الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االرابع-

سعيد رمضان على

2018 / 7 / 26
الادب والفن


4- الفنان عماد أبو اشتيه
------------------

لوحة" الأرض" تملك تفاصيل الخلود، أحاول قراءتها ، ولا اعرف من أين أبدا، هل أبدأ بالسؤال عن المعنى؟ او طبيعة الذات في مواجهه قيودها؟ او غرض الحياة اصلا ؟ او الجمال الموجود في الحياة ؟ أم عن الأحلام ؟ ما هو الأهم في هذه اللوحة؟
اسئلة فلسفية تتشابك ، لتوصلني الى نقطة بداية : انها الحياة ، ونقطة نهاية... انها ايضا الحياة .
ولكن "اللوحة " – من خلال زاويتي انا - ليست مهتمة كثيرا بأسئلة الفلسفة , ولا عن المعنى المطلق للحياة ، بل هي تستدعى الشعور بالحياة، انها تجسم ذلك الشعور الأبدي لدى الناس الذين يملكون الاحلام فتصبح الحياة عندهم لها معنى. في أي زاوية من اللوحة يمكنك ان تقف على نواصي الحلم ، الشغف العميق الذى يضرب الانسان في وجهه ، كلفحة هواء باردة في يوم خانق. لفحة تمنحه الانتعاش والحيوية ، فيوسع صدره ويتنفس بعمق حتى يستنشق كل نسمة .
ورغم أن اللوحة تقارن المشاعر المتناقضة المحسوسة في لحظات تأملها بأسئلة الجمال ، فإنها في الحقيقة قريبة من المشاعر المتصارعة على الأرض في الواقع المعاش، وهى مشاعر حاضرة بشكل عميق داخل الذات الفلسطينية، بسبب كثافتها الانفعالية ، مصدرها الأساسي احداث ماضية وحاضرة خارج سيطرة الفرد .
عماد أبو اشتيه يخلد لحظات من الثورة بتجسيد الحلم ، بتجسيد الجمال، بتجسيد الحياة ، مهاجما من خلال المبطن وغير الظاهر تلك الوحشية التي انحطت إلى مستوى الحيوانية، وهو هنا بتخليد لحظاته الرائعة انما يسجل لحظات انتصار.
فالشخصية المحورية في اللوحة هي الأرض، لكنها الأرض كما هي مجسدة في الحلم ، لا الارض المنتهكة الموجودة في الواقع ، ولا يأتي في لوحته بأي مظهر من مظاهر الموت، انه يحارب على طريقته كثائر لتحرير وطنه. وهنا البطولة تكون للحياة، مقابل الموت، والثورة تكون للجمال مقابل الوحشية .
رسم أبو اشتيه امرأة ، تحتضن في رحمها أجنه، تنمو كزهور حمراء فوق سطح الأرض الخضراء التي تحيط بالمباني، وفوقها يحلق حمام ابيض، وترتدى المرأة ثوبا مطرزا بالورد والخضرة كأنه انعكاس للمسطحات المزروعة، وينسدل غطاء الرأس الابيض ليحيط بالأرض. تظهر المرأة بوجه تحنو عليه البراءة الملائكية ، مغمضة عينيها، كأنها غارقة في الحنو والحلم، كمن تستسلم بسكون للحظات من الموسيقى الأبدية تتصاعد في ابهاء الصمت،. وجه متأثر بمحيطه اللوني، فامتص بخفه الألوان المنعكسة .
اما الخلفية فتظهر بلون برتقالي يمتزج بسواد و يتدرج نزولا الى الاصفر، مع انعكاس ضوئي بالأصفر على ثوب المرأة.
تحتضن المرأة الاجنة، وتحتضن الخضرة المباني، ويحتضن غطاء الرأس الارض، ويحتضن الحلم المرأة، وتحتضن الحياة اللوحة، ويحتضن الأمل الفنان، وتحتضنا اللوحة كمشاهدين بمشاعر الحياة المتدفقة منها .
فلماذا هذه الاحضان المتداخلة !؟
سؤال يقودنا للتأثيرات العميقة والممتدة في عالم الواقع ، يتشظى الإنسان الفلسطيني ويغترب، يبحث عن العلاج ، لقد اصبح ذكرى في ارض مفقودة ، فيكون علاجه هو الأمل فى أرض موعودة ، تحتضنه بشغف وحب، كما فعلت مع اجداده عبر الزمان .
لكنه كإنسان مشتت بين الماضي والمستقبل، يعطى معنى للحاضر عبر تجسيد الحلم ، هو تجسيد يمنح سببا للعيش ، وسببا لمقاومة الضياع . و في سياق الضياع يُطرح سؤال الحلم : - هل الحلم يفرض الهروب ؟
ونجيب : لا ابدا ... فالحلم بجماليات الارض ، عبر تجسيده في لوحة بتفاصيل خالدة ، يهدم التوترات التي يثيرها الاغتراب، انه كفاح للحفاظ على الانسان الفلسطيني من الضياع، ويقلب كل سبب للموت ليكون سببا للحياة .
والفكرة العامة انه لدينا سببا للحياة مبنى على الأمل .. وهاهو الأمل مجسد امامك على لوحة مغلفة بالحلم ، والمقاومة ضد دعوة الموت التي يجسدها الأخر العدو، يمكن ان نقاومها بدعوة للحياة في آمن وسلام . وهكذا يكون الاختلاف بيننا وبين الآخر . ولنفهم اللوحة بشكل أوضح، علينا أن ننظر للوحات التي يرسمها الآخر على ارض الواقع، ويلات وكوارث ودمار ومصادرة حقوق وتهجير وقتل اطفال ونساء ، والهدم والاستيطان المستمر فوق أشلاء القرى الفلسطينية وطرد أهاليها...... كلها لوحات تعبر عن البشاعة . !
المنحنيات الهادئة في اللوحة تبدو كمنحنيات جزيرة آمنه، منحنيات تكسر حدة الأشكال المستقيمة، واللون الابيض لغطاء الرأس الذى يوحى بالسلام ، ينسدل كحضن وحماية ، لكن اللون الأبيض يمنح اللوحة رمزيتها ، فهو لون يجمع كل الالوان، معبرا عن رغبة دفينة في ان يعيش جميع الفلسطينيين على مختلف الأهواء والافكار والتيارات فوق ارض واحدة بانسجام وسلام ، تنسجم الالوان المختلفة المطرزة على الثوب مع المعنى ، فهو يحوى جميع الألوان حتى اللون الاسود بخصلة الشعر المنسدلة بنعومة، ويمتزج لون الطيور الابيض مع المعنى الموحى بالسلام ، وبينما تعبر الأصابع الممتدة عن القوة ، تعبر الورود الحمراء عن التضحية، والقبة التي توحى بالدين ، تبدو في اللوحة كرمز سماوي، والخلفية التي تبدو معاكسة للموضوع، تظهر بانسجام معه ، فلا توجد زرقة السماء او غيوم بيضاء او رمادية ، بل برتقالي ممتزج بسواد خفيف، يتدرج نزولا الى الاصفر، ربما يوحى هذا باللعب في مستويات الواقع، طالما ان الواقع هنا هو داخل الحلم ، او يوحى بان زيادة إضاءة الشمس منحت ذلك اللون للخلفية، ربما يكون كل ذلك صحيحا . لكن الخلفية تبدو اكثر كشيء رمزي لفنان يعبر عن مشاعره الداخلية ، ضد الموت والدمار، انه لون انفعالات الفنان ، وكما قلت تبدو الخلفية معاكسة للموضوع، لكنها تضفى سطوعا اكثر عليه .
لوحة عماد أبو اشتيه، تعبر عن الوعى بالهوة التي تفصل الواقع عن الحلم ، وهى بذلك تضع نفسها في سياق الأمل،
وحلم متجذر فى الاعماق، وبقناعة عميقة بأهمية الكفاح ، حتى لو عن طريق الفن ، انها نفس قناعة الثوري.


5- الفنانة ايرينا ناجى
------------------------


ايرينا ناجى فنانة توحي بتراثها الوطني وتتحصن به ، مدركة انه الحماية من عوامل التشرذم والتفتت والانحلال .
فنانة تسعى للحفاظ على الهوية الفلسطينية، وبعث التراث من خلال إظهار أجمل ما فيه .. في لوحات يغلب عليها اللون الأخضر لون النمو و الثراء الخلقي . . وهى تعي تماماَ الدور الذي تمثله الذاتية الثقافية للشعب الفلسطيني ، من معوقات لاستمرار مشروع الاحتلال وتقويض أركانه.
والشعب الواقع تحت جبروت الهيمنة الصهيونية يعانى من مشكلة تتعلق بوجوده ذاته، حيث يسعى الاحتلال لتدميره وهو يفعل ذلك عبر القضاء على الهوية الثقافية الفلسطينية.
في لوحتاتها تعبر دوما عن جماليات الإنسان الفلسطيني كونه اجتماعيا مراعيا ومحبا للعائلة مندمجا في ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه.
فى احدى لوحاتها عن العائلة هناك رجل يحكى .. وهناك أخر يحمل ابنه وامرأة تقدم القهوة ، وشاب في الخلفية وأطفال .. فاللوحة بذلك جمعت جميع الأجيال .. والجميع في حلقة سمر مستغرق في الإنصات للحكي .. في دفء عائلي وتحيط بهم هالة من الجمال ، نرى رموز الجمال في الورد والشجر المحيط بهم ، وذلك السطوع الأبيض فوقهم كأنه هالة روحانية .
والحكي هنا ليس فارغا .. أو لتمضية وقت الفراغ .. حلقات السمر القديمة تنبعث فيها حكمة الشيوخ وحياة الأجداد بكل تفاصيلها تتمدد في الأحاديث والأمثال والسير والأشعار، يحكيها الشيوخ الكبار، فتضيء حياة الناس وينهلون من التجارب والخبرات، وبذلك ينتقل التراث من جيل لجيل بما فيه من حكمة ومعرفة ..
في لوحات الفنانة ايرينا ناجى .. شيء من الجمال يشعرنا بالفقد، في وطن أصبح غير الوطن، وهو ما يدفعنا للإحساس بمشاعر أكثر عمقا ، حقا أن ايرينا فنانة تملك حس إنساني بالغ الشفافية ، كأنها تحفزنا لنبحث بداخلنا وحولنا ، يتبدى ذلك دائما عبر التأكيد على رسم شخوص معبرة عن موضوعات بالغة الجمال .. شخوص تتوغل فينا ، رسمت بشكل دقيق وصادق ، كأنها ترسم جمالا يتألق عند الأفق ساعة الغروب ، بريشة مغموسة في الوجع الروحي، جمالا ينبض بحس الغياب، ما أن يتوهج حتى يختفي تاركا فينا شعورا بالفقد والأسى ..
إن تلك اللقطات من الحياة الإنسانية والتي تصورها لوحاتها ، توضع في منعطف الفراق، كأنها مرارات تظهر من عمق الوجود الإنساني ضاربة في بؤس الواقع.
و هذه هو فحوى مهارة الفنانة في لوحاتها المتعاقبة، التأكيد على التراث الوطني وبعثه لمساندة الكيان النفسي الفلسطيني ، حتى لا يسقط ويتناثر كسر و شظايا.
نلاحظ ايضا وجود طيف خيال في الخلفية كأنما هو طيف لمن رحلوا يرمز لامتداد وجودهم من خلال الحاضرين الذين يذكرون مأثرهم وحكمهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط