الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في البداوة السياسية: من قطع اللسان الى واقعة الجمال/الجزء الاول

مظهر محمد صالح

2018 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


17/01/2013
تأملات في البداوة السياسية:

من قطع اللسان الى واقعة الجمال/الجزء الاول

د.مظهر محمد صالح

يؤشر التاريخ الاقتصادي السياسي الاوربي ان الثورتين الانكليزية والفرنسية في العامين 1688 و 1789 هما اللتان شيدتا البناء السياسي المؤسسي ووفرتا معايير الحقوق السياسية التي اسست لتعليم جيد وخدمات اساسية وفرص متكافئة الى حد بعيد وهما اطلقتا الثورة الصناعية التي بنيت على القوانين الموضوعية لحركة التاريخ . بهذه العبارات استوقفني كتاب اقرأه اليوم وهو بين يدي و يحمل عنواناً عريضاً هو :

لماذا تفشل الامم؟ ومؤلفاه استاذين اكاديميين هما (اسيماغلو و روبنسن ) وهما يبحثان في اصول القوة والرخاء والفقر . واستدركت ان الفصل الاول قد عرج على تساؤل مفاده ،هو لماذا امتلئ ميدان التحرير في القاهرة واكتضت حشود مصر وهي لم تطلب ابتداءً تعليماً افضل او توفيراً لفرص العمل او الخدمات الاساسية او رغيف خبز لجياع مصر بل كانت جميعها تبحث عن مخرج يوفر لها الحقوق السياسية والمؤسسات الدستورية كي يسقط النظام في 11 شباط 2011 ؟ وقد استنتجت ايضا ان تاريخ مصر السياسي لم يبشر منذ قرون الاحتلال العثماني والبريطاني لها، بناء مؤسسات توفر الحقوق السياسية لكي تنقل مصر الى مصاف الدول المتقدمة . ولم تفعل النخبة الملكية والتي اعقبتها النخبة العسكرية التي قادت ثورة 1952 دورها في ارساء الحقوق السياسية للبلاد، تلك الحقوق المؤسسية التي شيدت ركائز استمرار تقدم العالم الاول وانما انتهت مصر بحكم الرئيس حسني مبارك الذي سلم البلاد على انقاض نخبة ضيقة ادارت نظاماً خال من المؤسسات الموفرة للحقوق السياسية والتي اكدت النخبة الحاكمة فيها حقا ضيق افقها ، بل بداوتها السياسية وهمجيتها القمعية في معركة الجمال او واقعة الجمل في ميدان التحرير في القاهرة!.

حدثني صاحبي ونحن على طاولة الغذاء في واحد من مطاعم حدائق الازهر في يوم 5 حزيران 2012 وهو اكاديمي مازال يقضي سنواته في التدريس استاذاً في جامعة (تنكا الوطنية) في ماليزيا بأنه كثيرا ماكان يلتقي عند ادائه فريضة الصلاة في احدى مساجد كوالالمبور بشخصية خليجية تقف مراراً الى جانبه وهو شخص حسن الطلعة ، لايقوى على الكلام وهو في العقد الخمسيني من عمره . واتضح فيما بعد انه امير ثري مقطوع اللسان ويعيش في منفاه في اقاصي اسيا منذ اكثر من عقدين من الزمن عندما نافس (عمه ) على حكم الامارة في واحدة من دولنا العربية الصغيرة ، مما اضطر عمه استخدام العرف السياسي البدوي بقطع لسان ذلك الامير الشاب ليسكت الى الابد دون ان يتسبب في موته ، الا الاكتفاء بموته سياسياً وتركه صامتاً في منفاه، مع تنعمه بحصة من عوائد الامارة النفطية شريطة مواصلة عبادته و دوام انقطاعه الى ربه في تلك البلاد البعيدة ولكن دون انقطاع في اللامشاركة السياسية لتتاح للاخرين من ابناء عمومته ادارة السياسة في بلدانهم والتي ينبغي ان تمارس ربما بدون عبادة ولكن بلسان ناطق !

جرنا الحديث في اطرافه وذيوله الى تحليل البداوة السياسية كنقيض للحقوق السياسية وبناء مؤسساتها ، بأن ثمة عدد من الامراء في بلداننا العربية قد مارسوا وظيفتهم السياسية في الاستبداد الشرقي بمثل هذه القسوة ازاء خصومهم السياسيين والتي تبدأ في الغالب مع ابناء عمومتهم قبل ابناء جلدتهم ، في ممارسة التعطيل الوظيفي على كماليات جسم المنافس السياسي المتطلع الى الشراكة في كرسي الحكم سواء بقطع لسانه او سمل عينيه وربما في حالات نادرة قطع انفه ! فمنهم من فقد عينيه ومازال يقبع في قصر فاره ينعم بموارد النفط وحصته منها دون ان ينعم بالحراك السياسي او البصيرة السياسية ، واخر صامت لفقدانه لسانه دون ان يقوى على الكلام او ممارسة الجدل السياسي والتنازع على الحكم بأستخدام لسانه كأداة للاقناع او الاعتداء ! . وانتفضت في نفسي وقلت كيف يحدث ذلك في بلاد حضارة وادي الرافدين تلك الحضارة التي علمت الانسانية مبادئ الكتابة وسن الشرائع …. او حتى في بلاد حضارة وادي النيل ! اذن نحن بعيدون كل البعد عن البداوة السياسية ! وبعد لحظات تذكرت بلادي التي مرت بعقود من الحكم لبس فيها حكامنا ثوب بداوتهم وسيروا جمالهم خلف خصومهم كأسلوب للحياة وان حوارهم مع خصومهم او منافسيهم لابد ان يمر عبر حربة او خنجر او سيف شديد في حافاته سريع في قطع لسان او رأس او سمل عين ،ابتدأت في مقربيهم قبل ان تنتهي برفاقهم واحبابهم في الامس، انها مجازر قطع الالسن والاعناق التي طالت النساء كما طالت الرجال الابعدين منهم والاقربين . هكذا تحولت بلاد الرافدين الى مستنقع من الدم يلقى فيه الخصوم السياسيين دروس بسيطة في الصمت او دروس متقدمة في الموت بعد ان استوطنتها البداوة المنفردة التي تحولت الى قوة جمعية سياسية تبالغ في الايذاء وتبتكر في توليد قيم للعقاب السياسي انتهى ابسطها في اجتهاد قطع آذان الفارين من حروب البداوة والاستبداد الشرقي .هكذا امست بلادي بعد اندثار حضارة مابين النهرين وشرائع بابل وآشور في حكم البلاد والعباد لتنتهي بشرائع البداوة لصيانة سدة الحكم، ابتدات بعادة قطع السن الاقارب اولاً ( وفق قاعدة الاقربون اولى بالصمت ) وتنتهي بالابعدين الذين هم اولى بالموت وكل حسب طاقته ( في الكلام) وكل حسب حاجته (في الصمت ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. جهود أميركية لخفض التصعيد | #غرفة_الأخبا


.. مساع مكثفة سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل قتلت لونا الشبل؟


.. بعد المناظرة.. أداء بايدن يقلق ممولي حملته الانتخابية | #غرف




.. إسرائيل تتعلم الدرس من غزة وتخزن السلاح استعدادا للحرب مع حز