الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية

عمر أبو رصاع

2006 / 3 / 26
الادب والفن


ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة الكيلو التي تقع على مسافة كيلومتر من مغاغة بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولدًا، سابعهم طه حسين.

فقد طه حسين بصره على أثر إصابته بالرمد وبفعل الجهل والعلاج الخاطئ تطور الرمد إلى أن فقد طه حسين بصره، واستكان صدر الطفل الصغير المقبل على المجهول حزن صامت عميق على حد تعبيره " ذلك أنه سمع اخوته يصفون ما لا علم له به فعلم أنهم يرون ما لا يرى"، إذن خطا الطفل طه خطواته الأولى في الحياة نحو المجهول مكبلا بفقد بصره محاطا بجهل عرمرم يعم مصر ويئدها وأدا ، حمل طه شعورا عميقا بالظلم وذي الحاجة الخاصة أشد احساسا بعاهة مجتمعه من حسها بها.

تناول طه الطفل يوما لقمته بكلتا يديه ودفعها للصحن ثم لفيه فضحك منه إخوته واجهشت امه بالبكاء ، وقال والده بحزن ما هكذا يا طه تؤخذ اللقمة ، ولم يدري طه كيف نام ليلته وألزم طه الجبار نفسه أن لا يأكل أمام أحد أبدا شيء مما يؤكل بملعقة وما أن غادر لفرنسا حتى منع نفسه من الأكل أمام أي كان حتى أعادته زوجه الانسانة عن هذه العادة ، وكم من طلسم في نفس طه فكته تلك الانسانة التي عرفت كيف تداوي جراح طه حسين الانسان وآلامه ، لذلك كتب طه حسين فيما كتب كيف أنه وعى تماما شعور أبي العلاء المعري وهو الضرير حين أكل دبسا فأتى منه شيء على ثوبه فأضحك منه طلبته فما كان من أبي العلاء إلا أن حرمه على نفسه أبد الدهر!

تعلم طه حسين حسن الاستماع بسبب اعاقته التي اقعدته عن ملاعبة أترابه فكان يكثر الجلوس منصتا لمجالس أبيه ومجالس أمه دون أن يتدخل فما كان ذلك مسموح به لمن في مثل سنه، بل كان طه يجلس أذنا منصتة وعقل يعمل خلفها في ما ينظر له كما مهملا ضريرا ضعيفا لا يحال له بصر ، وجل ما يأمله له أبواه أن يصبح الشيخ الأزهري طه حسين ، لكن النفوس الكبار أبت إلا أن تسطر اسم طه حسين بحروف من مجد في جبين التاريخ.

تأثر طه الطفل بما سمع وحفظ جل ما سمعه من أشعار التي تنشد أخبار الهلاليين والزناتيين، ويتذكر طه فيما يتذكر أن غناء أخواته ما كان يحرك حسه لأنه كان خاو من الحس ، بينما كان يهزه هزا عنيفا ويؤثر فيه تعديد أمه حين تحط الأحزان رحالها في نفس أمه فتأخذ شأن المصريات من نساء القرى في ذلك الزمان تعدد وربما يصل بها الأمر حد البكاء المر.

وجد طه في انشاد المتصوفة والدراويش وحلقات الذكر التي كانت تدور رحاها في قريته خاصة في شهر رمضان سلواه حتى أنه حفظ جل ما سمعه من الاذكار إلى جانب ما حفظه من القصص والاشعار والأوردة والأدعية وأناشيد المتصوفة حفظ القرآن الكريم كله وهو ابن تسع.

ويروي الدكتور طه حسين قصة ذلك الشيخ المعلم شيخ الكتاب الكذاب الذي قرأ القرآن عليه ، ذلك أنه حين أعاده عليه بعد أن نسيه قال لأبيه :
" اقسم بالله ثلاثا ما نسيه ولا أقرأته وانما استمعت له القرآن فتلاه كالماء الجاري لم يقف ولم يتردد" وكان صاحبنا يستمع لمقولة شيخه وغليظ قسمه وهو مقتنع يقينا أن سيدنا كاذب أشر، بل أن سيدنا هذا طلق زوجه أمام أباه في مرة طلاقا مثلثا إن لم يكن طه يقرأ عليه من القرآن اجزاء ستة وما كان صاحبنا فاعلا ، تلك أول صورة نمطية وقعت في وعي طه حسين لنموذج الملقن المعلم شيخ الكتاب الذي ظل هو الصورة النمطية المقيتة التي لازمت طه وقمعته في الأزهر فيما بعد نسخة مشوهة مكرورة منذ القرون الوسطى.

حفل طه بادئ الأمر بلقب الشيخ الذي خلعه عليه أهله وشيخه ، لكنه ما لبث أن زهد به فالشيخ في ذهن طه الصغير كان لقب يستوجب الجبة والقفطان أما وأن مشيخته ما استتبعت جبة وقفطانا فما لبث أن زهد اللقب ثم كرهه وعف عنه.

واشترط عليه أخوه حتى يصحبه للقاهرة أن يستظهر ألفية ابن مالك ويستذكر مجموع المتون وأن يبدأ بحفظ الألفية كما درج طلبة العلم في العالم الاسلامي منذ قرون طويلة فإذا حفظها حفظ من مجموع المتون اشياء غريبة تحمل تسميات كالجوهرة والخريدة والسراجية ولامية الأفعال...الخ وكان الحفظ يقع من طه كما يصف موضع الزهو بما حفظ لأنه لم يكد يدرك لهذه الألفاظ الرنانة معنى ، لكنه كان يرددها مطمئنا إلا أنها تعني العلم كيف لا وديدن الأزهر أن يتخذها أمهات للكتب وأبوابا للعلم، ألم ينل أخوه العالمية لأنه حفظها فصار عالما . فهي العلم إذن!
كان للألفية منزلة خطيرة فهي التي أخذ يختلف بها إلى الكتاب مزهوا على أقرانه وهي ساعة إذ تعدل في نفسه ونفس من في الكتاب كل المصاحف كيف لا وكل أترابه يحملون المصاحف أما هو فيحمل الألفية وما أدراك ما الألفية .

وكم كانت منزلة أخاه العلمية بين أهل القرية تهزه وتمثل طموحا بذاته كيف لا وقد كان الناس يختلفون إليه يستمعون حديثه وكلامه وكأنه المجود المرتل الذي لا يربوا له الشك!

لم تك القاهرة التي سيقصدها طه حسين في ذهنه إلى حينه إلا الأزهر وسيدنا الحسين والسيدة زينب وغيرهما من أولياء الله الصالحين . – يتبع-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب