الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والفكر

صاحب الربيعي

2006 / 3 / 27
الادب والفن


تعبر اللغة عن أسلوب التفكير لدى أمة ما، فهي تنقل أفكارها وآراءها وتختلف الأمم بعضها عن بعض في طريقة إيصال معارفها عبر الكتابة. لأن وعي المثقف يتشكل من خلال اكتساباته المعرفية لذات الأمة الحضارية، وفيما بعد تتعدد سُبل اكتساباته للمعارف من الأمم الأخرى.
كما أن اللغة أداة للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر، وهي تختلف من أمة لأخرى تبعاً لاختلاف أنماط التفكير والقيم والعادات الاجتماعية......وبغض النظر عن استخدام لغة غير اللغة الأم في التعبير فإنها تعكس المكتسبات المعرفية للكاتب ذاته.
إن الأمة التي تعاني من تصحر في رفدها المعرفي وتنهل مكتسباتها المعرفية من أمم أخرى، لايمكنها أن تختط لها طريقة وأسلوب في الكتابة بلغتها الأم. وينطبق ذلك على طريقة تعبيرها عن الأحاسيس والمشاعر، فالصياغات والرموز اللغوية وطريقة الوصف التي تعكس صور الواقع هي من مدلولات اللغة الحاضنة للمعرفة.
ولايمكن فصل اللغة عن الفكر لأن الأولى أداة التعبير عن الثاني، فالتفكير ذاته أسلوب لمناقشة الفكرة داخل منظومة العقل ولايمكن لهذه الفكرة أن تخرج من ذاتها إلى المجتمع دون مدلولات اللغة. وينطبق ذلك على الأحاسيس والمشاعر السجينة في منظومة القلب، فبدون الآليات والرموز اللغوية لايمكن التعبير عنها لاستمالة الأخر.
يعتقد ((رونيه أوبير))"أن امتلاك اللغة يتيح التعبير الدقيق عن الأفكار ويصنفها، تصنيفاً منظماً".
ويختلف أسلوب التعبير في اللغة من كاتب لأخر تبعاً لمستوى وعيه ومكتسباته المعرفية واللغوية، فاللغة فضاء واسع من الكلمات والرموز والصور والمعاني والمصطلحات...والمبدع هو الذي يستطيع توظيفها بأسلوبه الخاص للتعبير عن إحساسه ومشاعره.
ويأتي في مقدمة المبدعين، الشعراء الذين يحسنون توظيف الآليات والرموز اللغوية لخلق أسلوب خاص بهم يختلف بنورقه وجماليته عن أقرانهم الآخرين. هذا التوظيف لمكونات اللغة في الصياغة الشعرية للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر الذاتية، لايمتلك ناصيته سوى المتبحرين بها والمطلعين على أساليبها.
يعبر ((إحسان عباس)) عن ذلك قائلاً:"يختلف إحساناً من لحظة إلى أخرى، فمن المستحيل أن نعبر عن إحساساتنا كما نحسها بواسطة اللغة الموضوعة. ولكل شاعر أن يبتكر اللغة التي تستطيع أن تعبر عن ذاتيته ومشاعره وما كان خاصاً يمر لمحاً وغامضاً، فمن المستحيل نقله بالتقرير والوصف وإنما يتم نقله بتتابع الكلمات والصور التي تستطيع أن توحي للقارئ أن هذه الرمزية هي تداعي في الأفكار بطريقة معقدة، ممثلة بخليط من المجازات التي يراد منها أن تنقل شعوراً ذاتياً خاصاً".
عموماً إذا كان الفكر سلسلة متتابعة من التفكير ترتكز على التراكمات المعرفية للأجيال لإنتاج معرفة جديدة فإن حلقات تلك السلسلة هي اللغة الجامعة لخلاصة التفكير الإنساني وصياغته وتصنيفه بإطار فكري محدد يسهل على الأجيال اللاحقة والأمم المختلفة التعاطي معه باعتباره نسق جامع للرؤى المعرفية للإنسانية.
وبهذا فإن اللغة وعاءً يجمع الآراء والأفكار والتقاليد والعادات والقيم للأمة ويحفظها على شكل صياغات ورموز وصور وتعابير ومصطلحات ومدلولات....تعبر عن رفدها المعرفي في الحضارة الإنسانية، وتلك الخاصية تفتقدها اللغات الميتة للأمم الهامشية غير القادرة على خلق حضارة خاصة بها أو الاستمرار برفدها المعرفي للتواصل مع الحضارة الإنسانية. وهذا ما يفسر اندثار بعض الأمم عبر التاريخ أو انصهارها في أمم أخرى، لها مساهماتها المعرفية في الحضارة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده