الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من التاريخ الغربي والطريق الى انشاء دولة مدنية علمانية في بلادنا

سوزان امين
ناشطة مدنية

(Sozana Amin)

2018 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كلنا نعلم انه من الصعب جدا مقارنة الدول الصناعية المتقدمة بالدول المتأخرة اقتصاديا وأمثلتها كثيرة في الشرق الأوسط . ولكن أكيد هناك فترة تاريخية مرت بها هذه البلدان المتطورة حين كانت فيها غارقة في الأزمات والمشاكل الاقتصادية التي تشبه الى حد ما الأزمات التي تمر بها دول الشرق الأوسط في الوقت الحاضر , خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث ألحقت الحرب دمارا جسيما بالكثير من الدول التي طال الدمار كل مرافقه وخسرت أعدادا هائلة من طاقاتها البشرية . أعقبتها نهضة صناعية وتغييرات سياسية غيرت مسار هذه الدول وجعلتها دول صناعية متقدمة .
بعض الدول الأوربية لم تكن قد تأثرت بالحروب بشكل مباشر لكنها كانت بلدان تعاني من بطالة وبؤس شديد بسبب قساوسة مناخها وقلة مواردها الطبيعية وسوء أنظمة حكمها .
فلو أخذنا السويد على سبيل المثال في القرن التاسع عشر , كان قد أزداد عدد السكان فيه الى 4,2 مليون نسمة وفي سنة 1900 كان هناك 1,5 مليون شخص . هذه الزيادة أدت إلى أن الكثير من الناس اضطروا للبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى غير التي كانوا يعيشون فيها . مما دعى الكثير من الناس للانتقال من الريف إلى المدن , والعديد منهم هاجر من السويد , حيث هاجر بين عام 1865 و1914 ما يقارب من مليون سويدي إلى أمريكا. هذه الهجرة توقفت بالطبع من خلال ظهور التصنيع الذي وصل في وقت متأخر نسبيا إلى دول الشمال مقارنة بالعديد من الدول الأخرى في أوروبا. إذ ان في منتصف القرن التاسع عشر كان معظم السويديين لا يزالون يعتمدون العيش على الزراعة. ففي ستينات القرن التاسع عشر بدأت السويد ببناء السكك الحديدية. بفضل السكك الحديدية تمكن السويديون ّ من بيع الخشب والحديد إلى دول أخرى. وتم بناء صناعات كبيرة وأصبحت وتيرة العمل أسرع باستخدام المكائن الجديدة.
قد تكون المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق والشرق الأوسط مرحلة صعبة وعسيرة ومختلفة تماما , فهناك تعقيدات اكبر , منها سيطرة الاحزاب الطائفية والقومية الفاسدة في الجنوب والوسط وفي إقليم كردستان كما ان غياب أحزاب يسارية وعلمانية حقيقية أضاف الى الوضع سوءا مما آلت الى إعاقة حركة المجتمع وتقدمه الى الإمام ناهيك عن الفساد الاداري والاقتصادي الذي طال كل مرافق البلد والذي ساهم بشكل اكبر في تأخر المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا . سوء الخدمات وتدني مستوى التربية والتعليم والثقافة بصورة عامة وانعدام الاهتمام بالقضايا الجوهرية الملّحة كمسالة البيئة وقضايا المساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الطفولة والحريات العامة , كلها أمور أساسية لبناء مجتمع مدني سليم .
بالإضافة الى كل ما سلف ذكره هو ان العراق محمّل بديون كبيرة للبنك الدولي هذه الديون تتعاظم سنويا وثقلها يقع على كاهل المواطن واستمرار هذا الوضع سيتسبب في كارثة اقتصادية أكبر مالم يتم تداركه وإيجاد سياسة اقتصادية سليمة لانقاذ الموقف , فالنفط العراقي بكل احتياطياته لايكاد يكفي لسداد هذه الديون الضخمة ونحن الآن لسنا بصدد الأسباب , فلا الزمن يعود الى الوراء ولا جلد الذات يفيد بشيء ولا حتى التغني بأمجاد الماضي يسعفنا . نحن اليوم امام واقع مضني , للخروج منه نحتاج أولا وقبل كل شيء الى حكومة مدنية جديدة غير قائمة على أسس طائفية او قومية , حكومة من الناس واليها . فبقاء هذه الأحزاب الطائفية الفاسدة في الحكم يقف عائقا أمام خروج العراق من هذه الازمات الخطيرة لا بل ويغرقها في ديون وأزمات اكبر , ناهيك عن سوء الخدمات وانعدام فرص العمل للشباب والكثير من الأمور السالفة الذكر التي بوجودها لايقوم للعراق قائمة لأي تحسن أو استقرار يذكر.
وبالرغم من كل الديون المترتبة على العراق وسوء الوضع الاقتصادي , فان تشكيل اي حكومة بمساعي الشباب من شانه ان يغير الأمور نحو الأفضل فالعراق بلد يتمتع بأراضي زراعية خصبة ويحتوي على المآثر الحضارية القديمة والمناطق السياحية والتراثية كالاهوار والمصايف والتي تستقطب السياح لو تم توظيفها والاهتمام بها بشكل جيد , فهي تعد موارد مالية يعيش عليها كل أفراد المجتمع العراقي حتى لو استبعدنا الثروة النفطية والمعدنية . وهذا بالطبع ليس ضرب من الخيال . فالسويد مثلا لم يكن يملك سوى الخشب وقليل من الحديد ومع ذلك تمكنوا من النهضة ببلادهم وجعلها دولة صناعية متقدمة و بكفاح العمال وأحزاب اليسار تمكنوا من إيجاد ضمانات اجتماعية حققت لشعبهم الرفاهية والعيش الرغيد . ومن خلال إنشاء نظام ضريبي يحفظ العيش الكريم لكل الناس وحتى العاطلين عن العمل يضمن لهم الحد الادنى من المعيشة . هذا بالإضافة الى توفير الرعاية الصحية والتعليم المجاني ورعاية المسنين ودعم كل الأنشطة الرياضية والعلمية وحتى المنظمات المدنية وحتى تقديم المساعدة للدول الفقيرة .. الى آخره من الخدمات الجلية التي يتسابق الأحزاب في فترة الانتخابات بالوعود لتقديمها للمواطنين في السويد والذي بلغ عدد نفوسهم اليوم عشرة مليون نسمة .
نحن اليوم في العراق بحاجة فقط الى شباب واعي يمسك زمام الأمور يتخطى الماضي ويؤمن بالمستقبل ويناضل من اجل تغيير هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه العراقيين . ولا شك في ان الانطلاقة الأولى تبدأ بالخلاص من الأحزاب الرجعية الطائفية والقومية الفاسدة التي تُحّكم قبضتها على الحكم في العراق حاليا , وإحلال حكم مدني مستقل منبثق من الشعب ويعمل من اجل خدمة المواطنين وينهض بالبلد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فصل الدين عن الدولة
Muwaffak Haddadin ( 2018 / 8 / 1 - 16:52 )
السيدة سوزان أمين المحترمة
تحية طيبة
مقالتك يشع منها الحس الوطني . اسمحي لي أن أضيف اليهانقطة فصل الدين عن الدولة -وإن أشرت الى العلمانية- الذي ،أي الفصل، في رأيي المتواضع هو سبب تقدم أوروبا رغم الحروب المدمرة التي مرت بها
ولو إفترضنا جدلا أننا فصلنا الدين عن الدولة وبدأنا تعليم اليموقراطية لأطفالنا فإن هذا يتطلب مرور أجيال لننهض بمواطنينا ليصبحوا في مصاف الشعوب الاوروبية
ولا ننسى الحرب الضروس التي سوف يشنها رجال الدين والمتعلقين بهم فبدلا من أن نحتاج الى ثلاثة أجيال فإننا سنحتاج الى ربما عشرة أجيال وقد نفشل في النهاية
كمالا ننسى تدخلات الدول الخارجية التي ستقف مع رجال الدين ضد فصل الدين الدولة لان الفصل سوف يضر بمصالحها
وفي الختام إنني لست متفائلا
مع الاحترام
موفق حدادين
2018/ عمان 1 /اب


2 - تبني فكرة التنميه الاقتصاجيه وبرنامجها العملي هو ا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 8 / 3 - 16:20 )
ورغم انه من غير الممكنفصل اي شئ فيالدولة والمكتمع عن غيره-ولك تخلفنا في بلدان الشرق الاوسط ومعالجته تبداء من اخذنا بضرورة تحقيق التنميه الاقتصاديه في بناء صناعه وطنيه وزراعة حديثه التي تجر معها تطويرقطاعات يعتبر نشوءها وتطورها شروطا لاحداث التنميه في الزراعة والصناعة وهي قطاعات تعتبر بدونها لاتقدم للامام في القطاعين المذمورين واقصد مثلا الكهرباء والماء والكري والجسور والصحة والتعليم وسيادة الحريات الاجتماعيه وتبلور ان الدين مكانه ويتلق بنمطقة في حياة الناس تختلف عن لمنطقه المتعلقه بالزراعة والصناعة واقمة الدولة وقوانينها ومؤسساتها وعملها لان تتعلق بمنطقة اخرى مختلفه عن منطقة العقائد الدينيه-وهكذا تطورت ليس فقد اوربا والغرب كله وهكذا تطورت اليابان وتتطور ماليزيا والمثال الافضل الصين الجباره-يجب عدم تضييع الوقت من اجل تحقيق المدنيه يجبالتركيز على انشاء الاقتصاد الذي يعتبر عملية ووقت انجاز مهام بناءه مدرسه لتمدين المجتمع كله وهكذا تطورت الشعوب المرفهة-التنميه هي الساحبه وراءها للتمدن وليس العكس-وهنا يكمن خطاء وخطر حركاتنا -التمدينيه الفاشله-بتقديمها للبناء الفوقي على القاعده-تحياتي


3 - الضرورة العلمانية ... كيف؟
محمد البدري ( 2019 / 3 / 20 - 06:14 )
تخلف دول الشرق الاوسط عن دول المجتمع الصناعي الرأسمالي بسبب ثقافة ذلك الشرق الاوسط الذي يصمم اهله علي تسميته بالامة العربية او الاسلامية.
لم يتطور العالم الرأسمالي / الصناعي بقررارات سلطوية انما باقتحام العقل المتخلف القديم المعبأ بمفاهيم Judeo-Christian Credo ومعها ثقافة Greco-Roman Philosophy وقام العصر المدرسي في اوروبا خاصة مع نهايات القرن العاشر الميلادي بعمل ضفيرة ومزاوجة بين الفلسفة والعقيدة حكمت اوروبا وحتي بدايات عصر التنوير فاصبحت الكنيسة تدافع عن ارسطو وبطليموس. مع فرانسيس بيكون بدأ النقد القاتل (لغويا) لتلك السبيكة الفكرية التي كبلت العقل وسطحته كما سطحت العالم، ومع ديكارت بدا حفر قبر تلك المعرفة. فلو رصدنا تاريخ الانسانية سنجد ان البشر تطوروا اثناء بحثهم عن المعرفة كسرا لكل ما سبق. انها القطيعة كما حدثنا عنها بشلار او النظريات التطورية داروينيا او انثروبولوجيا بحرية العقل في التفكير اينما شاء وكيفما شاء.
فما هو نظير ذلك في العالم المتخلف المسمي بالعالم العربي الاسلامي المظلم ظلاما دامسا.


4 - .. استكمال ... الضرورة العلمانية
محمد البدري ( 2019 / 3 / 20 - 06:26 )
بسقوط وفضح زيف الثقافة الدينية المؤسسة علي عقيدتي التوحيد ما قبل الاسلام وفشل نظريات ارسطو في شرح العالم اصبح لزاما علي العقل الاوروزبي والغربي عامة البحث عن حقائق الاشياء والتي انتهت بهم الي انجاز علمانية اي نظرية وضعية تحكم المجتمعات التي خرجت من ظلمات الدين الي حرية الاعتقاد والاهم حرية العقل في النقد. فما هو المقابل في الشرق الاوسط سوي الازهر وعبد الناصر الفاشستي بمصر وعلم ارهابي في السعودية وآخر منقوش عليه الله اكبر بخط يد القائد الضرورة الذي نحره الامريكيين صباح يوم عيد الاضحي. العلمانية يا عزيزتي لا تاتي بقرارات انما بصراع مع رواسب العقل المتخلف. تحياتي

اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|