الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في البداوة السياسية: ثرثرة فوق النيل/الجزء ١

مظهر محمد صالح

2018 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تأملات في البداوة السياسية:
ثرثرة فوق النيل/الجزء ١
                                        د.مظهر محمد صالح
 
     الليلة اكذوبة بما هو نهار سلبي !! هكذا عبارة قالها نجيب محفوظ في روايته ثرثرة فوق النيل  وهي العبارة الشامخة التي ستظل موفرة لواحدة من الحقائق السياسية المهمة في حياة الامة مصرية، حيث يمضى الرئيس ليلته الاولى في سجن (طرة) و يالها من ليلة! انها ليلة استيقظ فيها الرئيس من نومه العميق وهو في زنزانته في السجن……  مطلقا صرخته المدوية : ( نحن لم نتفق على ذلك !!!) وقد اجاب الشارع المصري كله في يومها ((ميهمش يا ريس!!!)) ولا احد يعرف مع من كان الرئيس مبارك متفقاً! ولااحد يعلم سر ذلك الاتفاق وكيف نكثت الوعود!
كان وصولي الى قاهرة وقضائي ليلتي الاولى فيها مفارقة حادة في تاريخ مصر السياسي . انه يوم 4 حزيران 2012 وهو اليوم التالي لليلة التي امضى فيها الرئيس يومه الاول في سجن (طرة) وانها بالتأكيد الليلة الاولى التي سأمضيها في مصر لاستقبل في اليوم التالي الذكرى 45 لحرب 5 حزيران 1967 تلك الحرب التي غزت فيها اسرائيل اراضي ثلاثة دول عربية في حرب خاطفة لم تدم الا اياماً قلائل بدأت صباح الخامس من حزيران من العام 1967 وسميت بحرب الايام الستة وهي الحرب التي احتلت فيها اسرائيل كامل شبه جزيرة سيناء المصرية والمدن الرئيسة فيها اضافة الى هضبة الجولان السورية والضفة الغربية من فلسطين . وذكرتني تلك الحرب بحجم الصرخة التي اطلقها الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما صحى من نومه بعد ان قضى ليلته الاولى في سجن طرة وهو يقول نحن لم نتفق على ذلك ، كي اقول بنفسي : هل الساسة العرب لم يكونوا متفقين على ذلك !! عندما استيقظوا جميعاً من غفوتهم صبيحة يوم 5 حزيران 1967 ليجدوا اراضيهم ومدنهم حبيسة الاحتلال الاسرائيلي … لاندري !!!
كانت اقامتي في فندق فاره في جزيرة القاهرة حيث احتلت غرفة نومي الطابق التاسع عشر لتطل على قلب النيل في تلك البقعة الرائعة وامامي في وسط النهر نافورة مياه اصطناعية تزينها الاضواء ليلاً وعندما تسائلت عن سر تلك النافورة الغريبة اخبرني صاحبي الذي استقبلني بقلبه المنفتح وكرمه الاصيل ليسرني عن مغزى النافورة التي تتوسط مجرى النهر ، ذاكراً انها الغطاء الشكلي لحجرة العمليات العسكرية التي تغطس تحتها و التي قادت الى انتصار مصر في حرب 6 اكتوبر – تشرين الاول – 1973 ضد اسرائيل . و اصبح الجميع يعرف اليوم سر تلك النافورة في وسط النهر والحجرة التي تحتها  والممر السري الممتد الى الضفة اليمنى حيث منزل الرئيس الاسبق انور السادات . انها النافورة التي تحمل رمزيات كثيرة في حياة مصر السياسية وحجرة العمليات التي تحتها التي ادارت ارادة مصر في الحرب والنصر والسلام وعادت سيناء الى حضيرة مصر .
  تركت فندقي في المساء نفسه لاقضي بعض الوقت قبل ان استلق في فراشي . انها ليلتي الاولى في القاهرة وهي الليلة الثالثة التي يمضي فيها الرئيس حسني مبارك ايامه في سجن طرة .
   توجهت مع صاحبي الكريم الى كورنيش النيل في قلب القاهرة وهو الجانب الايمن من النهر حيث كان يسكن الرئيس  انور السادات والى جانب داره كان هناك اصطفاف جميل من العمران المطل على النيل . وامضيت ساعات رائعة في مساء ذلك اليوم وانا اتطلع  من المقهى الذي جلست فيه ،وامامي تدفق النهر الذي يسير في مجراه عكس انهار العالم كما تقول الجغرافية الوطنية ، وفي مخيلتي حضارة مصر وتاريخ وادي النيل العريق . و تذكرت وانا اراقب مجرى النهر وسريان مياهه،كم هو طغيان الامبراطورية الفرعونية؟ والآية القرآنية التي تقول : ( .. ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) وقد اجابني نجيب محفوظ في ثرثرته فوق النيل وهي اجابة مازالت محفوظة في ذاكرتي وتصف الطغاة هي الاخرى قائلة: لم يكن نيرون وحشاً ولكن عندما وجد نفسه امبراطوراً قتل (امه ) فلما صار (إلهاً ) احرق روما .. وقبل ذلك كان مجرد انسان عادي عشق الفن !!.
لفت نظري وانا اتطلع الى امواج النيل ومياهه المتدفقة العالية في هذا الموسم من السنة ، ان ثمة قوارب نهرية متوسطة الحجم تقترب بصورة متكررة من حافات مقهانا . وان كل قارب كان يضم عدداً محدوداً من الأسر او العائلات المسحوقة ممن اكل عليها الدهر وشرب وهم يطلبون العون او الصدقة ،حتى و ان كانت من فتات موائدنا في ذلك المقهى الشاسع الذي كنا رواده في تلك الليلة او غيره من المكانات المطلة على الماء ،التي يرتادها عادة الميسورين والطبقة الوسطى المصرية والسياح او غيرهم. وسألت صاحبي الكريم الذي يقيم في القاهرة منذ سنوات بعيدة عن هذه الظاهرة في التعاطي الانساني ، فأجابني ان تلك القوارب (المتحركة) تحمل على ظهرها قوى بشرية مسحوقة من سكان مصر ، تفترش النيل وتعيش وتتقلب على ظهر النهر في قواربها … انها حياة متحركة تماثل حياة البدو الرحل في الصحراء في رحالها وترحالها ولكن اسمها هذه المرة المياه وليس الرمال. انها تتعاطى بعض الصيد وتكابد من اجل البقاء . انها عائلات تقضي ايامها ولياليها بصورة متواصلة في ممارسة العيش والحياة في هذه القوارب (انها جمال فوق الماء) تسير بالعشرات ان لم تكن بالمئات وعلى نحو لاينقطع و ان الليل والنهار لديها سواء!!!
انها اعداد غفيرة وسلاسل طويلة من تلك القوارب التي لم تنته وهي تكابد من اجل البقاء حتى غادرنا مقهانا ، انها حقا اسر منهكة تعج بها مياه النيل في حياة عائمة تصارع بلا هدف من اجل البقاء تتحرك مع التيار او ضده على سطح النيل واعماقه تغتسل فيه وتروي عطشها منه  وتتطلع الى المجهول وان مثل هذه العائلات قد ندركها : على انهم مصريون ، انهم عرب ، انهم بشر، ثم ربما انهم مثقفون ، فلا يمكن ان يكون هناك حد لهمومهم ، .. وقد يجيبوننا : الحق اننا لامصريون ولا عرب ولابشر ، نحن لاننتمي لشيء الا لهذا القارب (او العوامة) المتحركة !نحن نستمر حتى يسحقنا اللاشيء! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. جهود أميركية لخفض التصعيد | #غرفة_الأخبا


.. مساع مكثفة سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل قتلت لونا الشبل؟


.. بعد المناظرة.. أداء بايدن يقلق ممولي حملته الانتخابية | #غرف




.. إسرائيل تتعلم الدرس من غزة وتخزن السلاح استعدادا للحرب مع حز