الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حدود التناصّ والتأثر جمانة حداد وصباح زوين نموذجاً
محمد علاء الدين عبد المولى
2006 / 3 / 26الادب والفن
إن من فوائد بعض المذاهب النقدية الحديثة أنها أغرت القراء والنقاد والمتابعين بتركيز اهتمامهم حول عدد من القضايا الحساسة المتعلقة بمدى حداثة النص الشعري وجدته ومكانته في مرحلته الزمنية قياسا إلى النصوص الأخرى.
وقد حرضت هذه المذاهب الحديثة على التفكير منهجيا وبصورة لا سابق لها، في مفهومات (التناصّ) و(النصية) و(التفاعل النصي)...الخ وهذا يعتبر تتويجا لجهود نقدية قدمها بعض العرب في زمنهم لكنها لم تتخذ الشكل الممنهج الحديث الذي ما كان ليتوفر في حينه لهذه الجهود، مع أنها في النهاية معنية بالمشاغل النقدية التي تهتم بها المذاهب الحديثة...
وتشكّل موضوعات (التناص) و(التأثر) و(السرقة الأدبية) و(التلاصّ) مفاتيح مغرية لإقامة مقارنات بين نصوص شعرية جديدة وقديمة، أو نصوص لمبدعين كبار وآخرين ناشئين، أو لمبدعين كبار ولشعراء من العالم... ولكن المسألة تفقد مغزاها النقدي عندما نعرّضها لأهوائنا الشخصية حيث ستكف المقارنات عن أن تكون بحثا نقديا مستقلاّ غايته محددة في كشف علاقات التناصّ الحقيقي الذي يقوله النص الذي بين أيدينا وليس الذي في ذهننا، تكف عن ذلك لتتحول الى شكل من أشكال الإدانة المسبقة والمتعمدة لتبرير إطلاق أحكام جائرة بحق النصوص موضوع البحث.
لقد وجدت نفسي أمام هذه التداعيات النقدية وأنا أقرأ ما كتبته السيدة صباح زوين في مقالة عنوانها (حول كتاب جمانة حداد وعملية التقليد) (انظر موقع جدار http://www.jidar.net ) خاصة وأن الكثيرين يريدون معرفة حقيقة ما أشيع من أن جمانة (تسرق) نصوص غيرها وتعتاش عليها وأن ما سرقته هو الذي تسبب في شهرتها ونجوميتها)! والأمر أقلقني جدا حيث أنني منذ اطلاعي على تجارب جمانة حداد شكلت لدي موقفا إيجابيا جدا من تميز نصوصها، وذلك بحكم متابعتي النقدية لتجارب (قصيدة النثر) في السنوات الأخيرة، واعتبرت تجربة جمانة – مع عدد قليل من التجارب الجديدة) نقطة تحول مهمة في سياق المشهد الراهن والسابق لقصيدة النثر.
وكانت مقالة صباح زوين المذكورة هي الحكم النهائي عندي، وأنا اشكر السيدة صباح نشرها لهذه المقالة لأنها أوصلتني للحقيقة التي أبحث عنها، إذا لم أكن أرضى على ذائقتي وخبرتي أن أكون إلى هذا الحد مغشوشا بتجربة جمانة حداد.
ومع أن من حقي أن أقدم وجهة نظري في الموضوع فقد عرضت مقالة السيدة صباح زوين على عدد من القراء والقارئات لأصغي إلى آراء آخرين لا تجربة نقدية لهم ولا تجمعهم بالاسمين غير الاطلاع والمتابعة، فحصلت على ردود فعل متقاربة إلى حد التطابق مع ما سوف يدور في وجهة نظري هذه...
سأتجاوز هنا عددا من الأفكار التي طرحتها صباح زوين حول ما هو الجديد الذي أتت به جمانة حداد في كتابها (عودة ليليت) أو ما يتعلق بالجنس في النص، والبورنوغرافيا... الخ مرجئا ذلك إلى مقالة أخرى، وسأكتفي الآن بمناقشة الأمثلة التي أوردتها صباح في سبيل تبيان أن جمانة حداد متأثرة بها وبنصوصها... فقد أثارت هذه الأمثلة فضولا نقديا ومعرفيا لديّ بقدر ما أثار من الاستغراب والدهشة.
تذكر صباح أن جمانة (أرادت أن تسمى جريئة وجديدة من خلال الكز والنقل) وحسب رأيها فجمانة تنقل نقلا صريحا الشكل واللغة والأسلوب من كتابين لصباح زوين.
والحقيقة فالأمر خطير عندما يتم إعلانه هكذا، لأنه يوحي للقارىء فعلا أن جمانة تغزو غزوا شاملا على كتابي صباح وتسرق منهما كل شيء، لغة وشكلا وأسلوبا. أين يتجلى هذه النقل المباشر والصريح؟ تجيب صباح: في (هذا اللهاث في صناعة الجملة، هذا الركض، هذا الشغف، هذه الحدّة في القول، هذه الخربطة في تركيب الجملة، كل هذا منقول نقلاً ولا أستطيع سوى أن أعلنه عالياً. حداد نقلت كتابة صباح زوين أجواءً وأسلوباً، لكنها فعلت ذلك بركاكة فادحة إذ ما لقطه عقلها هو هذه "الخربطة" في الجملة فحسب دون أن تعي لا تقنية هذه التركيبة ولا المعنى الذي خلق هذا الأسلوب.)
ما هي (الخربطة) في تركيب الجملة؟ هل هو إنجاز تستأثر به صباح أو جمانة أو ويدع سعادة أو عقل العويط أو أنسي الحاج؟ ولاسيما هذا الأخير معروف بتفكيكه للجملة العربية تفكيكا وصل حدّ العبث بها، وإذا كانت خربطة الجملة تأثرا بأحد فلنقل إن صباح زوين متأثرة بخربطة أنسي الحاج للغة. على أية حال، أليست (خربطة) الجملة سمة من سمات الكتابة الشعرية الحديثة؟ و(الخربطة) تعني بلغة أخرى إعادة بناء الجملة العربية بشكل يوحي أنها جملة تناسب التجربة الحديثة في العلاقة مع اللغة، لأن اللغة هي المجال الأبرز الذي يتبارى فيه الشعراء في تقديم مهاراتهم وتقنياتهم وسحرهم الخاص، ومن لا يقدم ذلك سيخرج من ميدان اللعبة لأنه سيكون باهت اللغة وتقليديا مقلدا للمعجم الحرفي للغة. إن تجربة الحداثة تعني أن يعيد الجميع شكل علاقتهم بلغتهم وإلاّ فليكفوا عن ادّعاء الانتماء إلى الحداثة... ليس هذا فحسب، بل وليكفوا عن الانتماء للإبداع، إذ ليست القصيدة الحديثة وحدها معنية بتجديد العلاقة مع اللغة، إن المبدعين الكبار عبر تاريخ الإبداع البشري كانوا هم المعنيين بتطوير اللغة وتحديثها وتثويرها من منطلق أنهم (مبدعون) وليسوا (مقلدين) فسواء أكانت (خربطة) الجملة موجودة عن صباح زوين أم عند غيرها فالأمر لا يعني أن جمانة متأثرة بها، لأن جمانة في هذه الحالة متأثرة بطبيعة انتمائها إلى العلاقة الجديدة مع اللغة. ولنفترض أن لغة جمانة ليست فيها (خربطة) للجملة، هل ستكون عندها غير متأثرة بصباح زوين؟!. وما تراه صباح من (لهاث في صناعة الجملة والشغف والحدة في القول) هي كلها صفات أي مبدع يسعى للاختلاف النمط التقليدي للغة. وحسنا فعلت جمانة بهذا اللهاث في صناعة الجملة وهذا الشغف وهذه الحدّة في القول فهي بذلك تثبت محاولتها تقديم لغة تنتمي حقا إلى حقل اللغة الإبداعية، وليس مطلوبا منها (برودة في اللغة مقابل اللهاث) ولا(كرها للغة مقابل الشغف) ولا(جبنا في العلاقة مع اللغة مقابل الحدة) حتى تبرىء نفسها من التأثر بلغة صباح زوين. وإذا كانت لغة زوين تتمتع بالمواصفات نفسها فهذا من إيجايبات لغتها ومن حقها، وهي بذلك ليست متأثرة بأحد... هذا كل ما في الأمر. وتتمتع لغة جمانة بالمواصفات نفسها لا يعني تأثرا بلغة أحد كذلك.
أما إذا كانت السيدة صباح تعتقد أن هذا اللهاث والشغف والحدة في القول هو ما يحدد (أسلوب) المبدع – وهي تعتبر الأمر كذلك لتتهم جمانة بأنها تقلد أسلوبها – فالأمر ليس كذلك في حسابات اللغة النقدية. إن الأسلوب ليس كذلك.مع أننا مع صباح في أن الأسلوب لا يكتبه سوى صاحبه، لكننا نتخذ كلامها لنعيده إليها في أن أسلوبها ليس أسلوب جمانة وأسلوب جمانة ليس هو أسلوب صباح... لأن الاثنتين تعاملتا مع الحدة في اللغة وباللهاث في صناعة الجملة والشغف في العلاقة معها بطريقة مغايرة تماما بحيث بقي الأسلوبان متمايزين أحدهما عن الآخر.
ولنقرأ مثالا تذكره صباح من أحد نصوصها يظهر فيها فهمها لخربطة بناء الجملة وكيفية استخدام بعض المفردات:
((وأذكر شمس تلك الظهيرة لمّا في القطار كنت، في القطار لمّا من مدينة إلى أخرى، وكنتُ في القطار خاثرة القوى، منهكة، كنتُ غائبة، مائتة ومخضدة كنتُ، في العمق، في الصميم، ولم أقوَ على شيء، كيف ركضتُ ذلك اليوم من محطة إلى أخرى كيف، والحزن والجرح وكنتُ كيف والخيبة والجنون والصمت، وكنتُ كيف ولم أستطع البكاء، شمس المدينة الجميلة على الأرصفة وعلى قرميد البيوت، الأصيل فوق السطوح القرميدية، كانت كالموت صافية متوهجة، لمّا انتفخ السؤال وصرتُ جسدي أجرجره من شارع إلى آخر، الجسد الذي متكسّر والمهشّم الذي...))
أتساءل كقارىء بسيط هنا ما صلة هذه التراكيب باللغة العربية (وكنتُ كيف والخيبة والجنون والصمت، وكنتُ كيف ولم أستطع البكاء) و(الجسد الذي متكسّر والمهشّم الذي...))؟ هذا ليس تفكيكا للجملة العربية بقدر ما هو استهانة بها وعبث بها، وإلا فبإمكاننا أن نهدم بنيان الجملة وقواعدها وترابطها المعنوي ونعيد توزيع أحجارها على مزاجنا الخاص بل والشخصي، وعندا ستظهر الجملة مبتورة الساقين والذراعين ولا قيمة جمالية لها... كما هو واضح من هاتين الجملتين المذكورتين قبل قليل...
وعندما تسرد صباح الأمثلة التي ترى فيها حجتها النقدية على سرقة جمانة لها، يزداد الأمر غرابةً. فهي ترى في الجملة التالية (جسد القطارات الراكض الراكض جسد سطوح القرميد) أحد السرقات التي تضع اليد عليها عند جمانة... لأن صباح استخدمت في نصوصها (السطوح القرميدية والمدينة القرميدية وقرميد البيوت والجسد والركض...)
كما ترى في مفردة (الجسد) شيئا مشتركا بينها وبين جمانة وتتهم جمانة بأنها(استخدمت المفردة برتابة مزعجة أي بدون تقنية) على اعتبار أنها مفردة استخدمتها صباح بتقنية خاصة... وتقول (ماذا تفعل مفردة "جسد" في كتاب حداد فجأة)؟ وتقول (فليعد القارئ إلى كتابَيْ صباح زوين وليرَ كم تكرّرت مفردة "جسد" لكن في معانيها الكثيرة وفي تقنية. )
أتساءل وكلي دهشة حقا: أي كاتب وكاتبة في العالم كله لا يستخدم مفردة الجسد بتقنية خاصة وغير خاصة؟ بشكل إبداعي وغير إبداعي؟ حتى تدعي صباح أنها مفردة تتكرر عندها وأن جمانة أخذتها منها؟ كم من الهشاشة النقدية يحمل هذا المثال؟ كم من عدم إقناع ينطوي عليه هذا الطرح؟ لنقل إذا أننا جميعا متأثرون بالسيدة صباح زوين، ولا سيما نزار قباني، لأنه تجرأ واستخدم مفردة الجسد... هل ميزة أنها تستخدم مفردة الجسد بتقنية خاصة؟ ما وظيفتها إذا كمبدعة؟ أن تستخدمها بتقنية غير خاصة؟ هل تمنّ علينا بأنها تقوم بما هو مطلوب منها من توظيف المفردة الشائعة في تقنية خاصة؟ وهل إذا استخدمت جمانة المفردة ذاتها كان عليها أن تستخدمها بتقنية غير خاصة حتى لا تتأثر بصباح زوين؟ أما وجدت صباح مفردة أكثر خصوصية من الجسد تقنعنا بها أن جمانة سرقت منها؟
والمدقق في بقية الأمثلة سيجد أنها أمثلة تدور كلها فيما هو شائع بين الكتاب صغارهم وكبارهم.وحاولت فعلا العثور على ما هو جدير بأن تستأثر به السيدة صباح فلم أعثر... ولنستعرض هذه الأمثلة...
(جدران البيوت)!... وتتساءل (ماذا تفعل جدران البيوت) في كتاب جمانة؟ (علما أن جدران البيوت كثر استعمالها في "البيت المائل" ) وهو عنوان كتاب لصباح... وتتساءل أيضا (ماذا تفعل الجدران والبيوت القرميد (إضافة إلى القطارات وهي معالم مدينية في كتاب ادّعى الأسطورة) تقصد (كتاب عودة ليليت لجمانة).
تقول صباح:
(أقع هنا على إحدى ركائزي الكتابية "كم"، والحمد لله أن السيدة حداد لم تستعمل البقية (أي، أو، لمّا، كيف، لم، مائلة). فلديّ استعمال خاص لهذه المفردات، من بينها "كم" التي وردت في "لأني وكأني ولست" مراراً وتكراراً وأحياناً في الصفحة الواحدة خمس أو ست مرّات، وفي السطر الواحد مرتين أو ثلاثة!)
كان على جمانة حداد أن تكمل سرقتها وتأثرها بأسلوب صباح زوين الخاص جدا في أن تستعمل مفردات (أي – أو – لمّا – كيف – لمَ) وإلا كيف تتجرأ على استخدام مفردة (كم) التي هي من الركائز الكتابية عند صباح؟ ولديها استعمال خاص لهذه المفردات ومن بينها كم؟؟؟
لا أدري لماذا أشعر بأن السيدة صباح تستخف بذائقة أي قارىء عادي، فكيف إذا كان قارئا مختصا بالشعر الحديث واللغة العربية ومذاهب النقد القديم والجديد؟ هل تصدق صباح نفسها أولا عندما ترى في هذه الأدوات النحوية (كم – أي – أو – لما – كيف) مفردات خاصة بها؟ إذا كانت تصدق نفسها ففي الأمر خلل ذهني يحتاج إلى شفاء عاجل... وإلا سنجد السيدة صباح بعد فترة تقول إن سيبويه وابن جني والجرجاني وابن خالويه متأثرون بها... بل وقد تعلن أنها هي من أسس المدرسة الكوفية والبصرية في النحو واللغة وليذهب ابن فارس وابن جني وابن خالويه وسيبويه إلى الجحيم فهم سارقون أفاقون... ومن اليوم فصاعدا فعلينا نحن الأدباء والشعراء والنقاد اللغويين أن نخجل من أنفسنا ونكف عن سرقة (ركائز الإبداع عند صباح زوين) بل وعلينا أن نعترف بأنها مؤسسة قواعد اللغة العربية وواضعة النحو العربي...
وإذا أرادت صباح إقناعنا بخصوصية ما لأسلوبها نراها تربط مفردات (لأني وكأني ولست) بهمّ وجودي كبير وتتساءل:
((ما علاقة هذا التعبير الذي اخترعته صباح زوين، أي تعبير "لأني وكأني ولستُ"، لعلاقتها الحميمة بمعناه الوجودي وإشكاليته اللغوية، ما علاقته إذن بسيدة لا تصل إلى أبعد ما وصلت إليه من معنى.))
وتتناسى صباح أن أنسي الحاج في أول مجموعة له تجرأ وسماها (لن) وأن نزار قباني سمى إحدى مجموعاته (لا) وسمى غيرها(أنتِ لي) أي أن توظيف هذه الأدوات النحوية في عناوين كتب ليس جديدا. وهو من حيث المبدأ يدل على رغبة صاحب العنوان في تقديم رؤيا ما من خلال إعلان اسم الكتاب على هذه النمط المثير واللافت... ولكل صاحب عنوان الحق في أن يكون له علاقة حميمية بالمعنى الوجودي للعنوان... وطبعا ينجح كل منهم حسب ثقافته ورؤيته الخاصة في إقناع المتلقي بهذا المعنى الوجودي لهذا النمط من التسميات التي تصب في النهاية في الفهم الصوفي للغة والحروف ولا أدري إن كانت الرؤى الصوفية للغة من ابتكار صباح زوين كذلك ونحن لا ندري...
وتتابع صباح زوين بحثها (النقدي المعرفي المقنع) في سرقات وتأثر جمانة حداد بها فتكتشف وجود مفردة (السقطة) وتجد أن (مفردة "سقطة" كما كثير من المفردات التي استعملتها أنا في "البيت المائل" نادرة الاستعمال وشبه غائبة عن التداول (فعلت أنا ذلك لأسباب لغوية لن أدخل الآن في تفاصيلها) وجدتُها في كتاب حداد)
نشكر السيدة صباح لأنها ذكرتنا بمفردة السقطة النادرة الاستعمال وشبه الغائبة عن التداول... (كذا)... وعلينا أن نعيد النظر في فهمنا البسيط والبدائي عندما نستمع إلى هذه المفردة كل يوم على الفضائيات العربية في برامج الفن والثقافة والسياسة على حد سواء... لا أحد يستعمل مفردة (سقطة) غير صباح زوين. وواقعنا العربي الحمد لله لا يجعلنا نستعمل المفردة كل يوم عشرين مرة، لتوصيف الحال الثقافية والسياسية والنهضوية والأخلاقية... إضافة إلى أن الكلمة ليست راسخة في أذهاننا نحن أبناء الشرق المسيحي والإسلامي، وليست المفردة جزءا من نظرتنا إلى الكثير من الأمور منذ سقطة آدم حتى آخر سقطة لفنانة أو فنان أو ناقد أو زعيم سياسي... المفردة مسحوبة من التداول وهي برسم صباح زوين تحديدا... وعلينا أن نشير كلما استعملناها إلى مصدرها الحصري...
***
في القراءة النقدية التحليلية لهذه الأمثلة وما وراءها وما يشبهها نقول: لم تمتلك السيدة صباح زوين المفتاح النقدي الحقيقي للموضوع، وربما كان السبب عائدا إلى أنها غير معنية بالبحث بطريقة نقدية منهجية في علاقة الأمثلة المذكورة بها، وإلا فقد تصل إلى نتائج لا تقنعها، لأن البحث النقدي سيوصل إلى أن كل ما ذكرته لا يشكل حجة نقدية على صحة التهمة الموجهة...
وقد برز الوجه غير النقدي من خلال ثنايا مقالتها حيث كانت تستعمل تعبيرات مثل:
(وإحدى دلالات هذه المسخرة في كتاب حداد...) و(افتحوا كتاب جمانة حداد لتروا كيف نقلت...) (وماذا تفعل لغتي في كتاب جمانة...) (والحمد لله أن جمانة لم تستعمل... ) و(أطلب من القارىء أن يعود إلى هاتين الصفحتين...) (افتحوا كتاب السيدة في ص ... لتروا كيف نقلت...)
لتسمح لنا السيدة صباح ونطلق على أسلوبها هذا بأنه مثال حي على لغة (الرّدح) التي يستعملها الكثيرون منا في مجال تعبيرهم عن مواقف شخصية جدا ولا تمتّ للغاية النقدية بأي صلة. وهو أسلوب يؤثر على مصداقيتنا ويأخذ مسار كتابتنا نحو أهداف مسبقة تحركها نوايا لا علاقة للنقد بها...
لم أجد في مقال صباح زوين مصطلحا نقديا واحدا، ولا مفهوما نقديا واحدا تستند إليه في رؤيتها حتى يكون الخلاف على أرضية منهجية واصطلاحية وليس على أرضية مسبقة الصنع.
إن ما ذكرته من أمثلة غير مقنعة يدخل في باب المشترك الإنساني الطبيعي والذي لا يحتاج إلى نقاش أصلا. وما رغبتها في نسبة هذه التعابير والأنماط اللغوية لها إلا من باب التعالي على الآخرين والادعاء بامتلاك ملامح أسلوبية خاصة علما أن الملامح الأسلوبية والفنية والجمالية لا تصنع بهذه الطريقة... فعلى طريقتها في وضع معايير التأثر والسرقة فنحن جميعا متأثرون بها وحدها... بل وكأنه علينا سحب معاييرها إلى الوراء لتفعل مفعولا رجعيا بحيث نعيد لغة كل الشعر والنثر العربيين إلى معجم السيدة صباح زوين...
إذا صغنا المسألة نقديا وعدنا إلى مصطلح التناص فسوف نجد أن جمانة حداد إنما تقوم بتوظيف قراءاتها وحسها اللغوي في نصوصها، ومن المشروع للجميع أن يقوموا ببناء نصّ إبداعي يظهرون فيه مدى خصوصية علاقتهم باللغة العربية من جهة، وخصوصية علاقتهم بالمنجز الإبداعي والنقدي في زمنهم...
وما رأيناه من أمثلة على التأثر (التناص بلغتنا هنا) كان فاقدا لأي مبرر يمكن الاستناد إليه في جعل هذه الأمثلة صناعة خاصة بالسيدة صباح، وإنما هذا معجم عربي ملك الجميع ومن حق الجميع الانتفاع الجمالي منه، ولا أحد يستأثر به.
إن التأثر الذي يصل حد السرقة والنقل (كما تريد صباح) يحدث عندما يقوم صاحب النص السارق بنقل الدلالات الفنية الخاصة بهذه الجملة أو الصورة أو الرمز... هنا نختلف بشكل منهجي، حول من أعطى دلالة خاصة تتيح له الادعاء أنه سبق الآخرين في ابتكار نمط دلالي جديد في هذا المقام أو ذاك؟ بناء على ذلك لا يمكن لعقل نقدي التسليم بأن أدوات اللغة العربية (كم ومن وأي وما ولم وكيف) تمتلك أي دلالة فنية جمالية خاصة بها... ومن الاستخفاف واحتقار العقل أن نتجرأ فنزعم أن من يستخدم هذه الأدوات فهو متأثر بفلان أو فلانة...والأمر لا يحتاج إلى نقاش برأيي، فهو من المسلمات.وقد رأيت من نصوص جمانة بشكل عام (وليس في عودة ليليت فقط) أنها لا تنشغل بشكليات هذه الأدوات ولا تلعب بها لعبا مجانيا، بل رأيتها تستعملها في سياق الانتماء إلى اللغة العربية بجمالياتها العميقة، بحيث لا تفقد الجملة عند جمانة علاقتها الأصلية بروح اللغة العربية، لأنها لا تخرب بناء الجملة ولا (تخربط) منطق الجملة خارج الحاجة الفنية والجمالية للحظة الإبداعية.
تقول جمانة في (عودة ليليت):
(أنا العتمة الأنثى لا الأنثى الضوء. لن يحصيني تفسير ولن أرضخ لمعنى. وَصَمتني الميتولوجيا بالشرور ورشقتني النساء بالرجولة، لكني لستُ المسترجلة ولا المرأةَ اللعبة، بل اكتمال الأنوثة الناقصة. لا أشنّ حرباً على الرجال ولا أسرق الأجنّة من أرحام النساء، فأنا الشيطانة المطلوبة، صولجان المعرفة وخاتم الحب والحرية.
أنا الجنسان ليليت. أنا الجنس المنشود. آخذ لا أُعطى. أعيد آدمَ إلى حقيقته، والى حواء ثديها الشرس ليستتبّ منطق الخلق.
أنا ليليت المخلوقةُ الندّ والزوجةُ الندّ
ما ينقص الرجل كي لا يندم
وما
ينقص
المرأة
كي
تكون.)
ليس هناك خلل في منطق النحو مهما لعبت بالضمائر والأدوات على العكس من الجملتين التاليتين لصباح زوين التي تستشهد بهما صباح نفسها على أنهما شيء مميز عندها وخاصة من خواصها التي تأثرت بها جمانة:
1 ـ (وكنتُ كيف والخيبة والجنون والصمت، وكنتُ كيف ولم أستطع البكاء)
2 ـ (الجسد الذي متكسّر والمهشّم الذي...))
حيث نفاجأ هنا بكسر المعنى لمجرد العبث ببناء الجملة ولا لسبب آخر، وهذا قد يضمر فهما ساذجا لمفهوم تحديث بناء الجملة الشعرية... لأن تحديث الجملة لا يعني الإطاحة بمنطقها الداخلي المتعلق بالسلامة اللغوية التي تعني في النهاية وضوحا في الرؤيا والصورة والأسلوب. إن اللغة العربية ترفض هذا التركيب (وكنت كيف والخيبة والجنون) كما ترفض بشدة هذا النشاز النحوي الفظ والصارخ (الجسد الذي متكسر والمهشم الذي...) هذا يدل على تعامل خارجي مع اللغة والحداثة معاً. مما لم أجده في نصوص جمانة حداد التي قرأتها لها...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس