الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتغيّر والثابت في الوطن العربي!

محمد ابداح

2018 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قد نرى في التقاطع الجدلي للتطور المدني العربي؛ بأن الإنتصارات الوحيدة التي حققها هي تلك التي يُحققها على الأشياء، من غير أن يُحدث تغييرا جوهريا في النظرة الإجتماعية للآخر؛ فقطعهُ مائة ميل في الساعة باستخدام وسيلة نقل حديثة، بدلا من خمسة بامتطاء بغلة أو جملا، لم يُفرز جهازا قضائيا أكثر عدلا، ولا قدرا أقل من الكره والتفسخ في العلاقات الإجتماعية، وقد نتج عن ذلك بمرور الوقت تغيّر في فهم وتفسير القيم الإنسانية لا في معناها، وكما أن الفنان التشكيلي يطرحُ أسئلة في أعماله مع نية مُبيّتة لعدم التدخل في حلها، وبأن الفليسوف دائما ما يقدم حلولا نظرية لقضايا لاتقبل حلا عمليا، فإن الأنظمة السياسة العربية تشغل الرأي العام بمشاريع غير قابلة للتّحقق، في أعظم انتقام تاريخي مستمر من الشعوب العربية. وفي الحقيقة قد يدور سؤال في بال الجيل الحالي: كيف يكون في وسع مخرجات الثوابت والمسلمات أن تبقى قائمة حتى اليوم بعد زوال معظم قواعدها واستبدالها بالإستثناءات؟
قد يُلاحظ المرء أن الصعوبة ليست بتفهُّمِ أو قبول فكرة أن قصص الخلق والملاحم الدينية والأساطير مرتبطة بأشكال النمو الإجتماعي عموما والذهني بشكل خاص، بل الصعوبة في قبول فكرة أن تلك المفاهيم وحتى بعد إفراغها من المضمون لازالت فاعلة وتشكل قواعد للقياس، بدءا من تأليه الحاكم وعبادته، وانتهاءا بتطليق المرأة بكلمة واحدة من الزوج وبتصرّف مُنفرد، في تناقض بيّن لعقد الزواج الإسلامي الذي يشترط موافقة المرأة لصحته، لكن عند الطلاق يتحول ذات العقد لنوع من عقود الإذعان فيُفسخ من طرف واحد.
لقد حاول العديد من المفكرين العرب القدماء والمعاصرين الكشف عن حقيقة فراغ تلك الثوابت من المضامين الواقعية لكن من خلال إظهارها بإمارات تبعث على السخرية أكثر مما تدعو لتقبل فكرة التغيير، خصوصا من قبل أنصاف الراشدين ممّن يُعانون من سكرة المراهقة التاريخية، ولايزالون يرون بأن النصر سيأتي فوق ظهر فرس وبندقية ذات الطلقة الواحدة.
إن الذي نكتبه الآن ليس نظرية في المناطق الحدودية النائية لأزمة الواقع العربي الراهن، بل هو في الواقع مسائل عملية حاسمة في ظاهرة قواعد أنظمة سياسية ذات ثبات جوهري صرف، تحكم شعوب عربية لا يبدو أن في وسعها سوى العيش في درجة التجمّد. لا ريب بأنه ثمة خلل إقليمي يزداد حجمه ومداه بمرور الوقت، وكأنه ليس ثمة دروس في التاريخ، وأن الحقوق السياسية والحريات العامة في كافة الدول العربية فرضيات غير قابلة للإثبات، وأن كل لحظة من لحظات التاريخ السياسي العربي تُمثل حالة استثناء، وأن على كل جيل عربي جديد أن يُمسك بالخيط من أوله مرة أخرى، وأن يعيش هيستسريا تحقيق الذات والبحث عن الهوية، وهذيان الأمن الإجتماعي، والفصام الطائفي، فهل نحن الآن راشدين بما يكفي للإقرار بفشلنا؟ هذا من ناحية، ومن جهة ثانية اعترافنا بجميل كافة أشكال المجتمعات الصناعية والتي حتى في مراهقتها تسمو في فكرها السياسي على حالة الفجاجة الراشدة التي ولدنا في أجواء فلسفتها.
إن المُراهق يُريد بلهفة أن يرى ولو مرة - بنية التكرار- من جسد المرأة مايراه مثيرا لغريزته، وهو مهما فعل فلن يرى أفضل أو أجمل مِمّا رآه أجداده من أصناف وألوان النساء ملايين المرات منذ آلاف السنين، تلك هي السياسة وذلك هو الدين. فلا يتوقع المرء أن يرى من الحاكم شيئا جديدا وجميلا إن لم يُجبره الشعب على ذلك، ولا يُتوقعُ من الشيخ أو الداعية أوالراهب سوى التنظير بنية التكرار. إن ما يجمع بين الدين والسياسة والجنس إنه لحقا أمرٌ قد يجده المرء عجيب؛ فتلك المفاهيم لاتحتاج فقط سوى لكل شيء! كم تبدو للمُلتزم دوما غير مكتملة الأداء ومنتهية في آن واحد! تُحدّدُ للفرد إتجاه الطواف - بنية التكرار- وتترك له حرية تقدير مسافة الرحلة! إن سخرية الحرية السياسية تكمن في أن المرء قد يستطيع أن يفعل عكس مايُراد له أن يفعل، وبنية التكرار أيضا، لكنه لا يعرف قط ما الذي سيتكرر؛ أهو فرعون أم النمرود، أم قوم عاد وثمود؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على أبرز عمليات المقاومة عند حاجز النفق جنوب القدس


.. مصابة من غزة تودع زوجها الشهيد بعد قصف إسرائيلي طال منزلهما




.. المعارضة السورية تتلف كميات من مخدر -الكبتاغون- في مطار المز


.. رسام يمني يرسم شهيدا سوريا تضامنا مع سجناء الرأي في سوريا




.. ناشطون مؤيدون لفلسطين في اليابان يدعون وقف الحرب على غزة