الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة السردية في متخيلة المتلقي والنص

أسامة غانم
ناقد

(Osama Ghanim)

2018 / 7 / 31
الادب والفن


تتلاعب رواية حميد الربيعي " احمر حانة " بالمتلقي ، عندما يقوم بدمج قراءات متعددة معا : " الحدث " التاريخي و " المتخيل " و " الحاضر " ، ومن ثم تلجا إلى المتلقي بوضعيته الآنية ، ليس فقط كمتلقٍ ، ولكن أيضا كمنتج مشارك في إعادة سرد التاريخ وسرد الحاضر ، وان يكون المتلقي " واعياً بدوره كمشارك في تحديد أي " معنى " من النص . ولا يعني هذا أن يعمل الراوي – المؤلف والقارئ معاً لاكتشاف معنى موجودا داخل النص ، وإنما يطالب كاتب الميتا رواية من القارئ أن يقرر المعنى " 1 .
إن رواية " احمر حانة " ، رواية فضاء مكاني بالأساس ، رواية تتداخل الأزمنة فيها وتتقاطع ، بل أحيانا لا يشعر المتلقي بالزمان ، فقط يحس بالمكان الذي هو مدينة بغداد / المدينة المدورة ، في أزقتها وحواريها ، ناسها وبيوتها ، شوارعها و أسواقها ، وحماماتها ، جوامعها ومساجدها ، كنائسها وأديرتها ومزاراتها ، جسورها وقناطرها ، حدائقها وبساتينها ....في ليلها تنبعث حكايات " ألف ليلة وليلة " لتكون جذور متشعبة في السرد العربي قديما وحديثا ، إنها كما قال عنها ياقوت الحموي في كتابه " معجم البلدان " : أم الدنيا وسيدة البلاد . حتى الإهداء في الرواية كان إليها ، إلى بغداد " إن لم تدخلها ، كأنك لم تر الدنيا " ، بل لقد جعلها الروائي الشخصية الرئيسة بدون منازع ، ولكن منذ الأسطر الأولى وللنهاية نشاهد ما يلي :
" كأن هذه المدينة تعود القهقرى – ص 4 الرواية ".
" ليلتي الأولى في المدينة المدورة مليئة بالأشباح والخرافة – ص33 الرواية " .
" المدينة المدورة ، بدت له موحشة من كثرة الأطلال ، التي تمثل حضارة منقرضة – ص18 الرواية " .
وفي الأخير ستكون هكذا :
" وعندما يرون دخان احتراقها سيصيحون : أي المدن كانت مثل هذه المدينة العظيمة ؟!- ص 119 الرواية " .
هكذا تحولت بغداد الأزل بين الجدّ والهزل إلى مقفرة جرداء صلعاء هي اقرب إلى مستودع نفايات يرتع فيها الدود الأسود بلا حساب ، فيها منطقة خضراء ، محصّنة ، تقطنها الحكومة بسلطاتها المتعددة ، لا تتجاوز آلاف الأمتار المربعة ، وما تبقى من بغداد مناطق شاسعة لا حصر لها ، لا خضرة فيها ولا ماء ولا كهرباء ولا حياة ولا أمل ولا نجاة ، اختصرها فرسان الحكومة ونوابها بمنطقة خضراء فيها عشرات الوزراء ومئات النواب وآلاف الوكلاء والمستشارين والمديرين العامين ، بحمايتهم وامتيازاتهم وإصرارهم العجيب على الظهور اللافت في الفضائيات ، تلك الامتيازات الخرافية التي لا مثيل لها في ايّ بلد في العالم ومنذ أقدم العصور 2 .
توزعت الرواية على 24 عنواناً فرعياً وهي كما يلي : مدخل – مخرج – المدينة المدورة – خاراكس – كرخ – رصافة – سوق الجيف – القاع – الحمامات – أسطح مثلومة – لقاء – العاب نارية .وهذه العناوين مرتبطة في اشتغال آليات العملية السردية في داخل النص ، وفي داخل ذهنية الروائي .
تبدأ الرواية معلنة إن الراوي إما أن يكون ساحراً أو عرافاً أو نبيا ، عندما يعلن في مدخل رقم واحد في الصفحة 3 بداية الرواية ، وفي مخرج رقم ثلاثة في الصفحة 119 نهاية الرواية ، نبوءته ، عن المدينة المدورة / العراق ، الغارقة في الحلم والخرافة والأسطورة : " هذه الأرض ملأى بالطلاسم ، أنا من يفك رموزها ، فلا تدعوا الطرق يتوغل أكثر ، أعطوني برهة لأقرأ ما تبقى من أسرارها اللاهبة ، اللاهثة في التيه ، دعوني أروي بقية النبوءات -ص 3 ،119 ، الرواية " ، ولكن الأدارسة وأخوة الكهف الخمسة وكلبهم سيكونوا حجر عثرة إلى الأخير ، فان أسماء الأدارسة جميعا هي " إدريس " ، وهم خمس : إدريس العاشق وهو الفتى الذي دخل بغداد قادما من أهوار العمارة ، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية " أي حرب الكويت " باحثا عن المعشوق الذي من أجله شد الرحال إلى المدينة المدورة " معشوقي صدمني حال الوصول إلى المدينة ، رأيت تواريه عن الأنظار واختباءه في الخزائن ، مما حدا بي إدارة بعض الألعاب البهلوانية بغية الوصول إليه – ص 67 الرواية " ويكون وصوله مواكب للحصار ، ثم تأتيه الفرصة عام 2003 ، عند احتلال العراق ، ليتوج مجده في سرقة مصرف الزوية عام 2013 " أخبار اليوم التالي قالت أن احد عشر طناً من الذهب قد سرق - ص 108 الرواية "، والعريف إدريس زوج العرجاء ، وإدريس الخراز صانع المسابح، وإدريس العجوز الموظف في دائرة التسجيل العقاري ، و إدريس الطاهي ، هذا التشابه في الأسماء وضع من قبل الروائي بتعمد من اجل توضيح غاية وجودهم في ثنايا النص ، ولكي يسلط " الضوء على تفاعل الذات هذه في اشتغالها لمنح " معنى " للنصْ ، وغالباً ما يتم ، بالفعل ، إدراج العلاقة بين وضع المنتج والمتلقي ، أو توضع داخل النصْ ذاته " 3 ، وهم أمراء حروب :
- جمعت لك جيشا جرارا ، لم أجد في جند الأولين ولا الآخرين من يماثله .. الطرارون ، النطافون ، المحتالون ، السلابون والسفلة والغوغاء . – العريف .ص 104 الرواية " .
- جحافل من السواطين ، المأبونين الفساق ، الزناة ، الفجار ، الداعرين ، وشذاذ الآفاق –الخراز. ص105 الرواية ".
- الأفاكون ، الخراصون ، المفترون ، المنتحلون ، المقامرون ، الأوباش ، وآكلو السحت ، جيش كالعثة يجعل الدنيا كورقة متهرئة – العجوز . ص 105 الرواية " .
إنهم ليس أمراء حرب فقط بل إنهم زعماء ميلشيات ، كما قام بتصويرهم الروائي ، وهم ينتمون في نفس الوقت إلى الأحزاب الدينية – الإسلامية الوافدة من الخارج ،تحت شعار لا بقاء لنا إلا بنشر الخرافة والأمية ومحاربة الثقافة ، بعد حرب سنة 2003 ، ثم يدخل " العراق " حروبا أخرى ، حرب الطوائف ، حرب المذهبية ، حرب المليشيات ، وهذه تعمل على تفكك النسيج الاجتماعي وخراب المدن ، أما أخوة الكهف فهم وجه العملة الأخرى للأدارسة ، وهم " احدهم قواد ، الأوسط مذيع فوضى ، الأصغر رادود ، وآخر يعتلف الحشيشة – ص75 الرواية " ، فهم يمثلون القوى السلفية الغارقة في الرجعية المتخلفة الغائصة في الجمود والخرافة والجهل والأمية .
من المفارقات التي تمتلك دلالات – رمزية ، تقودنا إلى تأويل سياسي / ديني / اجتماعي ، إن الأدارسة وأخوة الكهف يلتقون في إنهم معاقين ، جسدياً،وهذا في الواقع مجاز عن العوق الفكري والإيديولوجي والأخلاقي ، ف إدريس العاشق ، قضيبه معوج ، عجزت ثلاث زنجيات على استقامته ، إلا عن طريق الصدفة يستقيم على يد رجل تدليك شاذ في حمام مهدي في الكرادة داخل :
" طرحني أرضا، قلبني على بطني وراحت كفاه تنزل كالمجاذيف فوق جسدي ، آلمني ثم صرت أقهقه بحركاته المتقنة ، مر على أنحاء جسمي وهو يقلبني ، مثل بيضة في مقلاة ، كيفما يشاء ، ما إن دنا من أفخاذي حتى صرخت ، كان قد قبض على العضو .
- ما هذا ؟
لم يكن يسأل ، كان يعلن اشمئزازه من رخاوته واعوجاجه ، أنا انكمش من العيب ، مسد قليلا ثم حرف ميلانه إلى الجهة الأخرى .
- صرت رجلاً ، الآن أيها الفار .ص 78 الرواية " .
أما دانيال الأصغر ، عضوه مقصوص ، مجزوز من الجذر :
- الأول أراد لطميات ، بدلا عن الغناء ، الثاني اخرج مديته ..، هل هنا قطعوا قضيبك – ص 101 الرواية " .
إن النصّ الروائي هو بالأساس انعكاس للعالم والحياة اليومية في وعي الروائي ، وسوف يقوم بترسيخ المعنى الذي يقصده الروائي وقت الكتابة ، وهذا ما نلمسه عند تناولنا لعنوان الرواية " احمر حانة " ، ففي لقاء تلفزيوني أشار الروائي إلى إن عنوان الرواية مستعار من اسم حانة كانت موجودة في شارع أبي نواس ، اسمها " بار الحانة الحمراء " ، حيث جعل العنوان يرتبط بشكل غير مباشر بالشاعر العباسي الكبير " أبو نؤاس " الذي قال في الخمرة عشرات الأبيات سميت بالخمريات في الأدب العربي ، وليس كما أول بعض الكتّاب العراقيين ، الأحمر هو رمز دم الشهداء ، يسفح في زمن الفوضى ، وان رمز الحانة هو العبث والسكر واللاعقلانية ، رمز التحلل وبيع الجسد .
حقيقة هذا طرح بعيد كل البعد عن قصدية الروائي ، وإلا لكان الروائي يفك ارتباط الحانة / البار عن شارع " أبي نواس " ، هذا تطرف في التأويل ، والشارع كله كان عبارة عن بارات متراصة الواحد مجاور للآخر ، وأحيانا بينهم محلات تبيع السمك المْسّكوف ، ولكن منذ الحملة الايمانية في أواسط التسعينيات بدأت تخبو أضواء البارات ، ويقل عددها ، وعليه جعل حميد الربيعي ازدهار وعنفوان الشارع من ازدهار وتقدم وتمدن مدينة بغداد ، بحيث وصل الأمر بان يكون " الشارع ، أصلا ، كان رجلاً ، في زمن غابر ، ألكاس والنساء سلواه ، قيل انه لم يصح لحظة في حضرة الخليفة ، ينشد الشعر مترنحاً ، - ص 5 الرواية " . وبعد عام 2003 لم تعد حانات متواجدة في الشارع ، بقى مكانها حصى ورمل وأنقاض ، وعمائم منشورة .
استحضر الروائي ، المؤرخ الإسلامي ابن الأثير، من قبره في الموصل ، ليدخله بغداد كي يكون شاهدا على العصر ، بعدما شعر ابن الأثير بأنه " احد المزورين الكبار للتاريخ – ص 10 الرواية " ، بينما في الواقع إن من يكون الشاهد الفعلي هو الراوي " فانه يقوم طوال السرد التاريخي بدور الشاهد على الوقائع المنبثقة عن الحدث الروائي "4 ، وليس المؤرخ ابن الأثير الذي اتهمه بشهادة الزور بسبب كتابته لكتاب " الكامل في التاريخ " ،بعد أن سحبه الراوي – المؤلف عنوة من مدينته ليجعله يطلع على أحوال بغداد من جامع الخلفاء على حروبها الحديثة : حرب القادسية ، وحرب الكويت ، وحرب الحواسم ، وانتشار الفرهود حالما دخلت القوات الغازية / الأمريكية العراق عام 2003 .
جعل ابن الأثير ينوي تأليف كتاب بخصوصه يسميه " الفرهود في يوم صيهود " ، بينما في النصّ – الروائي نشاهد ابن الأثير يبحث عن الفتى الذي يشبه الشيطان ، وقد " هدر الكثير من الوقت جراء السعي وراء لغز الفتى ، فليس من المعقول هروب شاب ، يرتدي ملابس ضيقة ، من قبضة عزرائيل ذي الرداء الأسود- ص 51 الرواية " ، إلى أن يصل " إن كتابة تاريخ المدينة انفع وأجدى من السعي خلف حكاية ، تشبه الخرافة – ص 52 الرواية " بل يصل إلى حد انه يظن بأن " المطاردة ما كانت إلا وهما – ص 52 الرواية " .
لذا " إن إصرار نزعة ما بعد الحداثة على أن النصّ- سواء أكان أدبا أو تاريخاً – يجب أن " يتحدد موقعه " أولا داخل فعل التلفظ نفسه ، وثانياً ، داخل اللحظات التاريخية ، والاجتماعية ، والثقافية للإنتاج والتلقي " 5 ، عليه يجعل ابن الأثير في نهاية الرواية ، يلتقي بطريق الصدفة خطفاً " في احد أركان ساحة الطيران ... وكأنه محتم أن يتباعدا قبل أن يتنافرا – ص 112 الرواية " ، برفقة العثة الملعونة المنتشرة على كل حيطان المدينة المدورة ، دون أن يذكر أو يشير الروائي إلى اسم الشخص الذي يلتقي به ابن الأثير ، وهذا تلاعب ب " فهم " المتلقي ، حيث يقوم بتشتيت ذهنيته للوصول إلى المعنى ، ويتركه محتاراً إمام قراءات متعددة في الاختيار ، وهذه إحدى الألعاب السردية للروائي .
مثلما يفعل مع النبوءة في بداية الرواية ونهايتها ، فمن الذي يطلق النبوءة ، هل هو الروائي، أم الراوي ، إدريس العاشق الذي يشبه الشيطان ؟! الروائي حميد الربيعي هنا ، يجعل المتلقي رغم انه قد " فهم " المعنى الأولي السردي ، بان الذي يطلق النبوءة هو إدريس العاشق ، ولكن هذا يناقض مع ما يذهب إليه الروائي ، حينما نقرأ :
" امتلك عصا موسى وسأشق النهر ، أنقذ شعبي من عبودية المستشارين ، أولئك القابعين في الطرف الآخر من النهر – ص 5 الرواية " .
علينا التوقف هنا أمام هكذا نص ، لأن إدريس العاشق تعرفنا عليه من خلال الرواية ، بأنه هو الخارج من بطن الحوت " ص 25 " ، وهو الذي دفن أباه حيا " ص 27 " ، وهو الذي يجيد كل الأعمال ( مؤامرت – اغتيالات – موازنة – وتسيير أعمال الوزارات ، ص 36 ) ، فهل هكذا شخصية تعمل على إنقاذ شعبها من نهب وسلب وقتل القابعين في المنطقة الخضراء ، المتلقي يقع في حيرة وتشتت في هكذا نصوص ، وهو الذي يتلفع بالتقية من اجل تحقيق مآربه ، والقائل " لا يعنيني انفلات الحياة – ص 67 الرواية " .
إذا لم يكن هو ؟ فمن سيكون ؟! انه متواجد داخل الرواية ، وسنعثر عليه بعدما نتجاوز التناقضات الظاهرية المبثوثة بين سطور الرواية ، وبعدما يتم التلاعب بالتاريخ ، " أولا، من قبل الراوي ، ثم ، من قبل القارئ ، وبالأهمية نفسها، نفكر في إي التواريخ تروى داخل سياقات زمنية وفضائية محددة ، بالإضافة إلى عامل الصدفة ، ستبقى هنالك علامات استفهام كثيرة ، مادامت التداخلات السردية منتشرة ، وضبابية أدراك الفهم الجاهز .
إن هذا التداخل وسوء الفهم يحتاج إلى وعي متزايد من قبل المؤول ، لان " النص سواء أكان أدبا أو تاريخا . لا يتعين إدراكه وفهمه في استقلال عن المنتج أو المتلقي " 7 ، ودلالة على ذلك " شخصية الجنرال " فقد استعرضها الروائي مرتين ، مرة في بدايات الرواية ، والمرة الثانية في نهايتها ، فيكون المتلقي في هذا الاستعراض مشتتاً ، أمام معرفة هوية الجنرال ، هل هو جنرال عراقي أم أمريكي ، وفي أي فقرة منهما :
"ضحكت ملء فؤادي وأنا أعيد على الجنرال حكاية المرأة، لم يفقه شيئا مما رويته ، كان الخوف يكتنفه ، أشفق على اضطرابه – ص 7 الرواية " .
" يخرج من قاع الأرض عجل من ذهب ، يجره حمار نهاق ، خلفه الجموع ، تسير ، يقودهم جنرال صوب جسر الجمهورية – ص 119 الرواية ".
ولو تجاوزنا الجنرال الذي يكتنفه الخوف وهاجس الترقب والحسابات غير الصحيحة ، وعدم استطاعته السيطرة على أوضاع البلاد ، والعد التنازلي بدأ ينفد ، وبدأ الضياع ، والصحوة مفجعة ، ثم اختفى ، وساد الفرهود الحقيقي ، ليس فرهود الفقراء ، بل فرهود المنطقة الخضراء ، فرهود (ايدك ألك وما عليك) ، من الزمرة التي أطلقت على نفسها " سياسيي الخارج " أو المعارضة " ع " .
البلاد دخلت اخطر المراحل ، مرحلة العنف والفساد ، لذا الآخر المراقب الذي استولى على منابع الطاقة ، لا يسمح لآخر أن يزاحمه على الثروات التي استولى عليها ، وعليه سوف يقلب عليهم الطاولة ويجر البلاد إلى الصوب الآخر ، بقيادة جنرال جديد ، وعصر جديد ، وتوقعات جديدة ، ثم عهد مختلف للجماهير ...

لقد تحققت لذة النص في " أسطح مثلومة " ، بحيث كان الحوار الداخلي للذات المحرومة ، تحت غطاء حلم اليقظة ، يصل إلى جمالية سحرية عالية جدا ، في رسم أدق الخلجات لجسد امرأة عاشقة ، ومدى حجم عطشه لكي يرتوي ، وعمق هيجان حلمه ، وحجم تشظيه وانفلاق رغباته ، أذا كنت " أقرأ هذه الجملة بلذة ، وهذه القصة ، أو تلك الكلمة ، فلأنها كتبت ضمن اللذة ( فهذه اللذة لا تتعارض مع عذابات الكاتب ). هل الكتابة ، ضمن اللذة ، تضمن لي أنا ، الكاتب لذة قارئي ؟ أبدآ ، ويقع على عاتقي إذن ، أن ابحث عن هذا القارئ ( أن " أغازله " ) . من غير أن اعرف أين هو " 8 ، وهذا يدفع بالكاتب الانحراف " ليضاعف مرتين أو ثلاثا والى ما لا نهاية انحراف الناقد وقارئه " 9 :
" اخرج إلى الشوارع وكلي إصرار على اصطياد أي رجل ، أول من يصادفني اطلب منه أرواء عطشي .
تحت ظل أي شجرة افتح له محارة فخذي أو أعلقهما في الهواء ، هو سيدنو بالتأكيد ، لا يمكن أن يكون غبياً ، امرأة تفتح ساقيها ، وقد قادته مسافة إلى الظل ، دون أن يركبها .
اشعر بثقله أولا فأصير أنثى ، ثم يحط صدره فوق ثديي فاشتعل نارا ، الحلمة ستستيقظ من رقادها ، تفز رافعة رأسها الوردي ومن بعد ستسعى إلى الالتصاق بصدره ، بتلك اللحظة سأسوى رقدتي بما يلائم الولوج السريع ، لا أريده أن يتيه في دغل ، ولا أريده أن يتوانى ، بل باشقا ينقض ، متوغلاً إلى الأعماق – ص 87 الرواية " .
إن حميد الربيعي لا يقبل أن يمنح نصه للمتلقي بسهولة ، بل يجعله يدور ، باحثا عما يجده في موقفه ، حميد الربيعي يفرض على المتلقي أن يغوص في نصه إلى الأعماق ، لكي يغسل جسده بأضواء نصه ، حتى تندمج تراتيل المتلقي مع كلمات الروائي في عملية فهم النصْ .






الهوامش والإحالات :
1- برندا مارشال – تعليم ما بعد الحداثة / المتخيل والنظرية ، ترجمة وتقديم : السيد امام ، المركز القومي للترجمة ،ص 196، القاهرة ، 2010 .
2- د . محمد صابر عبيد ، ملحق صحيفة النهار في 15/ 1 / 2015 .
3- تعليم ما بعد الحداثة – ص 195 .
4- جيرار جينيت - الانتقال المجازي / من الصورة إلى التخييل ، ت . د زبيدة بشار القاضي ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، ص 38 ، دمشق 2009 .
5- تعليم ما بعد الحداثة – ص 202 .
6- م . ن ص 197 .
7- م. ن ص 193 .
8- رولان بارت – لذة النص ، ت . د . منذر عياشي ، مركز الإنماء الحضاري ، حلب – سوريا ، ط2 ، ص 25 ، 2002 .
9- م. ن ص 43 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا