الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقوبات بأثر رجعي ومفعول ابدي

عادل صوما

2018 / 7 / 15
كتابات ساخرة


حُذفت العقوبات الجسدية تماما من قاموس الانسانية حتى بالنسبة لتلامذة المدارس بعد ظهور شرعة حقوق الانسان، التي تحافظ على كرامة الكائن الحي من الاهانة عند تنفيذ القانون، واوجدت بدائل أكثر رُقيا للعقاب منها تغيير سلوك الانسان ليكون منتجاً ويستفيد منه المجتمع في الوقت نفسه، كما اصبحت السجون مكانا لتعلم مهنة لمن يريد.
وإيمانا بشرعة حقوق الانسان وكرامته لم تعد الدول الغربية تُنفذ عقوبة الاعدام علناً كما كان في السابق، ثم طالت شرعة حقوق الانسان الحيوانات الأقل من البشر وعياً وفهماً ومرتبة على سلم الكائنات، فلم يعد مقبولا في أي دولة في الغرب أن يضرب احدهم كلباً في الشارع، أو يطرد قطته التي أصابها الجرب أو أصبحت كبيرة في العمر من المنزل، لأنه سيجد الشرطة تدق بابه بعد ابلاغ الجيران أو المارة عن الامر.
حتى ذبح الحيوان يفعله أهل الغرب بعد تخديره، وهي طريقة تخالف الذبح الحلال عند المسلمين واليهود، لذلك يستهجن مواطنو الدول الغربية ذبح نعجة في الشارع احتفالا بطقوس لم يعد تنفيذ الاحتفال بها يناسب شرعة حقوق الحيوان، ويتصل المواطنون بالشرطة للقبض على ذابح النعجة أو الخروف في الشارع تمهيدا لمحاكمته ودفع غرامة، لأن هناك مسالخ تقوم بهذه الوظيفة، لمنع انتشار الميكروبات والجراثيم وذبح الحيوان بشكل سريع رحيم، وليس بسبب الاسلامبوفوبيا كما يشيعون.
انسانية المجرمين
المطالِبون بتنفيذ حدود الله الذين خططوا جريمة اسقاط برجي التجارة العالمية، يعلمون تماما مسألة حقوق الانسان في الغرب، لذلك دفعوا بتهمة الاعتداء على انسانيتهم، حين مورس عليهم الايهام بالغرق ليعترفوا بوقائع يريد المحقق معرفتها، لعلمهم أن شرعة حقوق الانسان تحمي كرامتهم حتى لو تسببوا في قتل مدنيين وهدم ناطحتي سحاب.
ورغم هذا الامر الواضح مازال بعض الناس يعبدون نصوصاً لم تعد تناسب اطلاقا عصر حقوق الانسان، ونرى من وقت لآخر بعض اللامعقوليات من الداعين لتنفيذ حدود الله وأسوأها لا إنسانية هي ما يُنفذ بأثر رجعي أو على طفل بريء.
حلقة الوعد
منذ أقل من سنتين تداول الناس على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمجموعة اطفال يُستنطقون بواسطة رجال دين امام زملائهم في المدرسة تمهيدا لتوبتهم عما اقترفوا، وكان كل طفل يتلقى وهو يرجف ويبكي من الانفعال، بسبب الضغوط غير الانسانية وصوت ترتيل القرآن المجلجل بآيات العقاب في فناء المدرسة، صك غفران مع حضن وقبلة على الخد من احد الدعاة عقب اعلان معصيته على الملأ، وشاهد المتابعون على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الفيديو باستنكار عارم، وخرج أهل غزة عن ما هو مفروض عليهم من لحى وحجاب وطقوس التدين الكاذب، وقالوا أن وزارة التربية والتعليم هي المسؤولة عما حدث، واقترح بعضهم أن يكون اسمها "وزارة التوبة والتعليم"، وقد نفت الوزارة علمها كالمعتاد بما حدث في "حلقة الوعد" في مدرسة النيل، وقالت أن الاتفاق تم بين وزارة الاوقاف ومدير المدرسة الابتدائية بدون علمها، ولم يُقال مدير المدرسة المسؤول الاول عن الامر.
ما الذي فعله اطفال مدرسة إبتدائية ليتعرضوا لهذا التهديد بنار جهنم ومن ثمة يدلون باعترافاتهم "علانية" بما اقترفوا من معاص امام زملائهم لينالوا صكوك غفران؟
يستحيل أن يزني طفل في هذا العمر لأنه لم يبلغ بعد، وبداهة لا يستطيع مداعبة عضوه الذكري وهو محاصر بالنكد والفقر وتكدس خمس إخوة على الأقل في غرفة واحدة، والمؤكد أن احدا من الاطفال المساكين لم يقتل ولم يرتد عن دينه ولم يشرب الخمر ولم يقذف محصنّة، فهل يستحق الهروب من المدرسة أو الاهمال في عمل الواجب البيتي أو التحدث خلسة في الصف أو خناقة مع تلميذ مثله على سبب بسيط نصب جلسات محكمة تفتيش اسلامية في فناء المدرسة؟
مرشد الثروة
لا يوجد خطأ إملائي في العنوان الفرعي بل هو سخرية، فقد قدرّت دراسة أجرتها مؤسسة "بورغن" العالمية المعنية بمكافحة الفقر، ثروة مرشد الجمهورية الإيرانية الاسلامية علي خامنئي بحوالي 95 مليار دولار، وأشارت إلى استحواذ 5% فقط من اصحاب عمائم السلطة الحاكمة على منابع ثروة إيران، بدءاً من المرشد وبطانته حتى كبار المسؤولين وعوائلهم ومقربيهم، بينما شعارات الانتفاضة الإيرانية الحالية تتهم النظام بالسرقة ونهب أموال الشعب وصرف الثروات على الحروب الإقليمية الطائفية.
ورغم هذه الحقائق الصادمة وملفات الفساد التي يتحدث الاعلام والناس عنها علانية، جلدت السلطات الإيرانية منذ ايام شاباً أدين بشرب الخمر حين كان عمره اربع عشرة سنة، ونشرت وسائل إعلام محلية صور تنفيذ الحد الإلهي وقالت إنه جُلد بأحد ميادين مدينة كشمار شرقي إيران وهو مربوط في جذع شجرة ثمانين جلدة، وجلده رجل يرتدي قناعا وزيا رسميا، بينما يظهر حشد صغير من الناس يشاهد الموقف عن بعد ليتم ركن "علانية" تنفيذ الحد الإلهي.
تنص المادة 265 من القانون الجنائي الإيراني المستمد من الشريعة المحمدية، على أن عقوبة شرب الخمر هي الجلد 80 جلدة، كما أن هناك أكثر من مائة جنحة يُعاقب عليها بالجلد منها السرقة والتخريب (رغم أن هذين الحدّين الإلهيين لم يُمارسا على أي من أصحاب الثروة غير المشروعة وخراب الدولة الواردين أعلاه) والقذف والاحتيال، فضلا عن أفعال تقول منظمة العفو إنه لا يجب تجريمها بالأساس، مثل الزنا وممارسة الجنس بين المثليين بالتراضي.
منظمة العفو حرة في قول ما تشاء، لأن هذه الأنظمة التي تُنادي بالحدود الإلهية تصّر على ممارسة العقوبات البدنية للتمكين من حكم الدول وحماية نظمهم السياسية وارهاب الناس ليس إلاّ، وآخر ما يهتمون به هو الاخلاق والورع، لأن ارتفاع نسبة الاختلاسات والتحرش بأنواعه كافة وتجارة المخدرات وتهريب السلاح وتبييض الاموال وتجارة الاعضاء والتهرب من الضرائب بتخرين الاموال في بنوك مشبوهة والاستثمار في صناعة الارهاب واغتيال الخصوم والمعارضين وافتعال الحروب لخلق عدو خارجي يبعد عنهم المساءلة تمت في كل الدول التي وصل المستفيدون من الاسلام سياسيا إلى الحكم فيها، وبخباثتهم يوقعون على الاعراف الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، المُلزمة قانونا بمنع التعذيب، وكل العقوبات القاسية والمهينة وغير الإنسانية، ليحافظوا على ماء وجوههم امام شُرعة الضالين والمغضوب عليهم.
مهمتهم انتهت
سوء هذه الممارسات بدأ يدفع بعض الناس للكفر "علانية" على النت، وهو أمر منطقي عندما يدرك الانسان الذي يستخدم عقله أن شرعة حقوق الانسان أكثر إنسانية من حدود الله في الحفاظ على كرامته وأمن المجتمع، لأن الانسان قد يغفر أي إهانة، ما عدا الاعتداء على جسده أو إهانة كرامته أو بيعه كعبد أو ممارسة الجنس معه ضد إرادته حتى بعد مرور نصف قرن أو أكثر.
العلم يقول ذلك ولا اعتد مطلقا بما يقوله مفسرو الادبيات الابراهيمية في هذا الشأن، ويُستثنى من هذه الادبيات ثورة تعاليم المسيح، لأنها اساسا ضد العقاب الجسدي العلني والطلاق والسبي والحرب ونشر الدعوة بالسيف والاكراه، وكانت الأقرب لشرعة حقوق الانسان والتوافق مع الامبراطوريات والدول على مر العصور، وتجاهلها المسيحيون الغربيون بعد أن اصبح سلطان الكنيسة سياسياً وليس روحيا.
هل هناك أي حكمة أن تُقطع يدي إذا سرقتُ ثم اذهب إلى جهنم؟ هل هناك عدالة سماوية إذا ذهبتُ إلى جهنم بعد وفاتي رجما بتهمة الزنا؟ كيف اواجه ابني إذا جلدوني امامه على جذع شجرة لأنني شربت الخمر؟ كيف أعاشر زوجتي جنسيا بعد إهانتي بالجلد امامها؟ هل يمكنني شخصيا الايمان بالله والصلاة له بمحبة بعد جلدي امام اسرتي وجيراني لأنني سرقتُ؟ وبماذا توحي أقنعة منفذي حدود الله ما زالوا مؤمنين بما يفعلون؟ ولماذا لا يلبس منفذو الاعدام في السجون الحكومية أقنعة؟
نحن نعيش عقد ما قبل سقوط قداسة النصوص لأن نهاية الاستفادة منها ومن المنتفعين منها سياسيا اصبحت قريبة، وفي خلال العشر سنوات القادمة سنشهد تغييرا ثوريا في القناعات العقلية، فالوقوف امام المستقبل بأساطير تاريخية واقنعة واستهداف الثقافات مستحيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كازينو لبنان يفتتح موسم الحفلات الصيفية مع السوبر ستار راغب


.. «بوحه الصباح» رجع تاني.. «إبراهيم» جزار يبهر الزبائن والمارة




.. مختار نوح يرجح وضع سيد قطب في خانة الأدباء بعيدا عن مساحات ا


.. -فيلم يحاكي الأفلام الأجنبية-.. ناقد فني يتحدث عن أهم ما يمي




.. بميزانية حوالي 12 مليون دولار.. الناقد الفني عمرو صحصاح يتحد