الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية (ابنة الرماد )

زهير إسماعيل عبدالواحد

2018 / 7 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


رواية (إبنة الرماد) للكاتبة والشاعرة اللبنانية ((فوزية عرفات))
من الاصدارت المميزة لدار الرافدين لبنان / بيروت ، تقع الرواية في 157 صفحة من القطع المتوسط في طبعتها الأولى لعام 2018.
أنّ متعة القراءة تتجسد في تذوق مفردات اي عمل أدبي سواء كان شعراً أو نثراً، والرواية التي انا بصدد تقديم قراءة عنها، هي واحدة من الأعمال الأدبية العربية التي تستمتع بقرائتها من ناحية زخم المفردات الموجودة بها، لقد سعت الكاتبة إلى أظهار قوتها البلاغية في روايتها الثانية (إبنة الرماد) من خلال انتقاء الكلمات بعناية شديدة نابعة من ثقافتها الواسعة كونها شاعرة لها خبرة في اختيار المفردات العذبة التي تتمكن من خلالها في ايصال الفكرة والصورة والمعنى حرصا منها لإخراج عمل رائع ينتمي إلى ادبنا العربي الواسع.
أنا كقارئ أرى ان على كاتب الرواية ان يبرز مهاراته في فنون البلاغة وأن يُظهر ثقافته وما قرأه في مسيرة حياته.
الرواية ذات جماليات رائعة فلقد جمعت بين الواقع والخيال سعياً منها لاخراج عمل ممتع للقراء في الوطن العربي،
تدور أحداث الرواية حول " رحيل " وهي فتاة لبنانية تعيش مع أمها.
" رحيل " كان لها النصيب الأكبر من إسمها فلقد رحل عنها كل عزيز لها ابتداءاً من أُمها وانتهاءاً بجدتها و خالتها.
جمعت الروائية بين ثلاثة حكايات أولها و أهمها هي القصة الحقيقية لإحدى المغنيات اللبنانيات وهي " نغم " أم رحيل وبين حكاية شادية خالة رحيل.
لقد عاشت رحيل التناقضات في الأسرة والتي هي انعكاس للمجتمع المتناقض، بين أم مغنية وخالة ملتزمة دينياً وجدّها الذي يسمع الاغاني لكن يرفض أن يكون أحد أفراد الأسرة مطرباً !!.
وشهدت " رحيل " أحداث الحرب الأهلية في لبنان، حيث تقول في مقطع راقي جدا :
" و أنا كمعظم العرب تحتفظ ذاكرتي بجانب دموي أو ذكريات دموية لحروب لم نكن طرفا فيها يوما" ص30.
أنّ الكاتبة أختزلت تاريخنا العربي الطويل بالحروب والفتن الدموية التي تجري علينا نحن العرب فسبحان الله متشابهون في كل شيء حتى في حروبنا و طوائفنا. في المقطع السابق نجد تشابه كبير بين بلدنا العراق ولبنان ، لقد أجادت الكاتبة التوصيف في ذلك المقطع وليس ببعيد عنا المشهد التالي حيث تقول :
" حواجز عسكرية لا تعد ولا تحصى، ملثمون ، تدقيق بالبطاقات المدنية التي كانت و يا للعار تصنفنا حسب مذاهبنا " ص31.
في المقطع جرأة كبيرة بُذلت من قبل الكاتبة كونها في بلد فيه تعدد للطوائف والأديان. تشعر بإنك تقرأ أحداثاً دارت في العراق ، سبق وإن عشتها.
من هنا تعرف معاناة العرب وعلى ماذا تربوا وعاشوا، على هذه الحروب الطاحنه التي تأكل بعضهم البعض .
تسافر رحيل مع امها إلى القرية وتشاهد الوادي و تبدأ تسأل هذه الأسئلة الفطرية البريئة التي يسألها معظمنا في طفولته فتقول :
" ومن هو الله " ص32.
فيأتي جواب الأم ليُذكرني بإحد أساتذتنا الكبار (رحمة الله عليه) حين قال عجوز في العراق لا تعرف القراءة و الكتابة أفقه من أي فقيه بهم.
" الله هو النجاة حين نكون على وشك الغرق في بطن الخطايا التي تشبه قعر هذا الوادي بعمقها و رهبتها " ص 32.
وها هو الجواب يأتي من مغنية – كلنا يعلم نظرة المجتمعات العربية للمغنية من ناحية الدين خصوصاً - وهل هناك أفقه من هذا الجواب!!.
" الله في قلبي" لكن قل " أنا في قلب الله " ص33.
وتستمر الرواية من أسئلة " رحيل " الطفولية إلى فقدانها أمها، فأول من رحل عن " رحيل " هي أمها ، لتكمل بقية حياتها يتيمة بلا أم.
الرواية تجمع في احداثها اكثر من حكاية وها هي الكاتبة تنقلنا الى حكاية شادية التي توفي عنها زوجها ، وأحبت شاباً مسيحياً ، وهنا تتمكن الكاتبة من جذب القارئ للأحداث بكل قوة كون هذا الأمر مرفوض تماما في مجتمعاتنا العربية فمن الناحية الدينية لا يُقبل بهذا الزواج !!!. وشادية هي امرأة مسلمة ملتزمة دينياً.
أجادت الكاتبة في التوصيف الصوري – كونها شاعرة - في إظهار التناقضات الواضحة في مجتمعاتنا العربية حيث تقول :
" لم أفهم وأنا الصغيرة هذه النظريات الراشدة التي تفرق المحبين و تدفعهم لجلد أنفسهم إرضاء للمجتمع " ص 34.
جاء في موروثا الديني (فقد الأحبة غُربة)، مؤلم جداً أن تفقد أحبتك، لم يكن الموت هو السبب الوحيد الذي جعل " رحيل " تفقد أحبتها فلقد كان للسفر نصيب في حياتها، فجدتها لأمها سافرت الى خالها " عدنان "الذي يقطن في بلجيكا للدراسة هناك ، فتكمل " رحيل " حياتها وحيدة فريدة ، حتى " شادية " سافرت من اجل الزواج من جوزيف خارج بلدهم لأنّ قوانين البلد لا تسمح لمثل هكذا زواج.
تستمر حياة " رحيل " حتى تقع في حب شاب يدعى " نوح " وهو رجل وسيم ووأنيق.
ربطت الكاتبة الاحداث ببراعة عالية جداً ولا أُريد أن أُفسد على القراء متعة القراءة. أنّ رواية (إبنة الرماد) هي فلسفة الموت، فلقد أختزلت الكاتبة حياتنا كلها في العتبة النصية للرواية، كما أضافت الكاتبة والشاعرة قصيدتين في الرواية وكانتا أحدى جماليات الرواية كما زادتا من متعة القراءة. انها عمل أدبي ممتع للقارئ فيه المفردات الانيقة والتسلسل في السرد القصصي.
الكاتبة في سطور قليلة :
فوزية عرفات كاتبة لبنانية ولدت في محافظة البقاع ، طالبة دكتوراة في علم الآثار والفنون ، لها رواية بعنوان (سبعة أيام في بغداد) صدرت عام 2017 ولها منشورات عدة في القصص والقصيدة والادب النقدي الساخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس