الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل القطاع العام في سوريا؟

نضال العبود

2006 / 3 / 26
الادارة و الاقتصاد


من يعمل في القطاع العام في الوقت الحالي يرى العجب العجاب و يشعر المرء بأنه يعيش في مجتمع شريعته شريعة الغاب، القانون فيه للأقوى و لأقوى هنا هو الأقوى فساداً و الأوضع منزلةً و الأسفه رأياً و الأحط أخلاقاً إذا ما اعتمدنا سلم القيم الذي تم تعليق استخدامه أي عندما كان الحق حقاً و الباطل باطلاً... فالقانون شكلي مطاط بحسب مقاسات الذين ينفذونه فيما إذا كان التنفيذ يخدم مصالحهم و يملأ جيوبهم التي لا قرار لها و إلا فمصيره الأدراج .

عملياً، بوشر بنهب و تخسير مؤسسات القطاع العام وفق عملية ممنهجة مستمرة منذ عقود، قامت بها طبقة قليلة العدد طفيلية من المستفيدين في إضعاف وطن بأكمله و تفقير شعبه تحت يافطات و شعارات براقة مختلفة الأشكال و الألوان و بحسب كل مرحلة نهب، فمنها التكتيكية المرحلية و منها الدائمة الاستراتيجية، فكانت بمثابة السم المدسوس في الدسم.

توفرت للقطاع العام شروط و بيئة عمل مثالية لينمو و يزدهر و يتطور بعيداً عن المضاربة و ضمن سياسة اقتصادية حمائية جعلته يستحوذ على كامل السوق دون سواه مستفيداً من منظومة القوانين الاشتراكية التي أطرت جميع مرافق الدولة و المجتمع و صبغت السياسة التي سادت المرحلة بلون واحد مع تحريم و تجريم سواه.

بالرغم من هذه الشروط الملائمة الكفيلة بنقل سوية القطاع العام إلى مستويات رفيعة إلا أن حصيلة عقود من العمل كانت سلبية للغاية و خلفت خسارات بمليارات الليرات السورية التي لا يمكن أن تكون خاسرة من الناحية النظرية مهما كان المقياس الذي نعتمده أو نضعه لتقييم هذا القطاع. و إذا كان الفساد كما تقدّم و كما أصبح واضحاً للجميع هو السبب الأساسي في خسارته و من ثم الشروع في خصخصته دون أن تعمل الحكومة على التقليل من آثار هذا الفساد و تجفيف منابعه و الضرب على أيدي متبنيه و معتنقيه و منفذيه بغية رد الاعتبار له ليعود من جديد رافعة لتحقيق التنمية المستدامة و تجنيب الأجيال القادمة فقراً أشد قسوة و مرارة .

ما ترمي إليه الحكومة بمقولتها "الاندماج في الاقتصاد العالمي" كشعار للخطة الاقتصادية القادمة ما هو إلا إضعاف لهيبة الدولة لصالح الشركات العابرة للقارات التي تريدها قوى العولمة الأمريكية أن تصبح في خدمتها و تمارس دور الشرطي على شعوبها مع ما يعنيه ذلك من انتقاص للسيادة الوطنية و انتهاك للخصوصية و تهديد للهوية الوطنية، هذا بالضبط ما سيحصل عندما تحرر الدولة تجارتها و تفتح حدودها و أسواقها لبضائع العولمة مع ما يرافق ذلك من هزات مجتمعية قد تهدد السلم و الأمن الاجتماعيين.

لقد تفشت في جميع زوايا القطاع العام جميع الأمراض التي يعاني منها المجتمع و زادت حدتها هنا و غدت أضعافاً مضاعفة لوجود مكاسب مادية محسوسة يمكن الحصول عليها مباشرة و بطرق سريعة. فثقافة الفساد التي تمّ تعميمها و نشرها على نطاقات واسعة طالت الكبير و الصغير و دكّت معاقلاً كانت في السابق عصيةً عليها كالتربية و التعليم و القضاء سببها سيطرة الإيديولوجية الشمولية التي تفسر كل شيء بأي شيء، و غاب العقل و المنطق و سادت النزوة و الرغبة و الشهوة الفردية بتقهقر واضح و ملموس من الحالة الإنسانية إلى الحالة الحيوانية البهيمية.

أما العوامل الذاتية لفشل القطاع العام فيمكن حصرها في الحزم التالية:
- المركزية الشديدة في الإدارة و التخطيط مع ضيق صلاحيات و هوامش عمل المؤسسات و الشركات الطرفية.
- الفشل في تنمية الموارد البشرية بالرغم من الكتل المالية الضخمة المخصصة لها.
- ثبات سلم الرواتب و الأجور و عدم مراعاة طبيعة العمل و التخصصات العلمية.
- ضعف البنية التنظيمية و التشريعية و القانونية و اهتلاكها و عدم مراعاتها للتطور و التحديث الجاري في عالم اليوم و عدم مسايرتها و مجاراتها لطبيعة المراحل المتجددة باستمرار.
- غياب البحث العلمي الكفيل بنجاح أي مشروع أو استثمار اقتصادي.
- توزيع المراكز و المناصب على أساس من المحسوبيات و الولاءات و العلاقات الشخصية و الوجاهات الاجتماعية و الانتماءات الحزبية.
- تغييب الخبرات الحقيقية و تهميش الشهادات العلمية العليا و دفعها للهجرة أو الرضى بالواقع المرير على مضض ريثما تتحسن الأحوال.
- عدم تطبيق مبدأي المراقبة و المحاسبة مما ترك المجال فسيحاً للفاسدين ليرتعوا و يتجذروا و ينسجوا شبكات فساد أفقية و أخرى عمودية.

فالجهات التي تتولى عملية المراقبة و تقترح التعيينات هي حزب البعث و الهيئة العامة للرقابة و التفتيش و كلها عملياً تابعة للسلطة التنفيذية و هي جهات لم تكن في أي وقت بمنأى عن الفساد بحسب ما يكشف عنه يوماً بعد يوم.
أما النقابات فقد فقدت استقلالها منذ زمن و جردت من سلاحها و هو حق الإضراب و التظاهر و الاعتصام بفعل حالة الطوارئ المعممة و السارية المفعول منذ عام 1963، ونفس الشيء يقال عن الأحزاب المعارضة بسبب غياب الحياة السياسية الحقيقية عن البلاد.
و الصحافة الحرة اغتيلت بقوانين المطبوعات المتتالية التي أضعفت من صلاحياتها و ضيقت ميادين نشاطاتها، و تم تأطيرها بخطوط حمر متحركة، أما الصحف الرسمية الثلاث فلم يتسن لها بعد الولوج إلى عمق أزمة المجتمع السوري و حافظت على خطها التقليدي منذ التأسيس.

و بعد.. لقد خلت الساحة من كافة القوى اللاجمة للفساد ما عدا الفاسدين أنفسهم الذين يحثون الخطى و يسرعون العمل للقضاء على القطاع العام و الانتقال إلى الخصخصة لإعادة ضخ أموالهم التي نهبوها في السوق الحرة الجديدة لغسلها و إخفاء مصادرها الحقيقة و ما فضائح فساد بعض الشخصيات التي اشتغلت في الساسة و التي تقدر بالمليارات إلا دليل واضح على هذه النوايا المبيتة، و التي سيكون ضحيتها الوحيدة قطاعات واسعة من الشعب السوري الذي بدأت ترهقه الأوضاع الاقتصادية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة شي جينبينغ إلى فرنسا: تعاون اقتصادي مع باريس وبحث التو


.. إلى أي درجة يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل تكاليف الحرب؟




.. هل يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مخاطر الركود التضخمي؟ وما معنى


.. تعمير -هاني العسال وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة بعد