الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أمل

منذر خدام

2018 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الأزمة السورية كتبت مئات المقالات تناولت فيها مختلف جوانب الأزمة، وكنت اركز دائما على المخارج المحتملة والممكنة منها، وحاولت قدر المستطاع أن اكون موضوعيا، واتجنب بناء مواقفي السياسية على الكراهية او الجهل، مع انني احسب نفسي من أشد كارهي النظام، ولا أفتقر إلى العلم بتكوينه وأليات اشتغاله، والتي كانت تقودني دائما إلى استنتاج رئيس يفيد باستحالة ان يتغير النظام من داخله. السبب ببساطة وتركيز يعود لأن النظام هو نظام استبدادي متمحور حول السلطة، وليس نظاما دكتاتوريا متمحورا حول الدولة. في النظام الاستبدادي يستحيل تحوله من داخله إلى نظام ديمقراطي متمحور حول المجتمع، في حين ينتهي النظام الدكتاتوري في الغالب الأعم إلى نظام ديمقراطي. بكلام آخر فإن القوى القابضة على السلطة في النظام الاستبدادي همها السلطة وليس الدولة او المجتمع، ومن يكن همه السلطة لا يكترث للدولة او المجتمع حتى ولو كانا مهددين بالتدمير كما يحصل للأسف في سورية، وكما حصل في ليبيا والعراق ...
ورغم كل اجراءات الحيطة إلا ان نزعة رغوبوية كامنة كانت تشق طريقها في أحايين كثيرة إلى هذه المقالات، بدفع من مبدأ في العمل السياسي يقول: "على السياسي أن يشتغل على الضوء في نهاية النفق وليس على العتمة". تفيد هذه النزعة الرغبوية بأن الأمل بحصول تغيرات في النظام من داخله موجود، غير أن السنوات السبع من عمر الأزمة، وكيفية تعاطيه معها، جعلتني اليوم وفي هذه المقالة أقولها صريحة " لا أمل".
الثابت في مواقف قادة النظام منذ بداية تفجر الأزمة السورية في عام 2011 هو ان الدولة السورية تتعرض إلى مؤامرة كونية تستخدم قوى الارهاب المحلي والدولي ادوات لها، وبالتالي فإن أي اصلاح دستوري او غير دستوري لا يمكن البحث فيه الا بعد هزيمة الارهاب. لم ينظر قادة النظام بجدية أبدا إلى الأزمة من منظار المجتمع وما يعانيه على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
وبعد ان شارفت الحرب على الارهاب على نهايتها، بعد نحو سبع سنوات ونيف من بدئها، تم خلالها تدمير البلد تقريبا، وتمزيق وحدة مجتمعه، بدأ قادة النظام يربطون الاصلاح المحتمل بإعادة الاعمار، وبما يسمونه بـ "التوافق الوطني". وهم اليوم كما في مراحل الصراع العنيف لا ينظرون إلى الأزمة من منظار الانقسامات المجتمعية الحادة التي نتجت عنها ومنها بطبيعة الحال وجود نحو خمسة ملايين مهاجر خارج البلد، وضعهم الخطاب الرسمي في سياق عملية " المجتمع ينظف نفسه"!!!.
في ضوء ثوابت النظام هذه كانت كل مشاركاته السياسية سواء عبر مسار جنيف التفاوضي او عبر مسار أستانا مجرد تكتيك لكسب الوقت من أجل حسم المعركة ضد المجموعات المسلحة الارهابية وغير الارهابية. يجادل البعض وخصوصا مؤيدو النظام بأن قادة النظام اجروا عليه اصلاحات دستورية عميقة في دستوره الجديد لعام 2012، وصار يوجد في البلد قانون للأحزاب وقانون للتظاهر وغيرها، غير ان أي قارئ موضوعي لهذه التعديلات الدستورية والقانونية لن يجد صعوبة في أن يتبين انها مفصلة على قد النظام، تعيد انتاجه فحسب. أضف إلى ذلك وعلى امتداد حكم البعث كانت المشكلة الأساس ليس فقط في طبيعة القوانين المعمول بها، بل أيضا في عدم تنفيذها واحترامها.
لقد نظر النظام إلى معارضيه دائما على انهم خونة او عملاء، ولم يتساءل يوما لماذا حصل هذا التمرد المجتمعي الواسع عليه في سياق الأزمة، وقاد الكثيرين منهم إلى حمل السلاح ضده. ولم يتساءل أيضاَ لماذا صار بعض السوريين يفضلون اسرائيل او تركيا أو أي بلد آخر على بلدهم. هل يصح تفسير كل ذلك باستخدام مفاهيم مثل "الخيانة والعمالة او الارهاب ". قديما قالت العرب " وظلم ذوي القربى أشد وأظلم "، فظلم النظام لشعبه هو السبب الرئيس لكل المأساة التي يعيشها الشعب السوري منذ سبع سنوات ونيف, وأي تفسير غير ذلك يجانب الصواب. هذا يعني ببساطة ان ما يقول به قادة النظام ومؤيدوه من أن النهج الوطني المقاوم والممانع للنظام السوري هو الذي جلب على البلد كل هذه المؤامرات، ولو انه رضخ للمشاريع الأمريكية والصهيونية لما حصل لها ما حصل، هو قول يقول بعض الحقيقة لا كلها. بلا شك ثمة تاريخ طويل لمحاولات التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، بالعلاقة مع دورها في المنطقة وموقعها الجغرافي، تعاظم كثيرا بعد إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين. غير أن تحصين البلد ضد هذه التدخلات لا يكون إلا بتحصين المجتمع، وهذا لا يكون بإفقاره ماديا وروحيا، وإدارته بالفساد وأدواته وألياته. ثمة مقولة في السياسة تفيد: لا جدوى من لوم الآخرين عندما يدافعون عن مصالحهم في بلدك، بالطريقة التي يرونها مناسبة حتى ولو كانت تتطلب تدمير بلدك، بل اللوم كله يقع عليك لعدم تحصين بلدك ضد تدخلاتهم. إن تخريب الاقتصاد، ونهب ثروات البلد، وافقار الغالبية الساحقة من المجتمع، وتخريب التعليم والقضاء، والأجهزة الأمنية، وتغييب القانون، عداك عن منع الحياة السياسة الطبيعية وغيرها، لا تبني بلدا مقاوما ولا ممانعا، بل على العكس تجعل البلد هشا وجافا قابلا للاشتعال بأية شرارة مها كانت صغيرة، وهي التي أسست فعلا لحصول هذا التمرد المجتمعي الواسع ضد النظام، والذي أخذ لاحقا طابعا عنيفا وارهابيا.
وبعد إذا صح أن لا أمل في ان يبادر النظام لإصلاح نفسه، بل سوف يقاوم إلى آخر حد ممكن الضغوطات المحتملة عليه سواء من حلفائه او من غيرهم، فهل هذا يعني بقاء النظام على حاله، رهنا بتغيرات الزمن القادم ؟ من المؤلم حقا بالنسبة لي كسوري أن أقول إن الجواب على هذا السؤال صار رهن العلاقة بين امريكا وروسيا، وقد تفصح عنه اليوم قمة هلسنكي بين بوتين وترامب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا