية .

الخلاصة
أن الثقافة السياسية تؤثر في الحياة السياسية والسلوك السياسي بصورة عامة وعلى النظام السياسي القائم بصورة خاصة , لذلك فان القوى السياسية المختلفة بما فيها قوى النظام السياسي تعمل على تحريك وصياغة مواقف المواطنين والأفراد انطلاقاً من المعطيات الثقافية السائدة في المجتمع ومدى تأثيرها في سلوك المواطنين والأفراد والجماعات . وان كل ما تقدم يتوقف نجاحه على وجود تنشئة اجتماعية – سياسية للمجتمع موازية للثقافة السياسية التي يروج لها النظام السياسي .
تم الاستعانة بالمصدر التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- رؤى لؤي عبد الله , الثقافة السياسية ودورها في تكوين الاتجاهات , المجلة السياسية والدولية, مجلة السياسة الدولية , العدد ( 35 -36) , 2017 , الجامعة المستنصرية , 2017 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع