الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب الكوري يقود ثورة تكنولوجيا المعرفة

عبدالله المدني

2006 / 3 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تعتبر كوريا الجنوبية اليوم واحدة من أكثر المجتمعات التي تنمو فيها تكنولوجيات المعرفة والاتصالات سواء لجهة الإضافة إلى وسائط المعلوماتية و وسائل الاتصالات الالكترونية و تحسينها أو لجهة التوسع في استخدامها. فنتيجة لخطط حكومية واضحة في أهدافها و مضامينها و وسائلها ومداها الزمني، تشهد هذه البلاد التي لم تبدأ مرحلة التحول من مجتمع زراعي إلى اقتصاد قائم على التصنيع و التصدير و المعرفة إلا في ستينات القرن المنصرم، ما يمكن وصفه بثورة غير مسبوقة في هذا الميدان. من تجليات هذه الثورة، انه يندر اليوم وجود اسر لا تملك الكمبيوترات الحديثة المصنوعة محليا، أو شركات لا تدير كل معاملاتها اليكترونيا، أو فصول دراسية غير مرتبطة بشبكات الانترنت. إلى ذلك صارت مقاهي الانترنت و غرف الألعاب الالكترونية تنمو بسرعة صاروخية سواء لجهة أعدادها أو نطاقها الجغرافي. إذ وصل عددها إلى مئات الآلاف و تعدى انتشارها في المدن إلى القرى و المناطق النائية، و بالتالي باتت احد القطاعات الحيوية الجاذبة للاستثمارت الضخمة و المحققة للإرباح بسهولة.

وكما هو الحال في مجتمعات أخرى، فان أكثر مستخدمي وسائط المعرفة و المعلومات و الاتصالات الالكترونية، وأكثر المترددين على مقاهي الانترنت و غرف الألعاب الكورية هم من فئة الشباب. غير أن المختلف في كوريا الجنوبية هو ارتباط هذه الحقيقة بثلاث ظواهر جديرة بالتمعن و الدراسة.

الظاهرة الأولى هي أن المصنعين و المستثمرين و العاملين في هذا القطاع لا يكتفون بالترويج لخدماتهم و بضائعهم بأساليب تقليدية، ولا يحصرون هدفهم في تحقيق الأرباح المادية كيفما كان. فهم مثلا في سبيل توسعة أنشطتهم يتعاونون مع إدارات المدارس لنشر ثقافة و أنظمة تكنولوجيا المعرفة و المعلوماتية، و ذلك من خلال تمويلهم لإقامة الصفوف الانترنتية و تجهيزها بأحدث الوسائط و الألعاب الالكترونية، و قيامهم بحملات في أوساط الشبيبة من اجل تشجيعهم على استعمال تلك الوسائط و معرفة دقائقها و خصائصها. هذا ناهيك عن حملاتهم التوعوية الخاصة بمحاربة المواقع الإباحية و عمليات القرصنة الالكترونية، و التي تثبت ايلاءهم سلامة و حماية النشء الجديد اهتماما لا يقل عن اهتمامهم بتحقيق الأرباح السريعة.

الظاهرة الثانية هي الدور الرائد للدولة في تشجيع الأطفال و الشبية من طلبة المدارس و المعاهد على استخدام الانترنت في الحصول على المعرفة من جهات و مصادر متعددة، و على استخدام برامج الألعاب الالكترونية في تنمية مهارات التفكير و التخطيط و التحكم و اتخاذ القرار السليم. حيث تقوم الدولة سنويا بتخصيص ميزانيات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات للإنفاق على نشر الثقافة الانترنتية في المدارس و ربط الأخيرة بشبكات المعلوماتية، وعلى دعم الشركات المصنعة للألعاب و البرمجيات الالكترونية من اجل تطوير نواتجها و تحسينها و تنويعها. و هذا كله بطبيعة الحال ليس سوى جزء مكمل لسياسات بدأتها الدولة في السبعينات يوم أن قررت بناء "المدن العلمية" في مختلف أقاليم البلاد لتكون حلقة وصل بين مراكز الأبحاث و الجامعات و الشركات الصناعية الكبرى و أوعية تصب فيها جهود هذه المؤسسات في ميادين الابتكار العلمي و الصناعي و التكنولوجي.

أما الظاهرة الثالثة التي يمكن القول أنها حصيلة للظاهرتين السابقتين فهي أن قيادة ثورة المعرفة التكنولوجية في البلاد صارت اليوم في يد الشباب من أولئك الذين تشبعوا بثقافة الانترنت خلال السنوات الماضية. فهؤلاء رفضوا أن يكونوا فقط مجرد مستخدمين تقليديين لأدوات الثورة المعلوماتية كما في البلاد النامية، وإنما عملوا على الإبحار عميقا في تكنولوجياتها و أسرارها ووظائفها حتى صاروا عناصر لا غنى عنها في تسيير أنشطة كبريات الشركات والمؤسسات الاقتصادية و المالية، فضلا عن ادارتهم للعديد من الأنشطة الخاصة بهم. و تتضح الصورة بطريقة أفضل إذا ما علمنا أن جزءا كبيرا و متزايدا من عمليات البيع و الشراء اليومية في البلاد صارت تتم عبر الشبكة العنكبوتية لأنها تضمن السرعة و تخطي الحواجز الجغرافية و عمولات اقل بنحو 45 بالمئة عما يدفع في حالات عقد الصفقات التجارية بالوسائل الأخرى.

ولعل احد ابرز الأمثلة على الدور القيادي للشباب في ثورة المعلوماتية هو موقع " نيكست هيومان نيت وورك" على الشبكة العنكبوتية و الذي يعادل موقع "غوغل" في شهرته و تأثيره، على الرغم من أن القيمة الإجمالية لأسهم المؤسسة التي تملكه لا يتجاوز أربعة بلايين دولار ، و هو ما يوازي 3 بالمئة من قيمة أسهم غوغل فقط. ففي هذه المؤسسة التي يتوقع أن تصل مبيعاتها إلى نصف مليار دولار في العام الجاري، يعمل نحو ألف شاب كوري مؤهل على مدار الساعة من اجل تقديم خدمات أكثر تميزا و أحدث ابتكارا في مجال المعلومات و الإعلانات و الألعاب الالكترونية و التسلية في سوق يشهد منافسة حامية الوطيس.

ومن الأمثلة الأخرى، أن الشباب ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين هم وحدهم الذين يقودون و يديرون اليوم كافة أنشطة شركات الاتصالات الخليوية الخمس العاملة في البلاد و التي تتنافس فيما بينها، ليس لتقديم خدمات الاتصالات الهاتفية التقليدية فقط و إنما أيضا تقديم هواتف محمولة أكثر تطورا و دقة وكفاءة، و توفير فرص الإطلاع على آخر التطورات السياسية و أخبار البورصة و التداولات المالية و حالة الطقس و حركة المرور و أسعار العملات، ناهيك عن خدمات الانترنت المعروفة و خدمة الاتصال بالمصارف و حجز مقاعد السفر و غير ذلك.

و في الوقت الذي يحدث فيه كل هذا في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، نجد النقيض في شطرها الشمالي، حيث لم يتجاوز نصيب الشباب من ثورة المعلوماتية و الاتصالات جلوس أعداد قليلة منهم أمام كمبيوترات ضخمة عتيقة من مخلفات التكنولوجيا السوفياتية، لا تظهر شاشاتها عند ربطها بالشبكة العنكبوتية سوى موقع وحيد هو الموقع الخاص بحياة و إنجازات و مآثر و خطب مؤسس البلاد و حزب العمال الحاكم كيم ايل سونغ و ابنه "الزعيم المحبوب" كيم جونغ ايل، و ذلك من اجل المزيد من التلقين الإيديولوجي البائس و ترسيخ ظاهرة عبادة الشخصية.

و الملفت للنظر في هذا السياق، انه على الرغم من كل ما حققه الكوريون الجنوبيون في هذا المجال، مما يعود الفضل الأول فيه إلى السياسات و البرامج التعليمية و الإنفاق الحكومي الضخم على التعليم و التدريب، فإنهم كثيرو الانتقاد لتلك السياسات و لا يكفون عن وصفها بالمتخلفة و المطالبة بتغييرها. و هذه ظاهرة صحية تنم عن طموح الكوريين دوما إلى الأفضل و عدم اكتفائهم بما حققته بلادهم من تقدم و صعود.

و يبقى السؤال، أين نحن من كل هذا؟

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 26 مارس 2006
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ