الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االسابع-

سعيد رمضان على

2018 / 7 / 26
الادب والفن


9- الفنان اسماعيل كلوب


لوحة الفنان التشكيلي الفلسطيني "إسماعيل كلوب" ‏‎التي لفتت النظر في معرض مهرجان فلسطين الدولي بغزة ، يمكن ان نطلق عليها " تغريبة فلسطينية " دون ان نتجاوز موضوعها .
مما يلفت الانتباه في اللوحة تعابير الحزن تنطق بها ملامح الشخوص ، والثياب تعود لزمن قديم، وتتسم بالبساطة والعمق كأنها تستدعى الذاكرة الشعبية .
اما الخلفية فتستمدّ أجواءها من الحياة بالديار الفلسطينية ، البساتين والكروم .
أيضا هناك الألوان المتناغمة التي تمتلئ بها اللوحة، من البنفسجي المتدرج والازرق ، ثم هذا التباين الظاهر بين الشخوص المليئة بالانكسارات ، وبين الخلفية التي تظهر البيئة بما تحويه من ثراء .
يظهر ذلك الثراء بشكل جلى فى عناقيد العنب بألوانها المتناغمة مع البناء التشكيلي العام للوحة.
في هذه اللوحة، ينقل الفنان إحساسا ببداية التغريبة . إذ نرى امرأة برفقة ولديها ، وهم يستعدون للرحيل عن الديار تاركين مفاتيح الدار معلقة على فروع عريشة العنب . كرمز لترك الدور بكل ما تحويه و الارض و الاملاك ...
وجوه الشخوص واضحه في اللوحة ، وملامحهم تتحدث ببلاغة عن حزنهم وعمق مأساتهم . وضعية الجميع متناغمة مع الوضع المأساوي، وتمنحنا احساس بعمق الفجيعة على فراق الديار .
الام تضع راحة يدها على راس احد الابناء الذى يميل ليستقر على صدرها بحزن يعمقه وضعية الرأس المحني إلى أسفل . بينما راحة يدها الاخرى على كتف ابنها الاخر الذى تبدوا ملامحة اكثر قوة وهو يرفع يده ليلمس يد الام ، بينما تبدو عيناه محدقتين فى حزن اخية الاصغر . عيونه تنطق بالتوعد لأجل المقاومة والتحدي و الام فملامح حزنها تمتزج مع الصمود والصبر العميق.
ان ذلك التلامس بشكل متلاحم بدون انفصال بين الاجساد الثلاثة ، تظهر ثلاثتهم متوحّدون فى الالم ، وفى التضامن الإنساني امام مصير مجهول .
اسماعيل كلوب فى لوحته تلك فنان يرسم صورة حقيقية عن الوجع ، وصورة اخرى عن الانسان الفلسطيني المرتبط بتاريخه وتراثه .
واول التراث واكثره عمقا الذى يظهر فى اللوحة هو رمز المفاتيح المعلقة على عريشة العنب ، وهو رمز مأخوذ من المفاتيح الكبيرة للمنازل التي نجدها في أثار الكنعانيين وهى ترجع الى اكثر من الف سنة قبل الميلاد ، ان ذلك الاستقرار الطويل يعنى هؤلاء المتجذرين فى ارض فلسطين من الازمنة القديمة قد انتزعوا من تلك الجذور ، انتزعوا من الديار القديمة بأحواشها المتسعة وعرائش العنب والمليئة بالحنين ، فهي ترتبط بمباهج الحرية والتسلية ولقاء الأحبة والأقارب واستعاده أيام الصبا , كما ترتبط ايضا بحياة الأجداد ، حياة بتفاصيلها وأمجادها باقية في الضمير الشعبي ، تتمدد في الأحاديث والأمثال والحكايات والسير والأشعار ، التي تقال حول منجد النار في المساء حيث يجتمع الشمل
فى اجمل مظاهر الدفء الإنساني .
ثاني رموز التراث المهمة فى اللوحة هو عناقيد العنب ، ويذكر ان الفلسطينيين اهتموا اهتماماً كبيراً بزراعة العنب منذ عهد الكنعانيين، ولازالت اثار معاصر النبيذ الحجرية القديمة موجوده فى انحاء فلسطين . العنب بذلك اصبح رمزاً في تراث الشعب الفلسطيني . وفى حاضره لايزال يتغنى به .. كما فعل الشاعر الراحل ناهض منير الريس عندما ابدع كلماته :
" الشهد في عنب الخليل .. وعيون ماء سلسبيل
هي إرث جيل بعد جيل .. وكفاح تاريخ طويل
جنان جنان .. بعمر الزمان
وما للدخيل بها من مكان
***
سلم على وديانها .. والطير في أفنانها
والكرم في بستانها .. والنار في صوانها
ديار الكرام .. وأهل الزمام
لها من قلوب بنيها السلام
***
وللقصيدة بقية نكتفى منها بما يفيد موضوعنا لكن من الواضح ان الشاعر ابدع هذه الكلمات بدقات قلبه .
و الفنان اسماعيل كلوب رسم ايضا بقلبه ومشاعره، لوحة لا تحكي فقط عن مصير عائلة دفعت للتشريد ، بل أيضا عن مصير ملايين الفلسطينيين الذين هجروا من قراهم وبلدانهم ... ملايين اقتلعوا من الجذور .
لقد استطاع أن ينفذ إلى روح اهل بلده يترجم البؤس والتشرد والقهر الانساني والمعاناة . حقا انه التزام ، لكنه التزام لا يعنى الجمود ، وكثير من الفنانين الفلسطينيين يعيشون المعادلة الصعبة : التزامهم تجاه فنهم والوضع الاجتماعي الذى يعيشونه الناتج عن الوضع الاكثر قسوة : احتلال الوطن . ومع ذلك لم يحدثهم احد عن جمال اشجار الزيتون واعواد اللوز الخضراء ، لم يحدثهم احد عن سحر أغاني الحصاد اوعن كيفية حب بلدهم .. لقد حددوا موقفهم واستغرقوا فى فنهم بصمت ، فابدعوا وتميزوا وبرز بعضهم فى مقدمة الفنانين العرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا