الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب والوطن: مساهمة في نقد التوتر الاجتماعي

المريزق المصطفى

2018 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


وأنا أفكر وأبحث في الموضوع، اكتشفت مرة أخرى مأزقي، واكتشفت أن ممارستي للسياسة ينقصها الوعي الحقيقي بممارسة السياسة. ذلك الوعي المنبثق من أصول الفكر الأثيني منذ القرن الخامس قبل الميلاد، والفكر الاجتماعي بشكل عام، والذي يعتبر المشاركة السياسية أهم المبادئ والالتزامات التي يجب أن يحرص عليها الإنسان حتى ينال شرف المواطنة وحتى يحترم في مجتمعه. حيث كانت المشاركة في الأمور السياسية للمدينة معيار المواطنة الحقة، وأن المواطن الذي لا يهتم بالشؤون العامة يعتبر عديم النفع ولا خير فيه!
حاولت أن أتمعن في هذه الشذرات من تاريخ الفكر الاجتماعي الانساني والكوني، عساني أجد مدخلا لكتابة مقالي الأسبوعي للرد على نفسي قبل غيري، مع استحضار عوامل التوتر التي تحجب عنا نظرتنا للمستقبل، قبل البحث عن عناصر التحليل السياسي والاقتصادي لدى "أنبياء" مجتمعنا.
وإذا كان الوقت لا يسمح لنا الآن بتقييم تجربتنا السياسية المتواضعة بكل جرأة ومن دون خجل، فإننا في نفس الوقت لا نعتبر الحوار معيقا، ولا نعتبر الصدق مع النفس والاعتراف بالأخطاء ضعفا، بل ما نكرهه هو أن لا نعلم ما نحن مقدمون عليه قبل أن نلتزم به.
لقد كتب جون واتربوري في كتابه "الملكية والنخبة السياسية في المغرب"، العديد من العناوين التي لا زالت تعتبر مرجعا أساسيا لفهم التوتر الدائم كخاصية من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون، والذي لم ينتج عنه في غالب الأحيان سوى الجمود.
إن دروس التجربة علمتنا أن الشعب المغربي عاش ولا زال الفوارق الاقتصادية وتأقلم معها، بل يعتبرها، في العديد من الحالات، قدر من أقدار الله! لكنه لم ولن يقبل أبدا أن يكون ضحية اللامساواة في الحقوق والواجبات، وهو ما جعله يكتوي بنار العداءات الاجتماعية العنيفة التي فجرت العديد من أشكال الرجات المتبوعة بالسخط والغضب في العديد من المحطات.
ومن الواضح أن تحديد طبيعة الانعكاسات المؤثرة في مستويات استمرار الفوارق السوسيو- اقتصادية والتهميش والفقر المتزايد، بات ضرورة ملحة لكل الفاعلين، لتصحيح الوضع نظرا لما يزخر به الوطن من إمكانيات بشرية، ومن مخزون ذهبي من الثروات التي ينبغي – كما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي- تعبئتها من أجل خدمة التنمية المستدامة لبلدنا.
لقد ظل المغرب وطن للأسرة والعشيرة و القبيلة والقرية والمدينة، منزل كبير يقيم فيه المغاربة، والشعب كمجموعة من الأفراد تتكون منه الدولة، وهم الذين يقيمون على أرضها ويحملون جنسيتها، وأنه (الشعب) الركن الأساسي لقيام أي تنظيم أو ظهوره ولولاه ما وجدت الدولة، ومن دونه لا يمكن تصور قيام دولة بدون شعب. إلا أن الدولة وبحكم وظائفها المختلفة، كثفت ولا زالت العديد من التناقضات بين أجهزتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو ما أدى إلى عدم الانسجام بين الشعب المرتبط برقعة جغرافية والقائم على اللغة والجنس والدين وغيرها، وبين المؤسسات المنتجة للتوترات الاجتماعية، على نطاق أوسع، والتي تستخدم العنف لتقليص الديمقراطية، وإبعاد الأحزاب السياسية والتضييق على المباريات الانتخابية، وتهميش النخب والأطر، وضرب المدرسة، ونشر العداء إزاء المشاركة الشعبية في الفضاء العمومي.
هكذا، يمكننا تفكيك مظاهر التوتر والعداء كحافز للتماسك الاجتماعي، والسياسة كقيم وتربية وسلوك، وليس كحقل للانتقام والبغض وتصفية الحسابات والنزاعات بين الأقارب، واستغلال التوزيع الغير العادل للثروات، ونهب المال العام لخلق الأتباع وتعميق الخلافات.
ومن دون الدخول في تفاصيل تغلغل "الجواسيس والعملاء"، وتعميق الهوة بين الشعب والوطن، ونكران جميل الحركات الاجتماعية الهادفة إلى الإصلاح الديمقراطي بشكل أوسع، يبدو أن الجميع مطالب اليوم بحل المعضلة الاجتماعية الحالية، وتوحيد صف الشعب والوطن، ومقاومة التطرف بكل أنواعه وحماية وحدة الوطن الترابية والأمنية والغذائية.
إن الدولة اليوم في حاجة إلى رجال ونساء قادرون على العمل في آفاق واسعة بروح جديدة وبنفس طويل، بغية أن تجعل منهم مدافعين عنها. إن من المهم تجنب مضايقة الاصلاح الديمقراطي والمدافعين عنه، وعدم إقحام عامل المال وعامل الفكر في خندق الانتقام من العاطلين عن العمل ومن الشباب والمهمشين والفقراء ومغاربة الهامش..
لقد كان بالزاك في "حكاياه السمراء" في أواخر القرن التاسع عشر يحكي عن نابليون، وعن سلطته وتركيزه وحيويته وارداته الخارقة للعادة بالفكر والعمل، متجاوزا القضايا المتعلقة بالسلطة التي شغف بها الكثير، ليسلط الضوء على بنية المجتمع الناشئ وعلى ولادته وصيرورته.
وربما حكاية بلزاك (أكبر مؤرخ اجتماعي في عصره) تثير شهوتنا للحديث عن التوتر الاجتماعي وتداعياته، أمام معسكر العاطلين عن العمل الذين "يعسكرون" المدن والقرى ويهددون الشعب والوطن، بعد أن وصل التهديد لأعناق المستفيدين من الاقتصاد الوطني.
إن الدولة، في العالم الحديث وفي قاموس علم الاجتماع السياسي، هي الوحدة السياسية الكبرى، وأن ما دعا له رئيس الدولة، الملك محمد السادس، في الدورة التشريعية الأولى من السنة التشريعية الثانية، من إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي لمواكبة التطورات التي تعرفها المملكة، وما أكد عليه من جديد في فبراير الماضي حول البحث عن نموذج تنموي جديد للحد من الفوارق الاجتماعية والاستجابة لحاجيات المغاربة، وهو ما يعتبر الآن حدا فاصلا بين مغرب الأمس ومغرب المستقبل، والبداية لن تكون من دون إعادة لحمة الشعب والوطن، ومن دون أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في أسباب التوتر الاجتماعي والاختناق السياسي، وتعلن عن إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية لإعادة الثقة للمغاربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا