الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يخدعنا ؟ عماد راضي مواطن في جمهورية الفقراء !

محمد القصبي

2018 / 7 / 18
الادب والفن


لاأحبذ هذا ..أن ينشطر غلاف عمل أدبي عن متن الداخل باستهلالية لأحد كبار الأدباء ..
لم أفعلها في رواياتي ومجموعاتي القصصية العشر ..وحين تباغتني استهلالية من هذا القبيل أشعر بأن كاتبها ..وبسعي من مؤلف العمل يريد أن يفرض عليّ بدءا شروطه في القراءة ،أو على الأقل رؤيته للعمل .
قد يكون لدى آخرون رؤية مغايرة لرؤيتي تلك ..لكن هكذا كان حالي مع مسيرتي كمتلق للأدب عبر أكثر من نصف قرن ..
لذا لم أشعر بالارتياح حين استعان الصحفي والقاص د. عماد راضي بالشاعر الكبير بهاء جاهين ليكون عيني ..بل وكل قرون استشعاري وأنا أغوص بين سطور مجموعته القصصية "العازفون على أوتار الفقر "
فإن كان من الحتمي أن يقدم للمجموعة عبر أحد الكبار ، فماذا لو أزاح ماكتب هذا الكبير إلى مابعد الصفحة الأخيرة لقصص راضي ؟ أظن حينها ..قد ينعم المتلقي بمتعة المقارنة بين قراءته للمجموعة وقراءة كاتب كبير مثل جاهين ، أما نبع المتعة فيفيض حين يجد المتلقي نفسه قد استشعر مواطن ثراء أو حتى عوار غابت عن كاتبنا الكبير ..هذا يمنحه إحساسا مشروعا بالفخر ..وقد يتفق معه أو يختلف في بعض الرؤى ..في النهاية تضيف المقارنة متعة إضافية للمتلقي ..
على أية حال ثمة اتفاق من الطبيعي ان ينتهي إليه كل متلق لمجموعة "العازفون على أوتار الفقر " ..مع ما استشعره جاهين ..أن "راضي" مهموم بقضية الفقراء .. ليس مهموما فقط .. بل قدر له أن يكون أحد مواطني جمهورية الفقراء .. يتجرع ككل مواطنيها الحرمان حتى من حتمية الضروريات ..كما يبدو في قصته " الوليمة " صفحة 14.. فإن تحققت له تلك الضرورة الحتمية ..رغيف وطعميتين ليبقى يتنفس ..ينتشي بسعادة غامرة ..
فالراوي –ضمير المتكلم – حين يتلقى أول راتب من عمله بعد تعيين كان نتاج عملية قيصرية استمرت سنوات أربع ..يطير في الشوارع على أجنحة البهجة وقرار انتهى إليه بتناول وجبة تاريخية ..ليستقر أمام مطعم فول وطعمية ..ويفاجأ بأن طفل وطفلة يزاحمان ليصلا إلى البائع ، فتدس الطفلة في يده قطعة نقود يتطلع إليها البائع بضجر ..ويسألها عما تريد فتقول : رغيف وطعميتين ..يتابع الراوي الطفلة والطفل وهما ينسلخان من الزحام ويكاد يسمع خفقان الفرح في قلبيهما الصغيرين ..لتتقزم أحلام الراوي من وجبة تاريخية حين يصبح في مواجهة البائع الذي يسأله عما يريد فيردد بدون تفكير " طعميتين ورغيف .
وكأن قوة وبلاغة عرض قضية الطفلين الفقيرين ..وتفاعل الراوي معهما بشكل عفوي بدا وكأنه بساط ريح ينقلني من مقعد المتلقي المستريح في شرفة منزله وبدون قرار.. لأجدني أزاحم الطوابير لأصل إلى البائع في المطعم الشعبي في جمهورية الفقراء وأردد بدون وعي : طعميتين ورغيف !!!
إذا من خلال قصة الوليمة وغيرها من قصص المجموعة يبدو المؤلف وكأنه يروج لنفسه بأنه يحظى بالمواطنة في جمهورية الفقراء ..
لكنه في الحقيقة يخدع متلقيه ..
فمثله ينتمي بحكم منطق وظيفته كصحفي في إحدى أكبر المؤسسات الصحفية العربية " مؤسسة الأهرام " المصرية ، وتبنيده في فئة حملة رسائل الدكتوراه .. لايمكن أن يكون مواطنا في جمهورية الفقراء ..
لكن من يعرف تلك الحقيقة عن المؤلف لايملك سوى أن يهتف له بإعجاب : رائع !!
فما أجمل أن ينجح الكاتب في تسويق أكاذيبه على أنها حقيقة مؤكدة ..لكن الأجمل من ذلك حين يستطيع الانتقال بي من خانة المتلقي الى خانة المتفاعل..مع الحدث..بل والمشارك فيه عبر مخيلته ..
ذروة النجاح تلك بلغها عماد راضي في قصته الوليمة والعديد من القصص الأخرى ..لكنه أخفق في تحقيق ذلك عبر قصته "الموت أفضل "صفحة 53" وسلب قارئه متعة الإحساس بالتفاعل والمشارك في الأحداث حين نبهه منذ البدء بأنه مجرد متلق ..حيث يستهل القصة بسؤالين ثم يقول له : إذا كنت قد فعلت فقد رأيت بوضوح ملخصا للقصة التي سأحكيها لك !
إنه ينبه القاريء ومنذ البدء إلى دوره ..مجرد متلق ..مستمع لما يروى له .
ولقد فاجأني الكاتب بما يبدو غير مسبوق في القص القصير ..
ففي صفحة 64 وتحت عنوان "عطاء" كتب المؤلف اربعة اسطر..ظننتها للوهلة اﻷولى حكيا مما يبند في خانة "القصة الومضة"..وانتابني احساس باﻻرتياح..حيث يبرهن الكاتب او ﻻيبرهن على مقدرة في الحكي..قد تستعصى حتى على الكبار ..فالقصة الومضة تنطبق عليها المقولة الشائعة "السهل الممتنع"..لكني بوغت حين انتهيت من قراءة السطور اﻷربعة .. إنها في الحقيقة تنويه لقصة آتية..حيث يشير الكاتب الى الحين المبكر الذي أبدع قصته الآتية "عام 1997" وما كان قد برح سنى الدراسة الجامعية بعد
..وما اظنه باﻻستهلال الحتمي ..بل أراه عبئا على الحكي ، ..فإن كان من الضروري التنويه بزمن كتابتها فيكفي الإشارة إلى ذلك أسفل الصفحة الأولى ..وهذا التزييل يمكن أيضا ان يصاحب قصصه الأخرى..وقد يضيء هذا التنويه بصيرة القاريء ، فيكون على بينة بمراحل تطور موهبة الكاتب..

وما كانت قصة واحدة التي نوه لها الكاتب بتلك الاستهلالية ..بل قصص أربع ..أو هي قصة واحدة بأربعة وجوه أو زوايا .. عبر كل زاوية نلم بتفاصيل الحدث والمكان والشخوص من المنظور الخاص لأحد الأبطال ..
..إنها ديموقراطية الحكي ..حدث واحد تتباين حوله التأويلات المنبثقة من رؤى من شاركوا في صنعه ..وديموقراطية الحكي هذه ليست جديدة ..ثمة تجارب لكتاب كبار في هذا الشأن ، لكن الغريب في تجربة عماد راضي وربما مستهجنا من قبل شريحة من القراء وقد يكون مستحبا من شريحة أخرى ..عنونة كل قصة أو جزء بعنوانين ، فالجزء الأول مثلا عنونه ب "ثراء " وذيله بعنوان آخر " الغريب " ،وهكذا ..
وأود أن أسأل الكاتب ..لو اتيحت لك خوض تجربة إبداعية مماثلة الآن ..وبعد 21 عاما من تجربة الخطو الأول هذه ..اكان مسلكك يسير على النهج ذاته ، في العنونة والاستهلال لقصتك متعددة الوجوه تلك ؟!
على أية حال تجربة ديموقراطية الحكي هذه كان يمكن أن تكتمل وتنضج..لو اتاح الكاتب الفرصة ايضا للشرير زغلول صاحب المقهى ليحكي ..وربما قد يضيء حكيه ادغالا من انسانيته غابت عن المتلقي..صحيح أننا رأيناه عبر مناظير أربعة ، الثري الغريب ،محمود صبي المقهى ،صابر ماسح الأحذية ، سامح صبي الورشة ، وكلها رؤى أجمعت على أنه شرير ، لكن ماذا عن رؤيته هو لنفسه ولمن حوله ؟ أليس واردا إن أتاح له الكاتب فرصة الحكي نراه ضحية ظروف ما ، تجعلنا نسرع إلى تطهير دواخلنا من مشاعر الكراهية نحوه لتفيض نظرتنا له بالشفقة والرثاء مثلا ؟!!
وكأن كاتبنا عماد راضي يبدو في قصته هذه متأثرا بديموقراطية العرب العرجاء ..ديموقراطية أحادية ..من بيده السلطة فليحك كيفما شاء .. أما الآخرون فهم محرومون من فرصة التعبير ..إلا إذا كان بالتصفيق !!!

وكما يبدو في العديد من قصص المجموعة يهتم القاص عماد راضي بالتفاصيل الكثيرة ..مثل كتاب سيناريو المسلسلات التليفزيونية..وقد يكون هذا مطلوبا اكثر في الحكي الروائي...اﻻ ان الكاتب في الغالب ﻻيفقد خيط السرد بكل ماينطوي عليه من منطقية فنية كما هو الحال في قصته ذات الوجوه الأربعة " ثراء " ، "انتماء" ، " روماتويد"، و"غيرة "حيث يغرقنا الكاتب عبر 45 صفحة في تفاصيل صغيرة وقد تكون هامشية في وصف المكان...اﻷشخاص - وهم كثر- بما يتجاوز المألوف في القص القصير من محدودية اﻷبطال " على أية حال تلك القصة بصفحاتها ال 45تعد قصة طويلة "..
لكن المتلقي حتى لو بدا متسائلا عن اهمية كل هذا الحشد من التفاصيل والشخوص العشرة ..اﻻ انه سينتهي الى ان الكاتب نجح في توظيفها في البنية المعمارية للقصة بشكل يثير الإعجاب ..خاصة حين يتذكر ما قاله الكاتب عبر استهلاليته رباعية السطور انه كتبها في السنة اﻷخيرة لدراسته الجامعية ..اي في الخطو الأول لمسيرته اﻷدبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?