الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التكنولوجية الثالثة

مظهر محمد صالح

2018 / 7 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الثورة التكنولوجية الثالثة


الكاتب:د. مظهر محمد صالح

26/3/2014 12:00 صباحا

جعل التقدم الحاصل في علم الحاسوب وتشعب استخداماته في مناحي الحياة كافة، غالبية الاقتصاديين بأن يروا في هذا التحول التكنولوجي الهائل على انه ثورة صناعية جديدة، وان تلك الثورة قد أخذت مداها الفعلي منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا. وبهذا يمكن تسميتها حقاً بالثورة الصناعية الثالثة، وعلى وفق الرؤية التي أطلقها المؤرخ الكبير آرنولد توينبي يوم سمى هكذا نمط من التحولات التكنولوجية بالثورات الصناعية. فولادة الانترنت مع تطور نظم الكومبيوتر قادا وبدون شك الى ثورة في فضاء الاتصالات والتجارة العالمية، ومهدا الى ظهور العولمة المالية وسيادة الاقتصاد الرمزي الذي تتبادل فيه الدول اليوم ما يقارب الـ5 تريليون دولار من الأموال التي يجري تحويلها بين أسواق العالم.
كما يجد المرء نفسه انه في عالم القرن الحادي والعشرين، وانه بإمكانه تحويل مبالغ من رأس المال (ثروة او موجودات) من مكان الى مكان آخرعلى طرفي الكرة الأرضية بمجرد أن يضغط أحدهم على الكابس!. كما أصبح بمقدور الشركات الكبرى الاستعانة بمصادر خارجية من عوامل الإنتاج، إذ قامت بتحويل اقسام كاملة من نشاطاتها الى الهند والصين للقيام، على سبيل المثال، بالمطابقات الحسابية اليومية لكبريات الشركات الغربية والاستفادة من فرق التوقيت لرفع الكفاية الانتاجية لديها وعبر شبكات الاتصال الدولية العملاقة. ولوحظ حتى العام 2006 ان هذين البلدين وتقدمهما كانا بحق نتاج الثورة التكنولوجية الثالثة والتفاعل مع معطياتها، ما ادى الى تعميق النمو الاقتصادي في العالم وبلوغه أرقاماً قياسية لم يعهدها من قبل.
وعلى الرغم من استمرار الأزمة المالية الدولية والركود العالمي الراهن، فإن غالبية الاقتصاديين يعتقدون بأن الثورة التكنولوجية الثالثة ستستمر في عطائها المتميز في العقود القادمة. واللافت ان أحد الاقتصاديين المعروفين وهو روبرت غوردن من جامعة نورث ويسترن الأميركية، مازال من بين القلائل الذين سخروا من الثورة الصناعية الثالثة، وهو يعتقد انها لم تحدث أي أثر في التركيبة الاجتماعية او الاقتصادية في العالم مقارنة بما أحدثته الثورة الصناعية الثانية ولاسيما في مجال اكتشاف الكهرباء واستخداماتها المختلفة والدور الهائل لتطور وسائط النقل، وكذلك السينما والراديو، وتأكيده أيضاً على أْهمية تأسيسس شبكات المياه والتدفئة والتبريد الداخلية!
كما يرى روبرت غوردن وهو يتساءل مستغرباً عن اهمية اختراع الحافلة او السيارة التي ستسير بجهاز الكومبيوتر من دون سائق مستقبلاً وما تأثيرها في النمو الاقتصادي؟
وعلى الرغم من ذلك فقد سخرت من جانبها مجلة ذي ايكونومست اللندنية في عددها الصادر في 24 ايلول المنصرم من رؤية روبرت غوردن ووصفت حاله مثل حال ذلك الرجل في القرن التاسع عشر، الذي لم يفرق بين أهمية السيارة وبين العربة التي تسحبها الخيول! وأشارت المجلة الى أن روبرت غوردن لم يعلم بالضبط بأن السيارة التي ستصنع في العام 2025 والتي ستسير بركابها من دون سائق سترفع من متوسط مدة الوصول وكذلك سترفع من كفاءة استيعاب الطرق المختلفة الى 5 مرات طاقتها الحالية وان حوادث الطرق لكل واحد مليون ميل ستنخفض الى 10 مرات عن مستوياتها الراهنة وستختلف مواد تصنيع الحافلات ووسائط النقل وعلى نحو جوهري في النوع والكم.. الخ.
وثمة من يجد ان الثورة التكنولوجية الثالثة، ثورة الكومبيوتر، هي بشير ولادة الثورة التكنولوجية القادمة وهي ثورة التحول في الجنس البشري نفسه او ربما تسمى مجازاً بالثورة الرابعة. إذ ان هناك من المؤشرات التي ترى في فك الشفرة الجينية قد تقود الى تقدم هائل في القدرات الانسانية نفسها وهي الثورة البايولوجية! والتي مازالت تتعرض الى التشويش والخلاف الواسع الذي أحدثته مسائل الاستنساخ البشري وغيرها من التجارب الاحيائية التي مازالت موضوع جدل وصراع لم ينتهٍ في مختلف المحافل القانونية والدينية والاجتماعية الدولية. الا ان التجارب المختبرية ومراكز البحوث مازالت ترفدنا بين الحين والآخر بنتائج مذهلة عن تجاربها في هذا المضمار والتطورات الحاصلة في بلورة الثورة البايولوجية القادمة او الرابعة.
ختاماَ، فإن من يشكك بأن قدرة الثورة الصناعية الثالثة، أي ثورة الكومبيوتر وبشكل خاص الانترنت، ودورها في إحداث التحول الجذري في الاقتصاد والاجتماع العالميين، هم بالأحرى عدد محدود إزاء ما يعتقده الكثير عما سيؤديه التقدم التكنولوجي في عالم الغد من إيجابيات للبشرية، وهو أمر على الرغم من غموضه، إلا أنه يعد في جميع الأحوال غموضاً بناءً وسيظل يلف احتمالات الزمن المقبل وولادة الثورة التكنولوجية القادمة من دون شك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال