الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء الثاني-

سعيد رمضان على

2018 / 7 / 26
الادب والفن


1- الفنان مصطفى الحلاج
----------------------
" الثورة والنضال والفن" اجتمعا معا في إبداعات الفنان مصطفى الحلاج مع امتزاج عميق بالأرض.
سعى الحلاج جاهداً لخلق حساسية فريدة في أعماله الفنية، اذ تمزج لوحاته بين النظريتين البصرية والتأملية معاً من خلال لمسات النور والظلام .. وثنائية تناقض لوني الأبيض والأسود.
أنها طريقة خلاقة وفريدة ,ويمكن الإحساس بها في عمله “ ارتجالات الحياة ” التي تحمل اجواء من الفن المصري القديم والفن الشعبي..
لوحة ارتجالات الحياة ، هي وسيلة مميزة للتعبير عن مأساوية الإنسان، وليست تحليل لشخصية الفرد، لذلك، لا يمكن فصل شخصية مصطفى الحلاج عن بلده أو عن الفكر أو العقيدة التي يجسدها في أعماله .
فالشخصية الفنية تعكس من خلال حركتها الديناميكية السياسية والتاريخية. وقد شارك مصطفى بنفسه بحركة التاريخ. وبالفعل، تميّزت حياة ذلك الفنان بطابعها التاريخي.
تبرز السياسة والميثولوجيا بقوة في أعماله، لأن الأحداث التاريخية ليست مجرد مادة فنية بالنسبة له، إنما هي حياته التي عاشها، ما بين فلسطين والقاهرة وبيروت ودمشق، لذلك تتميّز أعماله بالكثير من الإنسانية والحلم والصبر والنضال، والإيمان بالقيم الكونية، إذ أنها مرآة نفسه.
شكّل فنه فسحةً للتفاعل بين الثقافات المختلفة، وهو غالبا ما يمزج بين مختلف الثقافات؛ المصرية القديمة ، الكنعانية ، الأفريقية .
شكلت تجربته في الاحتلال والعدوان والغربة ، مصدر وحيٍ لأعماله المتجذرة في التاريخ والواقع. وهكذا، يجسد المواجهة بين الإنسان وقدره ، صراع الحياة والنضال من أجل الحرية ، وبؤس الإنسان وعذاباته ، في أجواء فنية تمازجت فيها ثقافات الشرق، فالسحنات البشرية والوقفات وتشكيلات الجسد في عمله ، تنقلنا إلى الفضاءات الإفريقية والكنعانية والفرعونية.
" ارتجالات الحياة" لا أجد فيها أثراً للفردية بل يقتصر فيها الإنسان على وظيفته النضالية، أنها ذات فردية مقاومة وبالفعل، لا يبرز في هذه الأعمال الإنسان ببعده الفردي، كما يتبدى في الحياة بشكل عادى، أو كما يتبدى في أعمال فنانين آخرين، إنما تتبلور الحركة على مستوى مجموعات؛ ترافقها حيوانات وطيور .
لكن هناك ترميزات متعلقة بتلك الحيوانات والطيور ، تتمازج وبشكل أسطوري مع الإنسان (الميثولوجي) كالديك الذي يرمز إلى اليقظة، كما يرمز إلى بزوغ الفجر وإشراقه الصباح، و إلى الرجولة والسخاء والكرم ، وكالحمامة التي ترمز للحب و السلام، والتي تحيل للمعنى الديني ومعنى الإنقاذ أيضا، فهي ترتبط بقصة سيدنا نوح عليه السلام، عندما أرسل الغراب وقت الطوفان للبحث عن بر الأمان وعندما لم يعد، أرسل الحمامة فعادت تحمل في منقارها غصن الزيتون، وغصن الزيتون رمز السلام بفلسطين .
أما العصفور الذي نراه في أعلى اللوحة ، فهو يرمز لأسطورة مصرية قديمة، تحكى عن تمزيق جسد أوزوريس ودفن كل جزء بإحدى محافظات مصر، أنها تمزيق الخير وتغريبه في المنافي والشتات ، وهناك أغنية مصرية قديمة حزينة ، هي أغنية العصفور الأخضر :
"«أنا العصفور الأخضر..
أمشى عالشجرة واتمخطر..
مراة أبويا دبحتنى..
وأبويا النحس أكل منى..
واختى الحبيبة لمت عضمى.
تحت الشجرة دفنتني..
أنا العصفور الأخضر»،
والأغنية رسالة الابن المذبوح عن جريمة القتل ، ونداء إلى العالم غير المهتم، والغير مبالي ، وبشكل موازى ذبحت فلسطين والرسالة اليومية عن جريمة القتل ، لا يصغى لها العالم ولا يقوم بعمل فعلى للاقتصاص من القاتل وتحقيق العدالة . .
وهكذا تتبدى لنا " ارتجالات الحياة " وكأن كلٌّ شخصياتها ليسوا سوى جزء من شخص جماعي، الحاضر والتاريخي والأسطوري، ليتخطى الفرد فرديته ليصبح تجسيداً رمزياً لوطنه، وهو ما يمنح الإنسان أبعاداً كبرى، مضيفا للبعد الجماعي واقعيةً مدهشة ، تتجرد الحالة البشرية من خلالها تدريجياً من مظهرها العادي، لتسمح للوضع البشري بالبروز بطابعه المأساوي.
ويترافق الموت في عمله مع وصف التغريبة فنرى في النصف الأسفل من اللوحة ، عذابات الإعاقات التي سببتها الحرب للإنسان ، وأعمال التنكيل والقتل، وخصوصا للمرأة المعادل الموضوعي للأرض والوطن الفلسطيني ، أنها فظاعة لا نتصور أنها خارجة من العالم الإنساني.
لكنه عالم حوله البشر ليكون جحيمهم ، كل ما فيه من تفكك وعفونة وقهر ودمار. يرمز إلى ما هو غير إنساني.. لقد سيطرت على " ارتجالات الحياة" قوة غير طبيعية، تتصاعد من السواد الذي يسيطر على اللوحة، كأن الليل الذي هبط بشكل جلي ينسدل حتى غطى العالم ، ، هناك الارض المحروقة ،والقتلى والمصابين وكأن كل شيء، حتى الأرض الضائعة في الظل ، فرض نفسه ليقنعنا بالبؤس الإنساني.. لكن الوضع ليس قاتما أو اسودا خالصا فهناك أضاءات تمنح الأمل ... !
. في هذا السياق، تكتسب شخصيات " ارتجالات الحياة " بعداً أسطورياً بفضل شخصياتها الغامضة على غرار الأبطال التاريخيين، وذلك من خلال رمزية النور والظل، التي جعلت ملامح وجوهها مبهمة، فالوجوه تغطيها الظلال ولا تبرز ملامحها ، وإذ كان أبطال الأساطير هم وحدهم القادرين على تجاوز الوضع البشري، ليصبحوا صورة ترتبط بالواقعية وتفارقها في الوقت ذاته إلى الصورة الخيالية بعد تحقيق البطولات المستحيلة ، فان الفلسطينيين الذين ارتبطت حياتهم دائما بالنضال – أطفال ونساء ورجال – وتحملهم الحياة في الأوضاع المستحيلة ، ذابت ملامحهم في الوطن، ذلك الوطن الغائب الحاضر أبدا، لذلك الشخصيات في عمل الفنان مصطفى الحلاج، بلا ملامح واضحة، أنها مبهمة وغامضة كأبطال الأساطير المحاطين بالجلال .
-------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا